وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    سيناتور روسي: في غضون دقائق أوكرانيا ستكون بدون رئيس    فرنسا: ندعم المحكمة الجنائية الدولية واستقلالها ومكافحة الإفلات من العقاب    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    «بيتهان وهو بيبطل».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على انتقادات الجماهير ل شيكابالا    تعرف على استخدامات شات جي بي تي    نتيجة الشهادة الإعدادية البحيرة 2024.. موعد الظهور وكيفية الحصول على الدرجات    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    وزير الصحة: القطاع الخاص قادر على إدارة المنشآت الصحية بشكل اكثر كفاءة    خط ملاحى جديد بين ميناء الإسكندرية وإيطاليا.. تفاصيل    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    سائق توك توك ينهي حياة صاحب شركة بسبب حادث تصادم في الهرم    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    واشنطن: نرفض مساواة المحكمة الجنائية الدولية بين إسرائيل وحماس    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    مصطفى أبوزيد: احتياطات مصر النقدية وصلت إلى أكثر 45 مليار دولار فى 2018    7 مسلسلات وفيلم حصيلة أعمال سمير غانم مع ابنتيه دنيا وايمي    الخميس آخر يوم فى الموجة شديدة الحرارة.. الأرصاد تبشر المواطنين    وزيرة التعاون الدولي تُشارك في فعاليات المؤتمر الإقليمي للطاقة من أجل المرأة    اتحاد منتجي الدواجن: السوق محكمة والسعر يحدده العرض والطلب    التصريح بدفن جثمان طفل صدمته سيارة نقل بكرداسة    الاحتلال يعتقل الأسيرة المحررة "ياسمين تيسير" من قرية الجلمة شمال جنين    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    إبراهيم عيسى: حادثة تحطم طائرة الرئيس الايراني يفتح الباب أمام أسئلة كثيرة    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    إصابة شخصين في حريق شب بمزرعة بالفيوم    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    جدول مباريات الدوري المصري اليوم والقنوات الناقلة    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    وزير الرياضة يهنئ منتخب مصر بتأهله إلي دور الثمانية بالبطولة الأفريقية للساق الواحدة    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    متى تنتهي الموجة الحارة؟ الأرصاد الجوية تُجيب وتكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء    على باب الوزير    «حماني من إصابة قوية».. دونجا يوجه رسالة شكر ل لاعب نهضة بركان    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    تكريم نيللي كريم ومدحت العدل وطه دسوقي من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. شوقي علام مفتي الجمهورية في حوار حول تجديد الخطاب الديني
لا نمتلك محاكم تفتيش
نشر في أخبار اليوم يوم 27 - 02 - 2016

د. شوقى علام مفتى الجمهورية خلال حواره مع «الأخبار»
القانون لا يحجر علي الآراء لكنه يمنع التطاول
يفرق الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية بين حرية التعبير وبين التطاول، وبين النقد البناء وبين القدح في الأشخاص والمؤسسات، يضع الحد الفاصل بين التجديد والتخريب..يؤكد في حواره ل الأخبار ان لكل عصر واجبا وأن الفقهاء السابقين أدوا ما عليهم بنجاح طبقا لظروف عصرهم ولا يجب الوقوف عندهم أو ضدهم..يشدد علي أن الفكر يجب ألا يتحول للاستهانة بمعتقدات الناس أو المساس بالأديان..يحذر من مشكلة تجاوزت حد الأزمة إلي الكارثة مطالبا بتضافر الجهود لحلها بعد ان وصل عدد ضحاياها لثلاثة ملايين فرد وهي أطفال الشوارع..يضع أيدينا علي مفتاح التقدم متمثلا في البحث العلمي مؤكدا أن أية دولة دون بحث علمي «جسد ميت
التجديد يلتزم بالاعتدال ولا يحول الحق لباطل ولا العدل لظلم
الفكرة أداة للبناء وليست وسيلة للاستهانة بمعتقدات الناس
الدولة بدون بحث علمي «جسد ميت» والدستور يجرم نشر الكراهية
تجديد الخطاب الديني أصبح مدخلاً لهدم الدين والتجني علي الإسلام.. نريد من فضيلتكم توضيح ما تعنيه كلمة تجديد؟
في البداية لابد من بيان الفرق بين الإصلاح والتجديد في الخطاب الديني، فالإصلاح يفترض نقصًا ما في الواقع، وقد يصل هذا النقص إلي درجة الخلل وهذا يستلزم شيئًا من الهدم وإعادة البناء، ولذلك فإن الإصلاح يقتضي أيضًا عدم التسليم بالموروث واعتبار أن خطأ ما قد وقع عند السابقين فهمًا أو تطبيقًا أو هما معًا، وهذا هو المبرر والمسوغ لعملية الهدم والشروع في بناء جديد ينهي النقص القائم، لذا فهذا الأمر بعيد عن المقصد المرجو في الخطاب الديني
أما التجديد الذي نقصده فيتمثل في عملية إضافة جديدة لا تأتي علي القديم بالهدم أو البطلان بل تُضيف الجديد الذي يحتاجه العصر، وموقفها من القديم مبني علي فكرة القائم بواجب الوقت، وإن السابقين قد قاموا بواجب وقتهم بناءً علي مقتضيات حياتهم وأزمانهم وأنهم حققوا نجاحات، وأن لكل عصر واجبا يختلف عن واجب العصور السابقة، ولذلك فمع احترامنا للموروث إلا أننا لا نقف عنده ولا نقف ضده، بل نحترمه ونضيف إليه ونعيد صياغة مناهجه بصورة تتسق مع ما أضفناه من مناهج جديدة أيضًا، وهذا مبني علي فكرة التفريق بين المسائل والفروع والمناهج
ضرورة التجديد
وهل يوجد في الشريعة الإسلامية ما يؤكد ضرورة التجديد؟
نعم.. فلقد جاءت الشريعة الإسلامية بمدح التجديد، وبيان أهميته، بل إن نصوص الشرع الشريف نفسها تؤكد ذلك المعني، فتارة يحدثنا الشرع الشريف عن التجديد باعتباره أمرًا واجب التنفيذ، ويحث عليه المسلمين، وذلك في مقام الإيمان، فإن الإيمان نفسه يبلي ويخلق ويحتاج إلي أن يجدد في قلوب الموحدين، وذلك في قول النبي صلي الله عليه وسلم لأصحابه: جددوا إيمانكم قيل يا رسول الله: وكيف نجدد إيماننا؟ قال أكثروا من قول لا إله إلا الله فالخطاب الإسلامي هو الخطاب الذي يستند إلي مرجعية إسلامية من أصول دين الإسلام: القرآن والسنة، وما يشهد له هذان الأصلان من الأدلة الشرعية بالاعتبار
إساءة فهم
البعض يخشي من إطلاق مصطلح التجديد خشية الاتهام بأنه يريد تجديد الأصول المراد بها القرآن والسنة أو إساءة فهمه؟
الأمر ليس بهذه الصورة، إننا نقصد من التجديد الوصول إلي خطاب إسلامي صحيح من أي شائبة، خطاب إسلامي صحيح مستمَد من قيم القرآن والسنة، هذا الخطاب لا بد أن تكون له مقوماته السامية وآثاره العميقة في النفوس ومكانته الراسخة في القلوب ومنزلته التي تهز المشاعر وتحرك العواطف نحو الخير متي كان مستمدًّا من القرآن الكريم وسنة النبي صلي الله عليه وسلم، أما إذا خالط الخطاب الديني الكذب في ألفاظه أو في فتاواه أو في تفسير للنصوص الشرعية أو غيرها كانت مصائبه كبيرة وفتنته أليمة، لأنه يؤدي إلي اضطراب الأمور وإلي وضعها في غير مواضعها السليمة وإلي تحويل الحق إلي باطل والخير إلي شر والعدل إلي ظلم، فالتجديد يجب أن يكون قائمًا علي الاعتدال والتوسط، الذي هو منهج الأزهر الشريف، ويقصد بالاعتدال والتوسط أن المتحدث بالخطاب الديني عليه أن يتجنب الإسراف في فتح باب الأمل في النجاح وفي النصر ولو دون عمل، كما أن عليه أن يتجنب فتح باب اليأس والقنوط حتي مع العمل، وإنما المتحدث الحكيم العاقل عليه أن يكون ملتزمًا بالاعتدال والوسطية في خطابه، لأن شريعة الإسلام تقوم علي هذا التوسط والاعتدال في كل أحكامها وآدابها وتشريعاتها ومعاملاتها
وهل هناك صورة بعينها يمكن أن نقول إنها هي التي يجب أن يكون عليها الخطاب الديني بعد تجديده؟ أو هي الشكل المأمول لهذا الخطاب؟
نأمل في خطاب ديني يشتمل علي الوصايا العشر في قول الله تعالي: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَ لِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، فهذا الخطاب ستكون له آثاره الطيبة، وثماره الحسنة التي تجعل أبناء الأمة يصلحون ولا يفسدون، ويبنون ولا يهدمون، ويجمعون ولا يفرقون، ويتعاونون علي البر والتقوي لا علي الإثم والعدوان
كما أن الخطاب الديني الحكيم الذي نأمله هو الذي يراعي فيه المتكلم والكاتب والداعية أحوال المتلقين، فإذا كانوا في حالة سرور ونعمة ساق لهم من الآيات والأحاديث ما يدعوهم للحفاظ عليها، وإن نزلت بهم المصائب والأحزان والمتاعب الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرهما ركز حديثه أو كتابته علي العلاج الناجع والدواء السليم الذي من شأنه أن يعمل علي تخفيف تلك المصائب أو إزالتها، وبما يعينهم علي أمر دينهم ودنياهم
ضوابط التجديد
ما ضوابط التجديد وما مؤهلات الشخص الذي يستطيع أن نصفه بأنه مجدد؟
لا بد من توافر مجموعة من الشروط في المضطلعين بهذا الأمر تعينهم علي توصيل رسالتهم، يأتي في مقدمتها الإخلاص لله وابتغاء الأجر منه سبحانه وتعالي، كما أنه لا مناص من توافر العلم اللازم لذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة، ملتزمًا بالأسلوب الأمثل وهو الحكمة والموعظة الحسنة، والصبر والتحمل لما قد يلحقه، لأن الطريق ليست بالهينة، يواجه فيها بعضًا من المشاكل والمتاعب فالصبر الصبر، كل هذا في إطار من الرحمة للناس تكون شعارًا له يتمثل به أثناء سيره في هذا الدعوة إلي الله تعالي، جاعلاً من نفسه القدوة الحسنة فهي أبلغ صور التبليغ
يتهم البعض المؤسسات الدينية بأنها غير قادرة علي تجديد الخطاب الديني فما ردكم؟
إذا كانت المؤسسات الدينية التي تمتلك المنهج الصحيح والعلم الراسخ والعلماء الأثبات ليست قادرة علي القيام بواجب تجديد الخطاب الديني فمن إذًا يكون لديه القدرة علي حمل راية التجديد، خاصة أن التجديد لا يقوم علي نظرة أحادية أو فرد بعينه، هو يحتاج إلي رؤية جامعة، وهذه الرؤية تتوافر لدي المؤسسات الدينية، فالتجديد لا بد أن تضطلع به تلك المؤسسات لامتلاكها الطاقات البشرية والعلمية القادرة علي هذا الأمر بالإضافة إلي المنهج والعلم أيضًا
عندما يدين القضاء أحدًا فيما يتعلق بشأن ديني كازدراء الدين تصوب السهام نحو الأزهر فما ضوابط حرية الفكر والتعبير؟ وكيف يمكن التعامل مع هؤلاء؟
النبي صلي الله عليه وسلم دعا إلي حرية التفكير ورفض أن يكون المسلم مقلدًا بل مبدعًا فقال صلي الله عليه وسلم: «لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا»، لكن يجب ألا يتحول الفكر إلي الاستهانة بمعتقدات الناس، فإذا كانت الدساتير والقوانين حفظت للإنسان حرية الفكر والإبداع فهي أيضًا ضمنت للناس احترام معتقداتهم وكذا المعاهدات والمواثيق الدولية، أما فكرة أن يستغل حق حرية التفكير في المساس بالدين بالتسفيه والازدراء أو المساس برموزه ومعتقداته فهذا أمر مرفوض ويخرج عن دائرة الحرية إلي التطاول، وبالتالي ليس من حق أحد يخرج بدعوي حرية الفكر أن ينال أو يسيء إلي الدين ورموزه ومؤسساته، فالحرية محكومة بحدود لا يجب أن تتخطاها، والفكر قبل أن يكون منهجًا قيميا فهو منهج علمي، لأن الأمور تحكمها قواعد حاكمة لا يجب تجاوزها، ومن الشطط أن يتحول الفكر الذي يبني الحضارات ويوحد الأمم ويحارب الأفكار الهدامة والمتطرفة إلي معول هدم، وأن يدعو إلي التسفيه والازدراء
أما ازدراء الأديان فهو مجرَّم في الدساتير سواء بصورته الصريحة أو تحت مسمي جرائم الاضطهاد ونشر الكراهية، لأنه خرج عن دائرة الفكر إلي التطاول علي الآخرين ومعتقداتهم، والعقوبة المترتبة عليه ليست عقوبة دينية إنما عقوبة قانونية شرَّعها الدستور والقانون الحاكم للأمة، مثلها مثل أي جريمة في القانون وعقوبتها مثل أي عقوبة في القانون، ولا يجب الخلط في هذا الأمر، وأنا ضد المصطلحات التي تخرج تصف الأمر علي أنه محاكم تفتيش أو أن الدستور والقانون يحجران علي آراء الناس وأفكارهم، فهذه كلها مغالطات، ويجب الفصل بين حرية الفكر والتعبير المبني علي أسس منهجية وعلمية سليمة ولا تنال من شخص أحد أو معتقده وبين التطاول الذي يفتقد إلي أي منهج علمي سليم وينال من الأشخاص والمقدسات
أهواء مريضة
هناك أحاديث نبوية كثيرة يتخذها البعض مطية لمهاجمة كتب التراث وأئمة الحديث وعلماء الأمة ويطالبون بتنقية كتب الحديث منها ومن بينها: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة» و«جئتم بالذبح» فما حقيقة ذلك؟
هذه كلها أباطيل يروجها أصحاب النفوس الضعيفة والأهواء المريضة للنيل من ثوابت الدين، فحديث رسول صلي الله عليه وسلم: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة» هو حديث صحيح لكنه جاء مبينًا لوسيلة حماية الدعوة عند التعدي عليها أو التعدي علي المسلمين، وليس للعدوان علي الآخرين المسالمين الذين لا يتعرضون لنا بأذي، وكذلك حديث «لقد جئتم بالذبح» ليس المراد به المعني الحقيقي للذبح وإنما المقصود به معني مجازي هو التهديد، ودعني أقول إن القراءة الخاطئة لهذه الأحاديث من قبل المتربصين بالإسلام والمسلمين لا تختلف كثيرًا عن تلك القراءة السيئة من قبل جماعات العنف، التي جعلت من تلك الأحاديث- بقراءتهم القاصرة لها- مبررًا للعنف والقتل والإرهاب، فهؤلاء وأن اختلفت وسيلتهم إلا أنهما يعملان لتشويه صورة الإسلام، وإزالة أهم صفة تميزه وهي السماحة وقبول الآخر وكراهية العنف، لذا يجب ألا ينساق العامة وراء تلك التفسيرات المشوهة لأحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم
مصر ترسم حاليًا مستقبلها خاصة بعد اكتمال خارطة الطريق ومن وجهة نظر فضيلتكم ما اولويات العمل الوطني في الفترة القادمة؟ وهل هناك مشروع وطني يجب الالتفات حوله؟
البحث العلمي هو روح المجتمع وأي دولة بدون البحث العلمي تكون جسدًا ميتًا، فهو قضية حياة أو موت، نجاح أو فشل، بداية صحيحة أو بداية خطأ، ونحن نريد أن نصل إلي هدفنا من أقرب طريق وبأقل جهد وتكلفة، وذلك لن يكون إلا بالبحث العلمي، وبما أننا اليوم نبني مجتمعًا جديدًا ونبدأ عهدًا جديدًا، علينا أن نُرجع مصر إلي سابق عهدها، فلا بد أن نعود روادًا كما كنا علي مدار التاريخ، هذا الريادة لا بد أن تتمثل فيما نعمله اليوم من أهمية إدخال البحث العلمي والتأكيد عليه وتشجيعه وحمايته في الدستور الجديد كجزء لا يتجزأ من رؤية المجتمع لحاضره ومستقبله، فدون هذه الرؤية نكون مقلدين لدساتير العالم ولا بد من إضافة، إننا سنكون روادًا فيه، لأن الدساتير أشارت إلي البحث العلمي علي استحياء، ولكننا نريد أن يكون للبحث العلمي لمصر مكان مكين في دستورنا الجديد، لأنه روح باقي المجالات، وهو قاطرة التنمية والطريق نحو مستقبل أفضل
الفقر والبطالة
الفقر والبطالة وأطفال الشوارع والعشوائيات مشكلات تنخر في جسد المجتمع.. كيف يمكن القضاء علي هذه المظاهر السلبية؟
بالفعل هذه تحديات تواجه مصر وتهدد مستقبلها، وبالتالي من أجل التغلب عليها لا بد من إشاعة ثقافة الأمل والعمل من أجل تخطي المرحلة الراهنة، لأن مشكلة أطفال الشوارع هي أزمة وطن، وهي بمثابة قنبلة موقوتة وجاهزة للانفجار في أي وقت، كما أنها مصدر لكثير من مشكلات وأزمات الوطن في الوقت الحالي، نحن بالفعل أمام مصيبة تجاوزت حد المشكلة ودخلت في حد ما يسمي بالكارثة وأنه ينبغي علينا أن نضع خططاً بما يتواءم مع هذه الكارثة ونبتدع من الأساليب ما نحل به المشكلة علي أرض الواقع، فقد وصل عدد ضحايا هذه الظاهرة إلي ما يقرب من 3 ملايين فرد ونحن نحتاج إلي تعاون كافة مؤسسات الدولة للقضاء علي هذه الظاهرة الخطيرة من حكومة لمواطنين لمجتمع مدني وإعلام، لا يكفي أن نجد حلاًّ لهذه المشكلة المزمنة بل لا بد أيضًا من تجفيف منابع هذه الظاهرة الخطيرة ومن بينها مشكلة التسرب من التعليم، أما مشكلة العشوائيات فقد نشأت مع الثورة الصناعية في أوروبا، لذا لا بد من الاستفادة من تجارب الغير في مواجهة الظاهرة، لأن المشكلة أكبر مما نتصور ويجب أن يقوم المجتمع المدني بدور واضح لحلها بجانب الحكومة، ومشكلة البطالة أيضًا أصبحت تمثل عائقًا تنمويًّا كبيرًا وسببًا في تهديد واستقرار الدول، كل هذه المشاكل لا بد أن تقابل بالجد والاجتهاد والعمل، والتسلح بالعلم والبحث العلمي القادر علي تشخيص الداء وتقديم العلاج الناجع، وكما قلنا لا بد من إشاعة ثقافة الأمل والعمل بين الناس
كيف يمكن نشر مبدأ الوسطية في المجتمعات الإسلامية؟
يحدث ذلك عندما يستمع الجميع إلي المنهج الوسطي والمعتدل الذي يتصف به الإسلام، لأن الغلو والتطرف والتشدد ليست من طباع المسلم الحقيقي المتسامح المنشرح الصدر، ولا من خواص أمة الإسلام بحال من الأحوال، ومنهج الدعوة إلي الله يقوم علي الرفق واللين، والتوازن والاعتدال والتوسط والتيسير ويرفض الغلظة والعنف في التوجيه والتعبير، ومن خطورة التطرف والتشدد أنه تسبب في تدمير بني شامخة في حضارات كبري، وهو بكل أشكاله غريب عن الإسلام الذي يقوم علي الاعتدال والتسامح، ولا يمكن لإنسان أنار الله قلبه أن يكون مغاليًا متطرفًا ولا متشددًا، ولكي نبتعد عن الخلافات والانشقاق لا بد من جلوس كل التيارات والقوي للحوار وبحث وتدارس القضايا التي تنهض بالأمة، حتي نستطيع توحيد الكلمة وتحقيق صالح البلاد والعباد، والوصول إلي مشترك فكري يمكن في إطاره إدارة الحوار البناء الذي ينهض بالبلاد والعباد حتي نتجاوز ما هو مختلف فيه، وضمان وجود السلام الاجتماعي الذي في ظله ينعم الجميع بحياة آمنة
ثقافة الاختلاف
هل نعاني من قلة في ثقافة الاختلاف مع الآخر..وهل من شروط لنجاح الحوار مع الآخر؟
الشريعة الإسلامية أجازت للمسلم في الأمور الاجتهادية أن يتبع فيها أيًّا من المذاهب ما دامت هذه الاجتهادات صدرت من علماء وفقهاء لهم حق الاجتهاد، واختلاف الفقهاء في المسائل غير القطعية التي يسوغ فيها الخلاف من رحمة الله بهذه الأمة، وهذا ليس جديدًا أو ابتداعًا لعصرنا، بل حدث بين الصحابة رضوان الله عليهم وبين التابعين من بعدهم ولم ينكر أحد علي أحد. وعلماء الأمة علي مر العصور نظروا إلي الاختلاف علي أنه توسعة من الله ورحمة منه بعباده غير القادرين علي استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها بأنفسهم، وهذه النظرة قائمة علي إدراك العلماء أن السعة في التشريع مقترنة باليسر وهما مقترنان بالرحمة، واليسر مقصد أساسي من مقاصد الشريعة الإسلامية. ولقد وضع العلماء مجموعة من الضوابط والشروط لكي يكون هذا الاختلاف مقبولاً، أهمها ألا يؤدي الخلاف إلي مخالفة سنة ثابتة، وألا يؤدي إلي خرق الإجماع، وأن يكون الجمع بين المذاهب والأقوال فيه ممكنًا، وألا يوقع الخلاف في خلاف آخر. كما أن الفقه الإسلامي ليس فيه كهنوتا يسمح لمن يشتغل به أن يكره الناس علي رأيه، وفقهاء الأمة العظام كانوا يدركون ذلك ولم يحدث مطلقًا أن اعتبروا أنفسهم أصحاب الرأي الأوحد الصواب، فهذا هو أحمد بن حنبل يقول: «لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس علي مذهبه ويشتد عليهم» والإمام الشافعي: «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، وبناءً عليه لا يصح وصف من يختلفون معنا في الرأي أو الاجتهاد بالخطأ أو الابتداع والفسق والضلال، فوصف المخالف بذلك فيه خطورة علي وحدة الأمة واتباع للأهواء التي تفرق ولا تجمع. وبالتالي لا يجوز للمسلم الإنكار علي أخيه وإحداث الفرقة بين المسلمين في المسائل الفرعية الخلافية، لا سيما وأن هناك مَن قال بها من العلماء المعتبرين، وعلي المسلمين أن يجتمعوا علي المتفق عليه ولا يفرقهم المختلف فيه
في ظل تعدد جهات الفتوي وما يحدث في الفضائيات من سيل فتاوي هل اهتزت دار الافتاء؟
دار الافتاء المصرية مؤسسة راسخة انشئت عام 1895 وتولي الافتاء فيها عبر القرون خيرة العلماء ولها طريق واضح محدد فيما يتعلق بمصادرها وطرق البحث وشروطه كما انها صاحبة عقلية علمية عبر هذه الفترة وما قبلها لها جذور في التاريخ ولها خبرة إدراك الواقع لذا فدار الافتاء المصرية لا يمكن أن تهتز لاتباعها منهجا وسطيا ولانها مؤسسة لديها قدرة علي إدراك مصالح الناس في مقاصد الشرع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.