عندما صدرت "الجمهورية" في مثل هذا اليوم من 64 عاما فاجأت القراء بان للجريدة سبعة "7" رؤساء تحرير!!!! تعود القراء وجود رئيس تحرير واحد كشيء طبيعي.. ولكن المرحوم صلاح سالم -واحد من خير من عملت معهم في حياتي - المرحوم صلاح سالم خلال الاعداد "الصفر".. وهي الاعداد التجريبية التي تصدر قبل اعداد السوق لكي نقرأها نحن اسرة التحرير فقط ونقارن بينها وبين الصحف الموجودة في السوق كنا نسميها اعداد الصفر لان العدد الاول هو أول عدد ينزل السوق.. المرحوم صلاح سالم وجد في الاعداد الصفر اسمه كرئيس تحرير منفردا.. فرفض هذا الوضع.. كيف اكون رئيسا لطه حسين وكامل الشناوي و.. وكتب بنفسه قائمة رؤساء التحرير وأصر عليها وصدرت الاعداد بشيء غريب.. هذه الجريدة لها سبعة رؤساء تحرير هم: طه حسين وصلاح سالم وكامل الشناوي وابراهيم نوار وموسي صبري وناصر النشاشيبي وحسين فهمي - وحسين فهمي هو صاحب فكرة اصدار الجمهورية وهو صاحب الدار التي صدرت منها الجمهورية في أول اعدادها وهو ايضا نقيب سابق للصحفيين - حسين فهمي قصة أخري طويلة.. فهو أحد الأصدقاء المقربين لجمال عبدالناصر منذ عام 1948 منذ حكاية الفالوجا.. *** كان كل رئيس تحرير له عمله المحدد لذا صدرت الجمهورية من أول عدد "قنبلة صحفية" هزت السوق.. الصحفي حتي النخاع موسي صبري استاذي واستاذ كل صحفي حقيقي - كان من رأيه أن الناس تنتظر من الجمهورية جريدة الثورة كل يوم اخبارا جديدة.. لذا صدر أول عدد للجمهورية منفردا بأهم خبر.. تقديم فؤاد سراج الدين للمحاكمة أمام محكمة الثورة وهذا هو قرار الاتهام!!! كان موسي صبري وابراهيم نوار يتبادلان رئاسة التحرير كل منهما ثلاثة ايام.. ولما استقال حسين فهمي من الجريدة بقصة طويلة أخري حل محله اسماعيل الحبروك الذي انفرد برئاسة تحرير العدد الأسبوعي.. وأذكر في أول عدد للحبروك جاءني المرحوم الحبروك وطلب مني موضوعا رياضيا وفي نفس الوقت غير رياضي!!!كيف؟!! .. فكّر وغداً نلتقي.. أخذتني دوامة العمل ونسيت وفي اليوم التالي جاءنا اسماعيل الحبروك في القسم الرياضي يسأل عن فكرة الموضوع الرياضي وغير الرياضي.. وصمتنا وبلمنا!!! قال الحبروك ان عنده موضوع.. حديث صحفي بين صلاح سالم الذي لم يدخل ملعبا في حياته ولم ير أيه مباراة والضظوي الذي لم يقرأ جريدة أو اي ورقة ايضا في حياته وكان لايعرف اسم أي وزير أو رئيس وزراء أو أي شيء.. انفجرنا جميعا بالضحك وقال الحبروك انه يريد القراء أيضا يضحكون مثلكم.. الصحافة كان لها رجالها.. كان مايسترو هذا الموضوع عبده خليل كبير مصوري الجمهورية.. صور عبده خليل التي التقطها للوجهين.. وجه صلاح سالم ووجه الضظوي خلال الحديث خير ما في الحديث.... ملامح الوجهين مع السؤال والاجابة حكاية رائعة. *** طه حسين - رئيس تحرير بلا مرتب كشرط له - كان هناك شرط آخر وهو انه سيكتب نصف عمود لا أكثر ولكن ليس كل يوم.. لايريد ان يكتب أي كلام - مثلنا -!!!... سيكتب حينما يكون هناك مايستحق الكتابة... وقد كان.. حاول صلاح سالم اقناع طه حسين ليكتب كل يوم ولو ربع عمود ليربط الناس بالجمهورية ولكن دون جدوي.. كان طه حسين يري ان الكتابة الصحفية تقتضي انفعال الكاتب بحادث أو قرار أو خبر ويكتب الكاتب وهو منفعل أو متحمس لشيء ما.. وظل طه حسين علي موقفه.. يكتب حينما يكون هناك ما يستحق الكتابة. *** الأخ ناصر النشاشيبي يكتب كل يوم عن موضوع واحد وهو القضية الفلسطينية.. وله معارك صحفية مشهورة مع الكاتبين الكبيرين عبدالرحمن الشرقاوي ويوسف ادريس.. كان الأخ النشاشيبي مقتنعا بانه سيلقي باسرائيل في البحر بما يكتبه ضدها!!! وكان الكتاب الكبار في الجمهورية وغير الجمهورية الذين يسهرون كل ليلة في حجرة عبدالحميد سرايا مدير التحرير كان يأتي من روز اليوسف محمود السعدني وحسين فؤاد ولويس جريس وغيرهم كانت معظم سهرات هؤلاء عبارة عن الضحك والتريقة علي مقالات النشاشيبي!!! *** فاكهة الدار.. كان اسمه كامل الشناوي.. جلسة الادب والشعر والصحافة والفن.. وقليل من السياسة بالهمس والخفاء.. إذا كانت هناك اخبار هامة وخطيرة وما أكثرها في هذه السنوات كان كامل الشناوي بخفة دمه المشهورة يقول: اللي سمعه تقيل يترك الحجرة بسرعة!! كان الكلام بالهمس واحيانا بالاشارات المضحكة الخارجة!!!! ظل كامل الشناوي يخشي طول عمره إلي أن لقي ربه كان يخشي من الاعتقال.. رغم ان له فلسفة في هذا الشأن.. كان يراهن الجميع بانه لن يتم اعتقاله طوال حياته.. كيف؟!! .. لانه اذا جاء من يعتقله في الفجر كالعادة.. لن يصل الركب الي باب المعتقل الا ويكون كامل الشناوي قد مات من الخوف فيدخل المقبرة بدلا من المعتقل!!!! كان كامل الشناوي اذا كتب يكتب مقالات نارية ضد النظام دون ان تستطيع ان تقول انها ضد النظام!!! قدرة غريبة في اختيار كلمات وجمل لها أكثر من معني.. وسبق ان كتبت بعض الامثلة في نفس هذا المكان!!! كامل الشناوي لم يتزوج.. مثل العديد من الادباء والشعراء والصحفيين الكبار.. والسبب واحد.. أحب ولم يتجاوب معه المحبوب.. طابور طويل بدأ بالعقاد وقصته مع سارة التي تحولت إلي اكثر من عمل فني.. وحافظ محمود وانطون الجميل والرافعي وجبران وطاهر الطناحي.. ضحايا الصحفية الشاعرة الموهوبة "مي زيادة" كتبت قصتها هنا بالجمهورية منذ اسابيع.. حتي الفيلسوف العظيم صاحب العقلية النادرة والمناصب الرفيعة لطفي السيد باشا عشق مي زيادة وعرض عليها الزواج وكان في الستينيات من عمره وكان ردها في منتهي البلاغة. - كبري بناتك في سني هل ترضي لها بزوج في سنك؟؟ ظل المرحوم لطفي السيد القيمة والقامة يحضر ندوات ومحاضرات مي زيادة حتي وفاته.. وقال قولته المشهورة: - أحسد عينايا.. العينان أحبا وتمتعا بالحب!! دون صاحبهما!!! *** كذلك كان كامل الشناوي... أحب المطربة نجاة حبا جنونيا.. دائما الشعراء والادباء الحب عندهم مقدس يستولي عليهم للابد.. كانت قصائد شعر الشناوي الاخيرة تخاطب نجاة.. فاكتفت بغنائها للجمهور كله.. مثلا لا تكذبي "لقد رأيتكما معا" وفي آخر العمر قصيدة حزينة عن عيد ميلاده الاخير "لماذا عدت أيها الشقي".. وكان المرحوم كامل الشناوي قد طال مرضه الذي ألزمه السرير لايتحرك.. فاذا بنجاة في لمسة وفاة رائعة وهي الرقيقة الجميلة صاحبة القلب الكبير ظلت بجوار سرير الشناوي كل يوم طوال مرضه.. قضت نجاة كل ايام مرض الشناوي بجوار سريره طوال اليوم... - هل يوجد هذا الوفاء الآن؟؟ - قول يا باسط!!