جئت إلي "الجمهورية" في يونيه 1958 مع الزميلين العزيزين عبداللطيف فايد. ومحفوظ الأنصاري. والزميلة ناهد المنشاوي. وكان معنا زملاء أعزاء انتقلوا إلي رحاب الله هم: الأستاذ منصور حامد نسيم. والأستاذ عبدالوهاب دنيا. والأستاذ أحمد نوار.. وكنا شباباً نعمل "تحت التمرين" في جريدة "الشعب" التي كان يرأس تحريرها في ذلك الوقت المرحومان صلاح سالم وحسين فهمي.. وحسين فهمي كان أيضاً أول رئيس لتحرير "الجمهورية" عند صدورها في 7 ديسمبر ..1953 وعندما رؤي دمج هذه الجريدة مع جريدة "الجمهورية" انتقل معظم العاملين فيها إلي "الجمهورية".. وتركنا مبناها القديم في شارع قصر العيني إلي مبني جريدة "الجمهورية" في شارع زكريا أحمد.. وهو المبني السابق لهذا المبني الجديد الذي تشغله "الجمهورية" الآن. وكل صحف وشركات دار التحرير للطبع والنشر.. وسُميت الجريدة بعد الدمج: "الجمهورية .. جريدة الشعب". وكان وجودنا في "الشعب" في عدة غرف متجاورة يربط بينها صالة طويلة ممتدة من أول المبني إلي آخره.. فكان كل مَن في المبني يستطيع أن يري جميع زملائه في دقائق مروراً عليهم من خلال هذه الصالة. في "الجمهورية" انضممنا إلي زملاء سبقونا في العمل فيها. وافتقدنا نسبياً ميزة الاطمئنان علي الزملاء في زيارة واحدة من أول الصالة إلي آخرها.. فالعدد كان كبيراً من ناحية.. والغرف كانت مغلقة علي أصحابها من جهة أخري.. رغم أنه كان يربط بينها أيضاً صالة واحدة.. ولكن الصحفيين وُزعوا كذلك علي عدة طوابق.. ومع هذا فقد كان دائماً هناك ما يجمع الكثيرين معاً.. فمثلاً في "بلكونة" تطل علي شارع زكريا أحمد.. يقصدها الزملاء أو بعضهم ليجلسوا علي أطرافها.. وينضم الآخرون إليهم للسلام أحياناً.. أو للمناقشات في أمور كثيرة في أحيان أخري. كنا شباباً في مقتبل عمرنا.. تجمعنا جميعاً صداقة بدأت من "الشعب".. واستمرت مع "الجمهورية".. نحن "الستة" مجموعة الشباب كما كانوا يسموننا. نتطلع إلي الكبار حولنا من رؤساء التحرير ومديري التحرير كأساتذة كبار. كان لهم الفضل كل الفضل في احتضاننا.. وتعليمنا أيضاً.. رغم أن كلاً منا قد اختار طريقاً اختلف عن الآخر في تخصصه في العمل الصحفي. وأعود بذاكرتي إلي تلك الأيام الباكرة من حياتي لأتذكر أسماء الرعيل الأول الذين أصبح غالبيتهم في رحاب الله.. أتذكر من رؤساء التحرير كامل الشناوي وإبراهيم نوار وإسماعيل الحبروك. وناصر النشاشيبي.. وكان أول فلسطيني يرأس صحيفة مصرية.. وأتذكر من مديري التحرير عبدالعزيز عبدالله. ومحمود سليمة.. وممدوح رضا.. وعبدالحميد سرايا. وكان لكل من هؤلاء بصمة في حياتي وحياة زملائي الشباب في ذلك الوقت.. ولي مع كل منهم ذكريات لا تُنسَي.. وإلي الكثيرين منهم يرجع الفضل في تكويني الصحفي.. وأضيف إليهم من رؤساء التحرير في مرحلة تالية: موسي صبري.. ومصطفي بهجت بدوي.. وكمال الحناوي.. وفتحي غانم وحلمي سلام.. عمالقة في مهنتهم.. وأساتذة كبار لنا.. تعهدونا بالرعاية والاهتمام.. فيما افتقده الكثيرون من أجيالنا التالية.. فيمن تولي منصب رئيس التحرير أو مدير التحرير.. كان هؤلاء الأساتذة يقدمون لنا عصارة فكرهم وخلاصة حياتهم وتجاربهم.. وكانوا أساتذة وآباء في نفس الوقت.. ولعلي هنا أشيد بالراحل العظيم إبراهيم نوار. الذي انتقل إلي رحاب الله وبكيته وأنا خارج القاهرة. تمنعني عن وداعه مسافات ومسافات.. وأشيد أيضاً بالأستاذ موسي صبري.. والاثنان تعلمت منهما الكثير. كان إبراهيم نوار. يرحمه الله. يصحبني في سيارته عائداً إلي منزلي.. فقد كنت في نفس الاتجاه.. وكان يتفضل رحمه الله بالسؤال عني. عندما كان ينصرف عائداً إلي بيته. إذا كنت أنا أيضاً سأغادر "الجمهورية" ليتكرم بتوصيلي معه.. كان دمث الأخلاق. وصحفياً من الطراز الأول.. علمني الكثير.. أما موسي صبري يرحمه الله. فقد توسم فيَّ شيئاً من الجلد علي العمل.. فكان يتصل بي في السابعة صباحاً وأحياناً قبل ذلك.. ليعيب عليَّ عدم نزولي من منزلي وحضوري إلي "الجمهورية" مادمت مستيقظاً؟!.. وكنت أحضر علي عجل لأتلقي تكليفاته الصحفية.. وأتلقي أيضاً توجيهاته التي مازلت أعمل علي هديها.. كان معلماً بحق لأجيال من الشباب.. أذكر أيضاً جلساتنا في مكتب الأستاذ عبدالعزيز عبدالله. رحمه الله. مدير التحرير.. وقراءته لما يقدمه الزملاء من أخبار أو موضوعات في حضور هؤلاء الزملاء. وتوجههم بالتغيير أو التعديل الذي يرفع من قيمة ما كتبوه. ويزيده وضوحاً.. أذكر أيضاً الأستاذ محمود سليمة. رحمه الله.. وقد كان معلماً لنا في حب وتواضع.. وقد أخذت عنه الكثير. وكان أباً راعياً لنا بحق.. ولكنني أذكر مع هذا أيضاً زميلاً في سنوات متقدمة من عملنا في "الجمهورية".. كان يكلفنا بمهمات وموضوعات صحفية عديدة.. وتقديمها له. فيأخذها منك.. ولكنها لا تري النور أبداً.. وأخبرني فيما بعد زميل فاضل كان يزامله في نفس الغرفة. أنه بمجرد خروج من قدم إليه الخبر أو الموضوع. يلقيه في سلة المهملات دون أن يقرأه.. وهذه حكاية أخري سأعود إليها في مرة قادمة.. وقد أضيف إليها حوارات.. ولقاءات مع عمالقة الفكر والأدب الذين عشت بينهم. وكانت لي معهم ذكريات عديدة علي رأسهم عبدالرحمن الشرقاوي. ويوسف إدريس. وعميد الأدب الإمام. وسامي داود. وسعدالدين وهبة.. وآخرون من العمالقة الذين حفلت بهم "الجمهورية" في أغني فتراتها.. رحم الله الجميع.. وكل عام و"الجمهورية" العزيزة علي قلبي.. وقلوب كل من يعمل بها. بخير وازدهار.