أتمني أن يكون تنوع الآراء الذي ساد مؤتمر الشباب في شرم الشيخ نموذجا يحتذي به في جميع مجالات الحياة في بلدنا قبل اتخاذ أي قرار مصيري يؤثر علي حياة المصريين فذلك هو الضمان الوحيد لكي تتلاقي الأفكار والرؤي ووجهات النظر المتباينة بما يصب في الصالح العام لأن الصوت الواحد يؤدي إلي كوارث وطنية نحن في غني عنها مع تطلعنا إلي بناء وطن جديد تسوده الحرية والعدالة والكرامة. كانت تلك المقدمة واجبة قبل الدخول في قضية الإعلام المصري بصفة عامة والصحافة بصفة خاصة التي أثيرت في المؤتمر وتباينت فيها الآراء. فبينما طالب الصحفي المخضرم نقيب الصحفيين الأسبق الأستاذ مكرم محمد أحمد بأن نكون صوتا واحدا وتبعها بالقول التنوع مطلوب يجب أن نتنوع في الآراء ولكن نلتزم. قال الاستاذ ابراهيم عيسي: "مافيش حرية من غير تعددية.. مافيش حرية من غير أصوات متعددة". أري ان حديث الأستاذ مكرم تضمن تناقضا غير مفهوم فكيف نكون صوتا واحدا بينما التنوع مطلوب؟! أرجو التوضيح. ثم تحدث الأستاذ مكرم عن الصحفي السياسي موضحا خطأ الجمع بين الصفتين وهو قول فيه ظلم لتاريخ الصحافة المصرية التي نشأت في حضن السياسة سواء كانت مع الاحتلال الانجليزي والحكام التابعين له أو ضدهم وفيه أيضاً ظلم لتاريخ الصحفيين المصريين الذين خاضوا أشرف المعارك دفاعا عن مصر وعن الشعب المصري وحقوقه في العيش بكرامة. الأمثلة كثيرة ربما لا يتسع المجال إلي التوسع فيها ولكن التاريخ يحدثنا عن الصحفي المصري الأول عبدالله النديم الذي كان زعيماً سياسياً شعبياً أيد عرابي بكل قوة وكان في ذات الوقت صحفياً من الطراز الأول تصل كلمته إلي كل فرد في المجتمع ولعب دوراً وطنياً لا ينكره أحد في مواجهة الهجمة الاستعمارية وفي الدعوة إلي العدالة الاجتماعية وإلي تطوير المجتمع اقتصادياً اعتماداً علي الذات. وتتعدد الأسماء بتوالي الأجيال فنقابل مصطفي كامل الزعيم السياسي وصحيفته "اللواء" التي فضحت جريمة الاحتلال الانجليزي في دنشواي ووقفت في وجه محاولة مد امتياز قناة السويس وزميله الصحفي أحمد حلمي وأيضاً أحمد لطفي السيد وزكي مبارك وفاطمة اليوسف وبديع خيري وسلامة موسي ومحمود عزمي ومحمد مندور وإحسان عبدالقدوس كلهم صحفيون ذوو رأي سياسي واجتماعي خاضوا المعارك دفاعا عن حق الشعب في الاستقلال والحرية والعدالة. ثم نأتي إلي تاريخ قريب عاصره جيلنا مع جيل الاستاذ مكرم حيث وقف نقيب النقباء الصحفي الراحل كامل زهيري "1927 - 2008" بصلابة في وجه محاولات الرئيس أنور السادات تحويل نقابة الصحفيين إلي نادي للتخلص من معارضتها المستمرة لسياساته الاقتصادية والاجتماعية المنحازة للأغنياء وضد مصالح فقراء الوطن. كما كان للصحفي كامل زهيري مواقف سياسية وطنية مشهودة ضد اتفاقيات كامب ديفيد وضد مشروع تزويد اسرائيل بمياه النيل. معارك سياسية وطنية مشرفة خاضها كامل زهيري دون أن ينتزع أحد منه صفة الصحفي التي لازمته حتي وفاته.