سألني أديبنا الكبير الاستاذ بهاء طاهر »هل أنت متفائل«؟.. فقلتُ دون تردد »نعم«.. فتساءل بلهجة بدا فيها بعض التعجب عن أسباب هذا التفاؤل القوي.. فأجبتُ من فوري لسببين.. أولهما أن الشعب المصري كسر حاجز الخوف ولن يسمح لاحد ايا »كان أن يقهره او يقمعه من الآن فصاعدا«،. وثانيهما أن شبابنا صار اكثر وعيا وشجاعة وإصرارا.. وهذا ما يجعلني مطمئنا بشأن المستقبل.. وأردفتُ كل ما يحدث الآن بخيره وشره مؤقت وانتقالي، سيذهب إن آجلا أو عاجلا.. ولن يبقي إلا مصر وشعبها يمارسان دورهما التاريخي في صنع الحضارة بعد ان كانا للبشرية بمثابة »فجر الضمير« علي حد وصف عالم المصريات الامريكي هنري بريستيد.. ولكن للثورة والثوار مطالب لن يهدأ لهم بال حتي تتحقق.. وأول هذه المطالب سرعة تفعيل قانون الغدر لعزل القيادات التي افسدت الحياة السياسية وحرمانهم من ممارسة العمل السياسي وخاصة قيادات الصف الاول والثاني للحزب الوطني المنحل.. وثاني هذه المطالب الغاء حالة الطواريء .. وثالث المطالب الغاء محاكمات المدنيين امام المحاكم العسكرية.. والمطلب الرابع هو إقرار حق المصريين في الخارج ليس فقط في التصويت ولكن ايضا في تمثيلهم بنسبة عادلة في البرلمان مثلما هو الحال في تونس والمغرب.. المصريون في الخارج كنز استراتيجي حقيقي أرجو أن نقدره حق قدره ونستفيد منه في إعادة بناء بلد خربه نظام فاشل ومستبد وجاهل أهدر كرامة المصريين وأذلهم في الداخل والخارج.. الكثير من ابنائنا في الخارج علماء نابهون في مختلف التخصصات ويتمنون خدمة وطنهم الأم بأي وسيلة.. اضافة الي أن العديد منهم رجال أعمال ومستثمرون بارزون يتمنون العودة الي مصر واستثمار أموالهم فيها.. أما عن حبهم للوطن واعتزازهم به، فحدث ولا حرج.. وقد تعمق هذا الشعور وتأجج في الايام الاولي للثورة التي بهرت العالم وجعلته يكاد يبوس أيادي وأقدام المصريين في كل مكان.. كان العديد من المصريين في الخليج واوروبا يتصلون بنا في التحرير وهم يذوبون فرحة وفخرا.. كانوا يشدون من أزرنا ويقولون لنا إن رؤوسهم ارتفعت الي عنان السماء وتغيرت نظرة الآخرين اليهم وطريقة تعاملهم معهم.. بعضهم ألحوا في عرض مساعدات مادية.. وآخرون اقترحوا استحداث صندوق يموله العاملون في الخارج لإنقاذ الاقتصاد وإعادة البناء.. كانت زهوة الثورة أيام التحرير الاولي التي تجلت فيها روح الميدان كأروع وأبدع ما تكون، ترفرف علي الجميع.. ولكن جاء بليل مَن سرق الفرحة وأطفأ الانوار فجأة في جريمة لن يغفرها التاريخ حينما استكثر علي هذا الشعب ثورته الباهرة التي رقص علي أنغامها العالم وسرت روحها الي ميادين عواصم عديدة لتلهمها رفض الظلم وطلب الحرية.. فقد استحضر كل ثوار وأحرار العالم اسم التحرير وروحه.. كانت الجريمة الابشع في حق مصر هي عدم الاعتراف بالشرعية الثورية، وتكليف لجنة من مشرعي النظام البائد لإجراء نفس التعديلات التي كان قد طلبها رأس ذلك النظام علي دستور مهلهل تم انتهاكه وترقيعه اكثر من مرة علي يد "مجرمين محترفين من ترزية القانون، مازالوا طلقاء حتي الآن، ليكون علي »قد« الوريث المنتظر!!.. أي أننا جئنا ب»عواجيز« مستشاري النظام ليشرعوا لثورة فجرها الشباب!!.. هذا هو سر المأزق التشريعي والقانوني والسياسي الذي نعاني منه حاليا.. فقد تم حشر مصر الفتية الثائرة في جلباب قديم ضيق جدا ومليء بالرقع فبدا منظرها ليس مضحكا فقط ولكنه يثير الاسي والشفقة.. في هذا الخطأ، بل الخطيئة، التشريعية يكمن جوهر الأزمة.. وبداية الاصلاح هو الاعتراف به والرجوع الي الحق علما بأن الرجوع الي الحق هنا ليس فضيلة اخلاقية فقط وإنما هو واجب وطني لا يحتمل المزيد من المناورات والتسويف.. في موسم الانتخابات أتذكر دائما نقيب النقباء كامل زهيري الذي علمنا كيف نحافظ علي النقابة مستقلة عن كل الاحزاب والتيارات والجماعات السياسية.. وكيف نحمي اعضاء النقابة مؤكدا ان العضوية كالجنسية لا يجوز اسقاطها.. كان كامل زهيري مثقفا فريدا ونقابيا متميزا وحكاء عظيما.. وفي آخر سهرة في منزله بالزمالك قبل نقله الي المستشفي ثم انتقاله الي الرفيق الاعلي تفضل بالموافقة علي اقتراح من الصديق يحيي قلاش ومني بأن نسجل له حكاياته عن الصحافة والصحفيين طوال مسيرته المهنية الحافلة وذلك لإيماننا بأن رحلة كامل زهيري جديرة بأن تسجل لتكون نبراسا للاجيال الجديدة التي اختارت العمل في بلاط صاحبة الجلالة.. ولكن الظروف ومرض الاستاذ كامل ثم رحيله المفجع حالت دون تحقيق هذا الهدف العزيز.. اتذكر استاذنا كامل زهيري الذي أحب يحيي قلاش مثل ولديه مؤنس وعمرو.. وكان يقدر كثيرا دور يحيي النقابي واخلاصه وتفانيه في الدفاع عن مهنة الصحافة وقيمها وتاريخها.. واكثر ما افتقده الآن في معركتنا من اجل نقابة مستقلة لكل الصحفيين لا تختطفها جماعة او حزب، هو توجيهات كامل زهيري وحضوره في المشهد.. وقد سعدتُ جدا بما كتبه الزميل مؤنس زهيري عن يحيي قلاش ووصفه له بأنه أخوه الثاني واطلق عليه اسم يحيي كامل زهيري.. وانطلاقا من هذا الحب والتقدير العظيم لا أملك إلا مناشدة الزميل مؤنس زهيري تغليب المصلحة العامة وإعلاء القيم النقابية التي زرعها فينا نقيب النقباء كامل زهيري، بالتنازل لشقيقه يحيي كامل زهيري.. وإعلان تأييده له كما فعل عمرو كامل زهيري.. كما اناشد كل الزملاء والاصدقاء الانضمام الي في هذه المناشدة لأن جميع تلاميذ وأبناء كامل زهيري لا بد وأن يكونوا يدا واحدة لإنقاذ النقابة من محاولة اختطافها.