العميد يسري عمارة أحد أبطال حرب أكتوبر شارك في عملية خطف "دان أفيدان شمعون" أول أسير من الضفة الشرقية في حرب الاستنزاف وإن ظلت عملية أسر قائد اللواء الإسرائيلي عساف ياجوري أشهر بطولاته. روي البطل يسري عمارة ل "الجمهورية" مشواراً طويلا من البطولات والتضحيات بداية من تخرجه في الكلية الحربية في يوليو عام 1969 وانضمامه لكتيبة مشاة ميكانيكي وحتي تقاعده كمساعد مدير كلية ضباط الاحتياط برتبة عميد. عاد بذاكرته إلي فترة حرب الاستنزاف ليتذكر حماس الشباب عندما كان ملازم أول تسلم موقعه بسرابيوم وعين غصين ما بين الإسماعيليةوالسويس. وقال: "كان موقعي في خندق.. وكل مهمتي أن أمنع أي شخص من الاقتراب منه وفي ذلك الوقت كنا بحاجة إلي دفعة معنوية لأن اسرائيل كانت في أوج افتخارها وزهوتها بما حققته في 1967 وكانت توجه ضرباتها في كل مكان فربطنا تلك الدفعة المعنوية بخطف أسير إسرائيلي من الضفة الشرقية وبالفعل في ديسمبر 1969 أبلغنا قائد الكتيبة المقدم صلاح حبشة بالعملية وتم عبور دورية بقيادة قائد سرية استطلاع اللواء النقيب أحمد إبراهيم وكان دوري حماية الدورية بالضفة الغربية وإبلاغ القيادة بما يحدث وعبرت الدورية شرق القناة واستقرت في حفرة "كمين" علي بعد كيلو ونصف الكيلو متر وأبلغناهم بقدوم سيارة جيب من بورسعيد فهاجموها ودمروها وأسروا الضابط الإسرائيلي دان أفيدان شمعون. استقبل الجنود المصريون الأسير الإسرائيلي بكل حماس وغضب خصوصا وأن زميلاً لهم يدعي توفيق الشافعي استشهد قبل أسبوع في عملية ضرب عشوائي للموقع وكان عائدا من إجازة خطوبة وقام بتوزيع الجاتوه والشيكولاتة علي زملائه فتذكروا مدي سعادته حينها ودمه الذي لم يبرد عندما رأوا الضابط الإسرائيلي وأرادوا الفتك به فحاولت تهدئتهم وقدمت للأسير شربة ماء عندما طلبها فهدأ الجنود وسأل الضابط الإسرائيلي الملازم أول يسري الذي قدم له الماء عن إسمه فقال له "جمال عبدالناصر" وسأل عن إسم باقي الجنود فأجابه بهدوء "كلنا جمال عبدالناصر" فارتسم الغيظ علي وجه الضابط الإسرائيلي وامتلأ الجنود بالحماس وعرفوا أنهم بهذه الكلمة وحدها وبترديد اسم "جمال عبدالناصر" فقط انتقموا منه وتم نقله بعد ذلك إلي المستشفي لعلاجه ثم تسليمه للمخابرات الحربية وكان أول ضابط إسرائيلي تم تسليمه في عملية تبادل الأسري بعد نصر أكتوبر نظرا لاهميته هناك حيث كانت هناك صلة قرابة تربطه بجولدا مائير وفيما بعد أصبح نائب رئيس الموساد الإسرائيلي. رهبة المياه استرجع العميد يسري عمارة فترة قبيل النصر العظيم قائلا كنا في ذلك الوقت دائمو التدريب علي العبور لتجاوز عقدة المياه التي تكونت لدينا وبالفعل أثناء حرب الاستنزاف كنا نصر علي أن يقوم ضابط كل يوم بعبور الضفة الشرقية بدون سلاح ويعود في صباح اليوم التالي وكان الهدف من هذه العمليات القضاء علي رهبة الماء تماما وأول ضابط قام بهذه الخطوة كان الملازم أول رشدي عبدالله الذي أخبرنا عند عودته ان تحصينات النقاط الاسرائيلية ضعيفة وأن المخابئ كانت تقريبا خالية من الجنود وأنهم يعتمدون علي الرهبة النفسية التي تكونت من كثرة حديثهم عن جيشهم الذي لا يقهر وأنهم في الحقيقة أجبن من مواجهتنا وبهذه الكلمات ارتفعت معنويات الضباط وأصبحنا نتسابق علي العبور. أضاف: "كنا قبل حرب أكتوبر قد تدربنا علي العبور بشكل دائم من خلال عبور الترعة الواقعة بمنطقة المحسمة غرب الإسماعيلية ما بين أبو صوير والقصاصين وكان يتم خلال عملية التدريب اقتحام نقطة محصنة وكانت محاكاة لعملية العبور التي تمت فيما بعد الفارق الوحيد أن العبور كان بالذخيرة الحية وليس بذخيرة التدريب وبعد ذلك عادت كتيبتي الي منطقة الفردان شمال الإسماعيلية ومنها تحركت للعبور. قال العميد يسري عمارة "بدأ مشهد العبور ظهر 6 أكتوبر 1973 بتحرك الطائرات المصرية وتحرك الجنود بسرعة وحماس تحت غطاء من الطائرات وهم يكادون ان يصافحوا الطيارين وجاءت صيحة "الله أكبر" أثناء العبور تلقائية لا يعرفون من بدأها ولكن الكل رددها مسلمين ومسيحيين وقام الجنود تحت قيادة البطل العقيد "حينذاك" حمدي الحديدي قائد اللواء بتنفيذ عملية العبور كما تدربوا عليها وقاموا بفرد كوبري المشاه ليعبر عليه الجنود وكان عرضه 120 سم وطوله 200 متر بطول عرض قناة السويس بين شرقها وغربها وجري الجنود بخفة وأثناء عملية العبور لم يخسروا سوي جندي واحد وكان جندي إشارة اختل توازنه بفعل الحمولة لأنه كان يحمل علي كتفه حوالي 50 كيلو جراما من الذخيرة وسقط في الماء شهيدا. عساف ياجوري استطرد العميد يسري عمارة قائلا: استمر التقدم المصري في أيام 6. 7. 8 أكتوبر حتي جاءت اخبارية لدي القادة المصريين بأن قوات المدرعات الإسرائيلية ستقوم بهجمة مضادة علي القوات المصرية التي عبرت إلي الشرق لتعيدها إلي غرب القناة وتغرقها فيها.. تلقي الاخبارية قائد الفرقة العميد حسن أبو سعدة فاتفق قادة اللواءات العقداء حمدي الحديدي ومحمود المصري ومحمد صابر زهدي فيما بينهم علي التصدي للهجوم من خلال تكوين كماشة علي شكل حرف U تكون فيها فرقة مشاة بمثابة المصد لأنه لواء مشاة ميكانيكي يضم سيارات مدرعة وبالفعل نجحوا في تدمير 73 دبابة ولأن دوي انفجار الدبابة هائل انتظروا حتي هدأت الانفجارات وتلقوا أوامر بركوب المركبات وتطوير الهجوم بكسب الأرض والوقت.. وهنا وصل العميد يسري عمارة إلي محطة أسر عساف ياجوري قائلا كان مخصص لي سيارة جيب عليها مدفع متحرك وزنه 305 كيلو جرام وكانت مهمتي التحرك حتي 9 كيلومترات شرق القناة ولما أصيبت السيارة أخذت المدفع معي وركبت أعلي سطح مدرعة من الخلف لأنه لم يكن لي مكان بالداخل وكان قائد المدرعة بطلا من المنصورة يدعي فاروق فؤاد سليم استشهد في يوم 9 أكتوبر وبينما كنت أجلس اكتشفت اصابتي بقذيفة رشاش دون ان أشعر ورأيت الدم يغرق الافرول فأخبرت قائد المركبة ليتوقف وفي نفس اللحظة شاهدت جنديا إسرائيليا مختبئا وراء بقايا أسفلت الطريق فقفزت عليه دون تفكير وقمت بقتله وقفز خلفي جندي من الأقصر اسمه محمد حسان كان خائفا علي وهو يري اصابتي وتمكن من قتل جنديين اسرائيليين أخرين كانا مختبئين وأثناء قيامنا بتجميع اسلحتهما فوجئنا بأربعة اسرائيليين آخرين يخرجون من حفرة تحت الأرض وهم يصرخون "أسري أسري" فقمت أنا والجندي محمد حسان الذي استشهد فيما بعد يوم 14 أكتوبر بأسرهم واحضار الاربعة وظلوا معنا ساعتين حتي قمت بربط الجرح وأثناء تواجدي بالمستشفي علمت انه ضمن من أسرت الضابط عساف ياجوري قائد اللواء مدرع الإسرائيلي 190 وكان يبدو من هيئته وسلاحه انه رتبة مهمة.. وأضاف أنه في عام 2009 قام بتسليم المسدس الخاص بعساف ياجوري للقائد العام للقوات المسلحة لوضعه بالمتحف الحربي. حصل العميد يسري عمارة علي وسام النجمة العسكرية عام 1974 وتدرج بالمناصب العسكرية حتي منصب مساعد مدير كلية ضابط الاحتياط برتبة عميد.. قرر في نهاية كلماته ان الشعب المصري يحتاج بشدة الي روح أكتوبر 1973 للعبور بمصر إلي بر الأمان وأن ذلك لن يأتي إلا برفع شعار "مصر أولاً" والتوحد علي حب الوطن.