لحن لم يتم . تخيل معي العبارة تسمعها من عميد المسرح يوسف وهبي واصفا موهبة لم تكتمل. هكذا وجدت العمل زي عود الكبريت الذي يصيغ قصة مستخدما مقاطع من أفلام السينما المصرية التي اتفق علي أنها أفلام الزمن الجميل . الانطلاق من فكرة محاكاة جزئية لمشاهد من أفلام لمخرج الروائع حسن الإمام فكرة جيدة. لماذا جزئية لأن حسين الإمام كان يقدم توازيا مع المشاهد تارة بتقليد أسلوب الحوار ونغمته القديمة. وتارة بحوار دخيل تماما علي المشاهد وصل إلي أن مدة عرض الفيلم التي تجاوزت الساعة والثلث بدت كنكتة طويلة جدا . تكررت مقاطع منها إلي حد إصابتي بالملل والأهم بالترحم علي فنانينا الكبار يملأون الشاشة بندرة أدائهم وتفرده حتي لو كانت مشاهدهم ميلودرامية بمبالغاتها التي اشتهرت بها السينما المصرية عامة وحسن الإمام خاصة. المخرج الإيراني جعفر بناهي صاحب فيلم البالون الأبيض وفيلم الدائرة وأفلام أخري هامة حكمت عليه السلطات الإيرانية بعدم الإخراج عشرين عاما. وكأنه حكم بالإعدام البطيء وليس بالمؤبد فما قيمة حياة مخرج فنان إلا بمزاولته لعمله. خرق بناهي الحظر بعمل اسماه هذا ليس فيلما حتي لا يبدو أنه خالف السلطات. ومع ذلك فإن هذا ليس فيلما كان فيلما جيدا . أما زي عود الكبريت فلا يمكن اعتباره فيلما سينمائيا حتي لو أثار ضحكاتنا وذكرنا ببعض الأفلام المصرية القديمة ونجومها الكبار. يرتبط حسين الإمام في ذهني بفيلم كابوريا للمخرج الرائع خيري بشارة. عملت به كمونتير مساعد مع المونتير الكبير أحمد متولي. في مناخ حميم بحضور أحمد زكي أحيانا في المونتاج. وبالحضور الدائم لحسين الإمام لمسئوليته عن الإنتاج . لم يمثل حسين الإمام في الفيلم فقط بل صاغ الكلمات كما شرحها له بشارة الذي طلب منه أغنية تتحدث عن أصناف الطعام بأسلوب يشبه أعمال الأخوين حسين ومودي في فرقتهما الموسيقية . فكانت الأغنية المجنونة بيكاتا بالشامبيون. كالاماريا وفواجرا. عبقرية خيري بشارة في توظيف ما يتميز به حسين الإمام في صياغة جديدة تماما للفيلم الغنائي المصري نسخة الثمانينيات. كانت الحالة الفنية التي ظهر عليها حسين الإمام تنبئ بفنان أمامه مستقبل لامع. ولكن التجربة والتي ساهم فيها بالإنتاج أيضا لم تتكرر وظلت كما العقدة عنده ولا أعتقد أنه تجاوزها رغم نجاحه في عدة مواقع بمسلسلات تليفزيونية ومقدما لبرامج منوعات. الفكرة المجنونة فكرة متواترة عند الكثيرين منا لتعلقنا بالماضي وهروبنا إليه نتيجة بؤس الحاضر. بؤس الحاضر متمثل في فقر الإبداع المعاصر وتواضعه مقارنة بعظمة الماضي وتألقه. زي عود الكبريت يشبه أعمال الهواة عندما يقدمون أنفسهم في برنامج للهواة ولا يكون لديهم ولا في مقدورهم تقديم عمل جديد فيلجأون إلي الماضي سابق التجهيز بألحانه وكلماته وقصصه المستمدة من واقع نحسبه أفضل نتيجة عدم رضانا عن واقعنا المعاصر. العائلة الفنية التي بدأت مع مخرج الروائع حسن الإمام وابنيه مودي المؤلف الموسيقي البارع وحسين الإمام متعدد المواهب ممتدة حتي الحفيد يوسف الإمام الذي عرفناه بمشروع تخرجه في المعهد العالي للسينما لبيدو الذي جمع بين الجرأة وخفة الظل. أتوقع من يوسف أن يقدم تنويعات جديدة علي روائع جده ومحاولات أبيه أو أن ينجح في تقديم مشروعه الخاص منقطع الصلة بالأب والجد. فالفن الحقيقي إبداع متفرد غير قابل للتوريث وإن كان يمكن أن يكون امتدادا يجعلنا نتذكر دائما واحد ممن أسسوا لصناعة السينما المصرية.