عندما أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي مبادرته لتمكين الشباب في كافة المجالات في الاحتفال الأول بيوم الشباب. أيقن الجميع. أنها أحد مؤشرات البداية الصحيحة للنهضة الحقيقية خاصة أن الشباب يمثل نحو 60% من المصريين. ولاسيما ان المبادرة تتضمن تشكيل لجنة قومية متخصصة تحت رعاية الرئاسة وتضم كافة الوزارات والمؤسسات البحثية وتحديث المناهج التعليمية لجميع المراحل الدراسية. يومها.. تمنيت أن تصحو المؤسسات المعنية من غفوتها. لتتذكر أن النهضة التعليمية كانت قاطرة الانطلاق لكل الكيانات الاقتصادية العملاقة الآن وخاصة في دول النمور الآسيوية. وقبلها بالطبع في أوروبا وأمريكا.. ويكمل ذلك بالطبع ثورة في البحث العلمي الذي تحقق نتائجه طفرة هائلة في الإنتاج. ويمكن الدولة التي تهتم به من تقديم إضافة كبيرة للإنسانية والاقتصاد العالمي. في بداية الاحتفال.. كشف الفيلم التسجيلي عن نماذج مشرفة للشباب المصري الذي قهر المستحيل بإرادته. ومن بينهم اثنان من المهندسين اللذان حصلا علي درجات علمية رفيعة في كندا وأوروبا.. كما قدم الإعلام من قبل نماذج أخري من الشباب المصري الذي حقق نجاحات علمية هائلة في الغرب. ومن من بين 86 ألف عالم مصري في كافة التخصصات ممن يقيمون هناك منذ سنوات. واغلب هؤلاء يؤكدون أنهم لو استمروا في مصر. ما كان لهم القدرة علي تحقيق ما وصلوا إليه من نبوغ. وأن الكارثة في تخلف المناهج بالمدارس والجامعات من ايقاع العصر واحتياجاته. وإهمال البحث العلمي الذي تخصص له للأسف ميزانية هزيلة لا تصل إلي 8 و.% من الموازنة العامة! أحد هؤلاء وهو المهندس أحمد سليمان الباحث في جامعة "كالتك" الأمريكية التي يعمل بها د.أحمد زويل.. قال في برنامج "ممكن" للإعلامي خيري رمضان. إن المأساة تكمن في الفجوة الهائلة بين ما يدرسه الطلاب في المدارس والجامعات بمصر والغرب. واننا نحرص غالبا علي التلقين وحشو عقل الطالب بالمعلومات وليس تدريبه علي التفكير والابتكار. وأضاف: معظم من يشاركون في تحسين منظومة التعليم في كندا. من المصريين. وفي كل دولة آلاف من العلماء المصريين الذين يساهمون في نهضتها. وهو ما يتطلب أن نستفيد من آرائهم وتصوراتهم لتحقيق ثورة علمية وتعليمية وبحثية في مصر لأنهم يعرفون جيدا أسباب التدهور في مصر وكيفية مواجهته. وأثار سليمان مشكلة هجرة العقول من مصر قائلا: الشباب للأسف عايزين يمشوا من البلد. حاسين إنهم لا يستطيعون عمل شيء "هنا"! وانضم إليه في هذا الرأي الطالب العبقري بالثانوية العامة محمد أيمن عبداللطيف الفائز في مسابقة "انتل" للعلوم والذي اكد أن الاحباط الذي يسببه نظام التعليم الحالي لدي الطلاب الموهوبين. يمكن أن يدفعهم للبحث عن منحة أو أي فرصة للهروب إلي أي بلد يطور موهبتهم ويساعدهم علي تنميتها. خاصة أنه خارج مصر. يكون التقدير الأكبر لمن يبتكر جديدا أو يقدم مشروعا مهما وليس لمن يحفظ المواد المقررة.. وكشف محمد أنه عندما التقي بوزير التربية والتعليم السابق د.محب الرافعي. اقترح عليه تخصيص حافز من مجموع الدرجات بالثانوية العامة لمن يحصل علي جائزة علمية خاصة أن البحث العلمي سيستغرق وقتا طويلا. ولكن الوزير رفض! د.رامي المصري عالم الفضاء المصري في وكالة الفضاء الأوروبية. أكد ضرورة تربية الطفل علي حب الاستكشاف والبحث العلمي بحيث يبحث بنفسه عن المعلومات بالكتب أو الإنترنت. وذلك بدلا من أن يهرب عندما يكبر من القسم العلمي أو يضطر لحفظ القوانين الرياضية أو الفيزيائية بدون أن يفهمها.. وقال: في أوروبا. لا يحفظ الطلاب إلا القليل. وهناك امتحانات يأخذون معهم الكتب الدراسية لقياس قدرتهم علي الفهم والبحث عن الاجابة وليس حفظها بلا إدراك. بعد أسبوعين من مبادرة الرئيس. وبعد هذه اللقاءات وغيرها بالفضائيات. لم يظهر سوي خبر يتيم من وزير التربية د.الهلالي الشربيني. بتشكيل 10 لجان من 12 جامعة لتطوير المناهج استكمالا لمشروع التطوير الذي بدأ منذ نحو شهرين.. أما وزير التعليم العالي والبحث العلمي د.أشرف الشيمي الذي يشغل نفسه بلا مبرر بانتخابات اتحاد طلاب الجامعات. فلم يدخل علي الخط حتي الآن. وكأن القضية لا تعنيه. رغم أن تطوير مناهج الجامعات لمواكبة أحدث طرق التعليم العالمية. هو الخطوة الأساسية المكملة لتطوير مناهج الدارس. علي الاقل حتي يجد الموهوبون مكانا لهم بعد الثانوية العامة وحتي لا يهربوا إلي الخارج لتخسر مصر المزيد من عقولها ورهانها علي المستقبل. أيضا يبدو أن الوزير ينسي انه يحمل ايضا حقيبة البحث العلمي الذي يمثل تخلفه والقيود التي تواجهه كارثة الكوارث في مصر خاصة مع الميزانية الضعيفة المخصصة له منذ عقود. وعدم استقرار الجهة المسئولة عنه وعدم جدارة في اغلب الاحيان. من يتولون قيادة هذه المهمة.. والغريب ان الجميع يعلمون ان أي أموال توجه لهذا المجال. تحصد أضعافها. بل تمنح الدولة الواعية بذلك. الصدارة العالمية لأن الاختراعات والابتكارات في الصناعة والدواء والزراعة وغيرها. تجعل للدولة الكلمة الأولي في تسويق منتجاتها بالمليارات كما تفعل الصين واليابان والولايات المتحدة وغيرها. وإذا اخذنا الزراعة كمثال. نجد أن خيبتنا بلا حدود بعد أن كانت مراكز البحوث الزراعية والصحراوية تقوم بدور مهم في استنباط أنواع أفضل تعطي إنتاجية مضاعفة. تراجع هذا الدور بعد تخفيض الميزانية إلي درجة مخجلة مما أدي إلي ضعف إنتاجية القطن إلي 6 قناطير للفدان مقابل 14 في إسرائيل وبوركينا فاسو مما حقق خسائر كبيرة للمزارعين في الموسم الاخير. وتراجعا جديدا ل "الذهب الابيض" سابقا في الاوسواق العالمية. وبدلا من تشجيع الباحثين علي تطوير الاصناف الحالية من القمح والذرة وغيرهما لتوفير المليارات المخصصة للاستيراد. حدث العكس.. وإذا عرفنا ما تربحه إسرائيل من مليارات الدولارات من استنباط سلالات جديدة وتصدير التقاوي. لأدركنا حجم الخيبة التي نعيشها خاصة اننا اطلقنا مشروع استصلاح ال 1.5 مليون فدان من بين 4 ملايين فدان مما يؤكد تزايد الحاجة إلي البحث العلمي لزيادة الإنتاج ومقاومة الآفات وتحقيق طفرة كبيرة في الصادرات من محاصيل هذه الأراضي البكر التي يتزايد الطلب عليها باستمرار. إذا كان الحديث عن ضرورة نسف المناهج وطرق التعليم المتخلفة وتوفير بنية علمية مناسبة للموهوبين. والاهتمام بالبحث العلمي. من البديهيات. فلابد أن يبحث أولو الأمر عن سر عدم تحويل تلك البديهيات إلي واقع. مع اختيار افضل للوزراء والكوادر لتحمل مسئولية هذا الملف.. وذلك حتي لا ندفع العقول النابهة إلي الهجرة ليستفيد منهم غيرنا. وحتي تعود مصر كما كانت منذ زمن لتكون مركز جذب للطلاب العرب للدراسة بالجامعات بالدولار بدلا من سفرهم إلي الجامعات الاجنبية والعربية الاكثر تطورا.. وأيضا حتي نستعيد ثقة العرب والعالم في المدرس والطبيب والمهندس المصري. فتزيد الحاجة إلي العمالة المصرية. وتعود لنا السياحة العلاجية العربية. أيضا تشجيع البحث العلمي يساعد علي زيادة الإنتاج والصادرات وترشيد الاستيراد كما يحدث مثلا في قطاع الدواء وكذلك الصناعة والزراعة. وحتي لا نعتمد كما يقول د.محمود عمارة علي إثيوبيا مثلا في 90% من احتياجاتنا من الفول. وعلي بوركينا فاسو في القطن قصير التيلة!!