أحسست باليتم في عيدك يا أمي.. خاصة أنه أول عيد لكي بعد وفاة أبي.. رفيق حياتك في اليوم الأول من العام الحالي.. مما زاد حسرتي وغمي.. أتذكر يا أمي وأنا في عيدك حينما كنت في حضنك ارتمي.. وببهجتك ارتوي.. وقوفي أمامك وتقديمي هديتي أجمل ذكرياتي.. وبعد فراقك أصبح أعز أمنياتي.. بجد.. وحشتيني يا ست الحبايب.. رغم أنك في دار الحق والهدي.. وأنا في دار الباطل والظلام.. دنيا الغدر والخداع.. دنيا الكذب والضلال.. دنيا الفساد والغباء.. دار الخيانة وعدم الأمانة. مفتقدك يا أمي أنتي وأبي.. لمن أشكو من بعدكما همي.. ويزيل غمي.. وألمي.. ويلم شملي.. منذ أكثر من 13 سنة لم يضمني حضنك.. ولم أقبل خدك.. ولم أطلب ودك.. ولكني في كل وقت يا ست كل الحبايب استشعر رضاكي وحبك.. وحشني كلامك.. عتابك.. حتي صمتك.. أقسم بالله أني مفتقدك.. ولك مشتاق ولكن هذا هو الموت.. وذلك هو الفراق. حبيبتي.. عاجلاً أم آجلاً سآتي إليكما أنت وأبي.. ارتمي بين أحضانكما.. التصق بعظامكما.. التحف بكفنكما.. ارتوي بحبكما.. ائتنس بوجودكما كما كان حالي وأنا طفل بين أحضانك أرضع لبنك الممزوج بحنانك.. حبيبتي.. أؤكد لك أني مازلت سائراً علي نهجك ودستورك.. مهتدياً بهديك ونورك.. وأعيش ببركة دعائك ورضائك أنتي وأبي الذي تعلمت منك الكثير الذي سيظل نبراساً لحياتي.. وقد علمته لأولادي.. تعلمت قيم ومبادئ قد يكون قد تناساها البعض.. ولكني تشبعت بها حتي ترعرعت. اليوم تذكرت كما أتذكر دائما لحظة رحيلك.. فقد استدعاني اخواتي لأنك تعبانة.. ولكني أحسست فراقك للحياة.. قطعت الطريق من القاهرة لطنطا يا حبيبتي في لحظات ولكن كانت وكأنها الدهر.. لأشاهدك.. وأنت ممدة علي سريرك.. وقد غطي وجهك النور.. واعتلته ابتسامتك المعهودة.. وأنا انحني أمامك بقدر قدرك وقامتك.. وناديت عليكي استيقظي يا أمي فأنا "علي" ابنك حبيبك.. لم تتمكني أنت من الرد.. ولم استطع أنا إلا تقبيل جبينك.. وصلينا عليك يا ست الحبايب.. وزففناك إلي مثواك الأخير.. ونحن ننقلك من منزلك الفاني إلي منزلك الباقي.. لم أنس طوال عمري لحظة دخولك قبرك الذي استضاء بنور إيمانك.. وتفرق عنك أهلك وولدك وأنت تحتمي بربك وعملك.. لقد كانت عظتك لنا بالأمس بلسانك.. واليوم يا أمي بصمتك.. بعد أن ارتديتي يا حبيبتي كفنك وسكنتي يا ست الحبايب قبرك. أمي.. لم تكوني أبداً طالبة نعيم.. كان الزهد عنوانك.. والقناعة منهجك.. والحمد ختامك.. والعطاء أسلوبك.. آمنتي أن الموت يفسد علي أهل الدنيا نعيمهم.. فكنت تلتمسي الآخرة طمعاً في نعيم لأموت فيه.. كان شعارك أن الدنيا تطلب لثلاثة أشياء.. للغني.. والعز.. والراحة.. فمن زهد فيها عز.. ومن قنع فيها استغي.. ومن قل سعيه استراح.. فزهدتي.. وقنعتي.. فاسترحتي. لا أملك يا ست الحبايب إلا أن تكون هديتي لك في عيدك إلا الدعاء لك ولأبي بالرحمة الواسعة.. وأن يجعل لكما من رضاه وفضله ومغفرته حظاً ونصيباً.. وأن يجعل قبركما روضة من رياض الجنة.. وأن يباعد بينكما وبين خطاياكما كما يباعد بين المشرق والمغرب.. وأن يغسلكما من الذنوب بالماء والثلج والبرد.. وأن ينقيكما من الخطايا كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس.. وأن يستركما في الآخرة كما ستركما في الدنيا.. ويدخلكما الجنة من أوسع أبوابها.. ويسكنكما الفردوس الأعلي.. وأن يجعل محمداً عليه الصلاة والسلام لكما شفيعاً وحبيباً.. وأن يسقيكما من حوضه شربة هنيئة لا تظمأن بعده أبداً.