عرفنا أن ما يسمي بالطب النبوي في علاج الأمراض لا يخرج عن كونه علاجاً بالأغذية والأعشاب النباتية التي كان العرب والهنود يتداوون بها. وهي لا تتعارض مع الأدوية المركبة التي كان الرومان واليونان يفضلونها. فهو طب تكميلي للطب العلمي. ولكننا نسمع بين الحين والآخر من يدعي تحريم أو كراهية التداوي بالأدوية الطبية المركبة. فما هي شبهات هؤلاء. وكيف نرد عليهم. هؤلاء الروافض للعلاج الطبي أحد فريقين: فريق يرفض العلاج جملة وتفصيلاً. وفريق آخر يرفض العلاج بالأدوية المصنعة بمواد محرمة كالكحول والمخدرات. وكلا الفريقين يجانبه الصواب من وجوه نوضحها فيما يلي: "1" أما الفريق الأول وهو الرافض للتداوي مطلقا فقد ذهب إليه بعض الشافعية وبعض أهل التصوف. محتجين بأن التداوي ينافي التوكل علي الله. وأن المرض حصل بقدر الله. وقدر الله لا يدفع ولا يرد. وأن ما ينفق علي التداوي مال ضائع» لأن الشفاء من المرض إن كان قد قدر فالتداوي عبث ولا يفيد. وإن لم يكن قد قدر فكذلك. وقد تكفل ابن القيم بدحض هذه الشبهات. فقال: إن التداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادهما. بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي تحمي الإنسان. وكل من يعطل هذه الأسباب فهو معطل للحكمة والشرع. ويحاول أن يجعل من عجزه توكلاً. وأما القول بأن المرض حصل بقدر الله. وقدر الله لا يدفع. فقد أجاب عنه ابن القيم بقوله: إن التداوي والعلاج من قدر الله. فنحن نرد قدر الله بقدر الله. كما أخرج الحاكم وصححه. عن حكيم بن حزام. قال: قلت: يا رسول الله. رقي كنا نسترقي بها. وأدوية كنا نتداوي بها. هل ترد من قدر الله؟ قال: "هو من قدر الله". وأما القول بأن الشفاء إن كان من قدر الله أو لم يكن فالتداوي لا يفيد. فقد أجاب عنه ابن القيم: بأن هذا القول يوجب علي قائله الا يباشر سببا من الأسباب التي تجلب بها منفعة. أو تدفع بها مضرة. وهذا لا يقوله إلا معاند للحق. كالمشركين الذين قالوا: "لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء" "الأنعام: 148". فهذا قالوه دفعاً لحجة الله عليهم بالرسل. وحسبنا في الرد علي من يرفض التداوي مطلقاً أنه خالف بذلك هدي النبي صلي الله عليه وسلم الذي كان يستعين بالأطباء ويتداوي. ويأمر به. كما أخرج مسلم عن جابر بن عبدالله. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:" لكل داء دواء. فإذا أصيب دواء الداء بريء بإذن الله". "2" وأما الفريق الثاني وهو الرافض للأدوية المصنعة بمواد محرمة كالخمر والكحول والمخدرات فقد ذهب إليه الحنفية في ظاهر المذهب في الجملة وهو أحد القولين عند المالكية والشافعية والحنابلة وحجتهم: ما أخرجه الطبراني برجال ثقات. عن أم الدرداء. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "إن الله خلق الداء والدواء. فتداووا ولا تتداووا بحرام". وأخرج البخاري تعليقا عن ابن مسعود. قال في السكر: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. والجواب عنه بما ذهب إليه المذهب الحنفي في الفتوي عندهم وهو القول الثاني عند المالكية والشافعية والحنابلة. والذين قالوا بجواز التداوي بالمحرمات. بشرطين: أن يعلم فيه الشفاء. وألا يعلم وجود دواء آخر حلال يحل محله وحجتهم: أن هذا من الضرورة. وقد قال تعالي: "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم" "البقرة: 173". وقال تعالي: "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم" "الأنعام: 145". وقال تعالي: "وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا اضطررتم إليه" "الأنعام: 119" وهذا ما أخذت به المجامع الفقهية المعاصرة وصدق الله حيث يقول: "وما جعل عليكم في الدين من حرج" "الحج :78".