يتجلى المثل الشعبي «الغريق يتعلق بقشة»، في أبهى صوره مع المرضى الذين يبحثون عن أي أمل لعلاجهم من أمراضهم المستعصية، ويستغل تلك الحاجة النصابون الذين يروجون لأدوية غريبة باسم «الطب البديل» تارة، وباسم (الطب النبوي) أو (الرقية الشرعية والعلاج من مس الجن) تارة أخرى، وفي كثير من الأحوال يسقط لهم ضحايا كثيرون يدفعون الثمن من صحتهم ومالهم. وقد جاوزت هذه الظاهرة الأميين في مجتمعنا لتنتقل إلى أوساط المتعلمين والمثقفين وبعض مشاهير الفن والرياضة والثقافة والسياسة. حيث أكدت دراسات وتقارير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ان 34 % من المصريين من مختلف الطبقات الاجتماعية والمستويات الثقافية يقعون فريسة للدجالين والمتاجرين بالدين. وقد فاق الدجالون والمشعوذون عدد الأطباء, وصارت أموال المصريين نهبا للخرافات والشعوذة والدجل. وبات »العلاج بالقرآن« و«الرقية الشرعية« و«تفسير الأحلام« إحدى الظواهر اللافتة على القنوات الفضائية، وقد انتشرت انتشارا كبيرا فى هذه الأيام عبر وسائل الإعلام المرئى والمسموع والمقروء، والقنوات التى تدغدغ مشاعر المرضى الذين أضناهم المرض وتبيع الوهم على أنه العلاج الشافي، وتبع هؤلاء الأفاقين من يدعى أنه يعالج من خلال الطب النبوي، ويستشهد على مشروعية هذا العلاج بآيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية شريفة. وتتربح على أوجاع المرضى، انطلاقا من خلفيات دينية حيث يتم عرضها بقناة دينية لكسب ثقة الناس. وقد رفض علماء الدين استغلال النصوص النبوية فى الترويج لما يسمى بالطب البديل أو العلاج بالأعشاب، معتبرين ذلك وسيلة لابتزاز الناس واستنزاف أموالهم وتعريض حياتهم للخطر، وأكد العلماء أن ما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم ليس بديلا للتداوى بالطب الحديث. وأرجع العلماء اللجوء للتداوى بالأعشاب إلى أسباب عدة لا ترتبط بالتدين أو التوكل على الله. وحمل العلماء وزارة الصحة مسئولية حماية الناس من المتاجرة بآلامهم، وأطلقوا دعوة لتبنى الأزهر أو الأوقاف مبادرة لتنقية أحاديث الطب النبوى من المدسوس وغير الصحيح فيها، وبيان كيفية التعامل مع تلك النصوص. وأوضح الدكتور القصبى زلط عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن التداوى والأخذ بمستجدات العلم الحديث فى كل المجالات ومنها الطب لا ينافى التوكل على الله، لأن الشفاء بإذن الله، والإنسان عندما يأخذ بالأسباب ويترك النتائج لله، فهذا هو التوكل، فالطبيب يعالج والله هو الذى يشفي، كما أخبر بذلك القرآن الكريم: (وإذا مرضت فهو يشفين)، وفى الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله جعل لكل داء دواء. ويشير القصبى إلى ان كثيرا من الناس لا يحسنون التعامل مع ما يسمعونه من نصوص الطب النبوي، حيث إن ما يتردد من أحاديث الطب النبوى ليس كله صحيحا، كما أن الصحيح منها لا يجوز الأخذ به على إطلاقه، لاختلاف البيئات، وتنوع الشكوى واحتياج المريض من الدواء. فهناك أحاديث كثيرة وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تتعلق بالطب والعلاج، منها ما هو ضعيف لا يصلح للاحتجاج، ومنها ما هو صحيح. فمثلاً قوله صلى الله عليه وسلم »اسقه عسلاً« ، فى الحديث الصحيح الذى أخرجه البخارى ومسلم: أن رجلاً أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخى يشتكى بطنه، فقال صلى الله عليه وسلم: اسقه عسلاً، فذهب ثم رجع فقال قد سقيته فلم يغن عنه شيئاً، مرتين أو ثلاثاً، وفى كل مرة يقول له النبي: اسقه عسلاً، ثم قال له فى الثالثة أو الرابعة: صدق الله وكذب بطن أخيك. وتكرار الأمر بالسقى هنا يفيد أن الدواء يجب أن يكون له كمية محددة بحسب الداء، فإن لم يصل إلى هذه الكمية لم يزل المرض، وإن جاوزها أحدث ضرراً زائدا بالمريض. وفيما يتعلق بالحجامة فإننا نجد أن أغلب الأحاديث التى وردت فيها ضعيفة منها الحديث الشهير »خير ما تداويتم به الحجامة«، وهو حديث ضعيف لا يحتج به، وعلى فرض صحة أحاديث الحجامة، فإنها تصلح فى بعض المناطق دون بعض، فتصلح فى المناطق الحارة لا فى المناطق الباردة. وكما أوضح ابن خلدون فى مقدمته والكلام للدكتور القصبي، فإن الطب المنقول فى الشرعيات من قبيل طب البادية المبنى على التجارب، وليس من الوحى فى شيء، وإنما هو أمر كان عادياً للعرب، وإذا ذكر فى أحوال النبى صلى الله عليه وسلم فإنما يذكر على أساس العادة والجبلة، لا على أساس أنه شرع يعمل به، فإنه صلى الله عليه وسلم بعث ليعلمنا الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديَّات، على نحو ما جرى فى شأن تلقيح النخل ما وقع فقال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم». ليس تدينا ويشير الدكتور زكى محمد عثمان أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، إلى أن الإقبال على الطب البديل أو العلاج بالأعشاب ومستخلصات الطبيعة الذى يتم الترويج له باسم الطب النبوي، لا يعكس حالة من التدين وحسن التوكل على الله لدى المصريين، ولكنه ثقافة أخذت تنتشر وتم الإقبال عليها لأحد أمرين، إما الاستسهال والرغبة فى التداوى بأيسر السبل وأقل التكاليف المادية، وإما نتيجة اليأس من التداوى التقليدى من خلال أطباء متخصصين، كأن تسوء حالة مريض أو يصاب بمرض من الأمراض الخطيرة التى يقف أمامها الطب الحديث حائرا دون علاج ناجع، وهنا يكون المريض كالغريق يستغيث بقشة عسى أن تكون سبب نجاته، أضف إلى ذلك الإعلانات التى تطارد المشاهدين على شاشات التلفاز ليل نهار، وتؤثر فيه بما يشبه مفعول السحر لدرجة تقنعه بأن شفاءه مضمون مائة فى المائة بمجرد شرائه العلاج المعلن عنه، وأنه لا ضرر ولا آثار جانبية لهذا المنتج، يأتى ذلك فى ظل صمت وزارة الصحة، وهنا يتم التلبيس على المواطن باصطحاب صورة شيخ أو داعية ويثنى على هذا العلاج وعلى تجربته معه. وأضاف: إن ما يروج له باسم الدين من علاجات وأدوية لابد أن تصدقها التجارب، لاسيما أن الأمراض التى ورد علاجها فى احاديث الطب النبوى قد لا تكون هى ذاتها التى نعانيها اليوم بما طرأ على المرض من تعقيد وتطور ملحوظ، كما أن الأشياء فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم كان لها بيئتها الخاصة التى تختلف عن بيئة اليوم، وكذا المقادير كانت تختلف باختلاف المرض، والمرض ذاته الذى يتم التعرف عليه من خلال أعراض معينة ربما تكون هذه الأعراض قد تغيرت اليوم عن ذى قبل، وكل هذه أمور لا يبصرها إلا خبير متخصص. لذا فلا ينبغى أن يقتصر التداوى على ما ورد بالطب النبوى ، بل علينا أن نأخذ بالأسباب بحسب ما توافر لدينا منها ومنها التداوى بمعطيات العلم الحديث، ويبقى دور الأطباء والصيادلة والمتخصصين المسلمين أن يستعينوا بتلك النصوص فى الحصول على العلاجات والأدوية والجرعات المناسبة من خلال مكونات الطبيعة وفقا لما جاء بصحيح الأحاديث، فعلينا أن ننظر ونحن فى القرن الحادى والعشرين نظرة علمية ونحترم الطب الحديث والمتخصصين. وأوضح إن ذلك لا يعنى التخلى عن الطب النبوى أو عدم الاكتراث بالنصوص الصحيحة التى وردت فى هذا المجال، لكن أن نأخذ بما يقره المتخصصون العالمون بهذا المجال الذين تقرهم وتعتمد أبحاثهم وعلاجاتهم وزارة الصحة ذات الاختصاص فى هذا المجال، والتى يجب عليها التصدى بحسم لما يتعرض له الناس من نصب باسم الطب النبوى أو الطب البديل أو العلاج بالأعشاب. كما دعا وزارة الصحة إلى تسجيل كل الأطباء المعتمدين لديها من المشتغلين بالطب البديل أو طب الأعشاب، والذين يحصلون على تراخيص لممارسة العمل فى هذا المجال، وكذا تسجيل الأدوية والعقاقير المعتمدة بتراخيص رسمية وتسجيلها أولا بأول على موقع الوزارة الرسمي. من جانبه أكد الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد كلية أصول الدين بأسيوط، أن ما نراه فى الفضائيات من علاج بالأعشاب ومنتجات الطبيعة لا علاقة له بالطب النبوي، موضحا أن 90% مما يتردد نسبته للنبى فى هذا المجال ليس صحيحا، وما هو إلا ترويج لبعض الأدوية تحت اسم الطب النبوى لا أصل له، وهناك كثير من الأحاديث موضوعة ومكذوبة لا أصل لها، بل إن معظم القائمين على هذا العمل يتاجرون بأوجاع الناس وآلامهم، ولا يشغلهم سوى الربح وتحصيل الأموال جراء الترويج لمنتجاتهم. من ذلك مثلا ما نسمعه فى مدح نبات الخردل بأن »الأرض ضحكت فأخرجت الخردل« ويدعى البعض أن هذا حديث نبوي، وهو ليس كذلك. ودعا المؤسسة الدينية الرسمية فى مصر من خلال مجمع البحوث الإسلامية أو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية إلى تبصرة الناس بحقيقة ما يسمعون وتحسم هذا الجدل وذلك اللغط بأن يتم إعداد مرجع أو كتاب تدون فيه الأحاديث الصحيحة عن النبى صلى الله عليه وسلم فى مجال الطب، والتى يمكن الأخذ والاستئناس بها فى الطب والتداوي.. حتى يعلم الناس النصوص الصحيحة للطب النبوى والمواقف والحالات التى جاءت فيها تلك الأحاديث، وكيفية التعامل معها، ليكون ما دون ذلك افتئاتا على النبى صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز الأخذ به.