انقسم علماء الدين بمصر إلى فريقين، أحدهما مؤيد والآخر معارض لفتوى الدكتور علي جمعة مفتي مصر التي أباح فيها استخدام صمام القلب المأخوذ من الخنزير في عمليات القلب المفتوح. يستند الفريق المؤيد إلى المبدأ الفقهي القائل بأن الضرورات تبيح المحظورات، وبناء عليه يمكن تناول المحرمات والتداوي بها، أما الفريق الثاني الرافض للفتوى فيستند إلى رأي جمهور العلماء الذين أجمعوا على نجاسة الخنزير، وأنه يحرم لعابه ومخاطه وعرقه ودمه، وبالتبعية كل ما يؤخذ من قلبه أو عروقه أو أعضائه. كان مفتي مصر قد أدلى بهذه الفتوى أثناء إجابته على سؤال عن حكم قيام بعض الشركات باستيراد أصناف علاج خاص لمرضى القلب المفتوح، وأن أحد هذه الأصناف عبارة عن صمام مأخوذ من الخنزير، فأوضح أنه "لا مانع شرعا من استيراد واستخدام صمام القلب النسيجي المأخوذ من الخنزير والتداوي به في عمليات القلب المفتوح". وأوضح الدكتورجمعة ان فتواه لا شيء فيها، وأنه استند فيها إلى ما ذهب إليه المالكية من أن الخنزير طاهر ما دام حياً، ونجس إن كان ميتاً، لافتا إلى أن العلماء اختلفوا في مسألة تغير الشيء عن طبعه ووصفه، مثل زوال وصف النجاسة عن الأعيان النجسة ومن ثم تنقلب طاهرة، فقد ذهب المالكية والحنفية إلى القول بالطهارة وذلك لانقلاب الوضع وتغير الحقائق. وأشار مفتي مصر الي أن " الشرع رتب وصف النجاسة على حقيقة بعينها، وقد زالت فيزول الوصف بزوالها، وذلك قياسا على مسألة الخمر المتخللة، وطهارة دم الغزال بتحوله إلى مسك، وطهارة العلقة عند تحولها لمضغة، أما الشافعية والحنابلة فلا يعتبرون تغير الحقائق مطهرا من المطهرات". متفقاً مع فتوى المفتى، يقول الدكتور عبد الفتاح ادريس أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر: إن العلماء يرون ان نقل اعضاء من الحيوانات الي الإنسان جائز، خاصة اذا كانت الاعضاء المنقولة من حيوان يؤكل لحمه، فهو امر مباح باتفاق العلماء وذلك لأن الله تعالى قال في سورة النحل: "والأنعام خلقها لكم فيها دفىء ومنافع ومنها تاكلون"، كما قال تعالى " والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون " وكل هذه الآيات وغيرها من النصوص تدل على أن هذه الحيوانات خلقت لنفعنا، ومن اشكال النفع التداوي. وينبه ادريس الي انه من الجائز نقل الاعضاء من الحيوانات النجسة الي الآدميين وذلك عند عدم وجود البديل من الحيوانات التي شرع اكلها لقوله تعالى في سورة الانعام: " وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه " ويقول ادريس: انه قد ثبت علميا بالوسائل التقنية امكان التحويل الوراثي لبعض انواع الخنازير، كأن تنتج قطع غيار بشرية كالجلد والعظام والخلايا والدم واللحم ونحو ذلك، كما امكن عن طريق التحويل ان تنتج دما صالحا للنقل الي الانسان المضطر في حالة اجراء العمليات الجراحية او النزف الشديد بدلا من الدماء المأخوذة من الادميين. ومما سبق نصل الي ان التداوي بقطع غيار الحيوانات النجسة لاشي فيه، ولكن مع اخذ مجموعة من الضوابط تتمثل في: _ ألا يترتب عليها ضرر لمن ينقل اليه العضو او انتقال الامراض الفيروسية الي الادمي المفعول له. _ألا يترتب أضرار أشد على الإنسان من عدم نقل هذه الاعضاء. _أن يكون في هذا النقل منفعة له تفوق الضرر المترتب على عدم النقل. ويتفق معه في الرأى الشيخ عبد الحميد الاطرش رئيس لجنة الفتوى السابق بالازهر الشريف، يقول: " لقد خلق الله الكون بقدرته وسخر كل مافي الكون لخدمة الإنسان وقد أحل الله امورا وبينها وحرم امورا واشار اليها، فاذا كان "الخنزير" من الامور المحرمة بقوله تعالي: "حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم" المائدة 3 ، ولكن الله أباح للانسان المضطر اكل الميتة وشرب الخمر لأن الضرورة تقدر بظروفها وعليه فإنه إذا كانت هناك ضرورة ملحة للتداوي "بصمام من قلب الخنزير " فلامانع من أن يلجأ اليها بقدر ابعاده عن الموت، مؤكداً أن الامر يرجع في النهاية لرأي الاطباء الذي يرون مدي حاجة المريض لهذا الامر من عدمه" . ويورد البعض رأى الشيخ العثيمين المتفق مع رأى المفتى أيضا كدليل على اتفاق العلماء على الفتوى، فقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم جراحي القلوب الذين يضعون شريانا يأخذونه من الخنزير فقال: "لا بأس أن يَصِل إنسانٌ شريان قلبه بشريان حيوان آخر وينظر إلى ما هو أنسب لقلبه؛ لأن هذا ليس من الأكل، إنما حرم الله أكل الخنزير وهذا ليس أكلاً وإذا علمنا أنه لا ينفعه إلا هذا، فهذا من باب الضرورة وقد قال الله تعالى في أكل لحم الخنزير الأكل المباشر : ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) الأنعام/119 " وعلي الجانب الآخر يؤكد الشيخ يوسف البدري عضو المجلس الأعلى للشئون الاسلامية انه لايجوز لمسلم ان ينقل اليه قلب "خنزير" ، فإذا كان التداوي فرضا لقول رسولنا الكريم: " تداووا عباد الله فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً، إلا داءً واحداً هو الهرم" الا انه يجب على كل إنسان الا ان يتداوى بما شرعه الله فيقول الرسول الكريم: "إن الله تعالى لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها" ويوضح البدري انه اذا كان الله حرم الخنزير واكله، فأنه لايجوز شرعا أخذ أعضاء أو أجزاء منه للتداوي، لأنه لايجوز شرعا ان يتداوى الانسان بما حرمه الله، فالخنزير نجس ودنس نجاسة ذاتية ومعنوية. ويضيف البدرى أن العلاج والتداوي مضمون بيد الله لانه هو وحده الشافي، فاذا كان الله بيده الشفاء فالله لايشفي بأشياء نجسة، وأما أن الضرورات تبيح المحظورات فمن الأفضل أن يموت المسلم على ان يعالج بنجاسة! متفقاً مع ما سبق يؤكد الدكتور الدكتور محمد الشحات الجندي أمين عام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية أن التداوي بأجزاء الحيوانات المحرم اكلها فيه اجماع بعدم جوازه، فالعلاج بصمام قلب الخنزير شأنه شأن العلاج بشرب الكحوليات. ويوضح الدكتور الشحات الجندي ان عدم جواز التداوي باجزاء من الخنزير راجع لانها محرمة بنص شرعي، يقول الله تعالى: "حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب " وفي موضع آخر " قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ" وعلى هذا فإنه لايجوز ان يتم التداوي بالحيوانات المحرم اكلها بحسب اجماع العلماء. ومن جهته يقول الدكتور عادل عبد الله أستاذ اللغة العربية والشريعة بوزارة الأوقاف المصرية: "ان جمهور العلماء أجمعوا على نجاسة الخنزير، والقول بأنه فيه جزء من الطهارة حال الموت أو الحياة فهو مخالفة للإجماع، و لو أن الضرورات تبيح المحظورات الذي يستند إليه بعض العلماء في إجازتهم لاستعمال قلب الخنزير، لأجاز المصطفى صلى الله عليه وسلم التداوي بالخمر".