التداوي هو تناول الدواء من العلل والاسقام. وقد جعله الإسلام حقا مشروعا لكل من يحتاجه من البشر أطفالاً وشباباً وشيوخاً. يقول ابن القيم : وكان من هديه صلي الله عليه وسلم فعل التداوي في نفسه. والأمر به لمن أصابه من أهله وأصحابه. وقد ذهب أكثر الفقهاء إلي القول باستحباب التداوي بكل دواء لا اثم فيه وأري وجوبه إن فاتت بفوته النفس. وذهب بعض الفقهاء إلي إباحته وبعضهم إلي كراهته وقالوا : ترك التداوي توكلا فضيلة. وعلي المريض أن يكتفي بالرقي والدعاء والتوبة وغير ذلك مما ورد في السنة .. هذا وقد استدل القائلون بكراهة التداوي بالسنة والمعقول .. أما دليل السنة فمنه ما آخرجه الترمذي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : "لا تكرهوا مرضاكم علي الطعام فإن الله يطعمهم ويسقيهم" قالوا : وإذا لم يكن لهم طعام أو شراب فلان لا يكون لهم دواء أولي. ويمكن الجواب عن هذا بما قال عنه النووي إنه حديث ضعيف. ضعفه البخاري والبيهقي وغيرهما وضعفه ظاهر وادعي الترمذي أنه حسن .. قلت.. وإن صح فلا دلالة فيه علي كراهية التداوي لأن هنا مقيد بعدم الهلاك لقوله تعالي : "ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة" وإكراه المريض علي الطعام يزهده فيه ومن الفطنة عدم إكراهه عليه إلا إذا تيقن احتياجه إليه ضرورة. وأما دليل المعقول علي كراهة التداوي فمن ثلاثة. أوجه. الأول أن التداوي ينافي التوكل والثاني أن المرض حصل بقدر الله وقدرالله لا يدفع ولا يرد. والثالث أن الشفاء من المرض إن كان قد قدر فالتداوي لا يفيد وإن لم يكن قدر فكذلك. ونرد علي ذلك أولاً : لا نسلم بأن التداوي ينافي التوكل وثانياً القول بأن المرض حصل بقدر الله وقدر الله لا يدفع أجاب عنه ابن القيم بأن هذه الأدوية والرقي والتقي هي من قدرالله فما خرج شيء عن قدره بل يرد قدره بقدر. وهذا الرد من قدره فلا سبيل إلي الخروج عن قدره بوجه ما. وهذا كرد الجوع والعطش والحر والبر وبأضدادها وكرد قدر العدو بالجهاد وكل من قدر الله الدافع والمدفوع والدفع. ثالثاً : القول بأن الشفاء إن كان من قدر الله أو لم يكن فالتداوي لا يفيد أجاب عنه ابن القيم بأن هذا يوجب علي قائله ألا يباشر سببا من الأسباب التي يجلب بها منفعة أو تدفع بها مضرة.