احتفالات عيد التحرير.. "التعليم العالي" تشهد إنجازا تاريخيا بسيناء في عهد السيسي    رئيس قوى عاملة النواب يهنئ الرئيس السيسي بذكرى تحرير سيناء    ارتفاع أسعار الذهب بشكل طفيف وسط التركيز على البيانات الاقتصادية الأمريكية    ضربة قوية للتجار.. كيف أثرت حملة مقاطعة الأسماك على الأسواق في بورسعيد والإسكندرية؟ تعرف إلى الأسعار الجديدة    محافظ بورسعيد: تواصل أعمال تطوير وتوسعة ورفع كفاءة شارع محمد حسني| صور    محفظة أقساط شركات التأمين تسجل 8.38 مليار جنيه خلال يناير 2024    البترول: تجهيز غرفة أشعة مقطعية للمستشفى الجامعي بالإسكندرية    "الري": بدء إنشاء 50 بحيرة جبلية للحماية من أخطار السيول بجنوب سيناء    عاجل.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين للقيام بعمليات في غزة    بوريل: مدن غزة دمرت أكثر من مدن ألمانيا بالحرب العالمية الثانية    ريانة برناوي أول رائدة فضاء سعودية ضيفة «يحدث في مصر» الليلة    بسبب الحرب على غزة.. كل ما تحتاج معرفته عن احتجاجات الجامعات الأمريكية    تكذيبا للشائعات.. إمام عاشور يغازل الأهلي قبل لقاء مازيمبي بدوري الأبطال| شاهد    مروان عطية يصدم الأهلي قبل مواجهة مازيمبي الكونغولي    بعد عودة الشناوي.. تعرف على الحارس الأقرب لعرين الأهلي الفترة المقبلة    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 24-4-2024 والقنوات الناقلة    "لا يرتقي للحدث".. أحمد حسام ميدو ينتقد حكام نهائي دوري أبطال آسيا    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بحدائق أكتوبر    وكيل تعليم بورسعيد: الامتحانات مهمة وطنية يحب أداؤها على أكمل وجه    الكونجرس الأمريكي يقر قانون حظر تيك توك    تفاصيل الحالة المرورية بالمحاور والميادين صباح الأربعاء 24 أبريل    اليوم.. استكمال محاكمة المتهمين باستدراج طبيب وقتله بالتجمع الخامس    مصرع مُسنة دهسا بالقطار في سوهاج    عاجل:- تطبيق قرار حظر الصيد في البحر الأحمر    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    طرح فيلم ANYONE BUT YOU على منصة نتفليكس    نجوم الغد .. أحمد ميدان: هذه نصيحة السقا وكريم لى    دعاء الحر الشديد.. 5 كلمات تعتقك من نار جهنم وتدخلك الجنة    تقديم خدمات طبية لأكثر من 600 مواطن بمختلف التخصصات خلال قافلتين بالبحيرة    رئيس هيئة الرعاية الصحية: خطة للارتقاء بمهارات الكوادر من العناصر البشرية    رئيس «المستشفيات التعليمية»: الهيئة إحدى المؤسسات الرائدة في مجال زراعة الكبد    تجديد منظومة التأمين الصحي الشامل للعاملين بقطاعي التعليم والمستشفيات الجامعية بسوهاج    فوز الدكتور محمد حساني بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    اليوم.. «خطة النواب» تناقش موازنة مصلحة الجمارك المصرية للعام المالي 2024/ 2025    8 مليارات دولار قيمة سلع مفرج عنها في 3 أسابيع من أبريل 2024.. رئيس الوزراء يؤكد العمل لاحتياط استراتيجي سلعي يسمح بتدخل الدولة في أي وقت    متحدث "البنتاجون": سنباشر قريبا بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة    تاريخ مميز 24-4-2024.. تعرف على حظك اليوم والأبراج الأكثر ربحًا للمال    مفوض حقوق الإنسان أكد وحدة قادة العالم لحماية المحاصرين في رفح.. «الاستعلامات»: تحذيرات مصر المتكررة وصلت إسرائيل من كافة القنوات    تعرف على مدرب ورشة فن الإلقاء في الدورة ال17 للمهرجان القومي للمسرح؟    الذكرى ال117 لتأسيس النادي الأهلي.. يا نسر عالي في الملاعب    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    الشيوخ الأمريكي يوافق على 95 مليار دولار مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا    الصين تعارض إدراج تايوان في مشروع قانون مساعدات أقره الكونجرس الأمريكي    نتائج مباريات الأدوار من بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية PSA 2024    مصطفى الفقي: مصر ضلع مباشر قي القضية الفلسطينية    بعد وصفه بالزعيم الصغير .. من هم أحفاد عادل إمام؟ (تفاصيل)    إصابة العروس ووفاة صديقتها.. زفة عروسين تتحول لجنازة في كفر الشيخ    بقيادة عمرو سلامة.. المتحدة تطلق أكبر تجارب أداء لاكتشاف الوجوه الجديدة (تفاصيل)    رئيس البنك الأهلي: «الكيمياء مع اللاعبين السر وراء مغادرة حلمي طولان»    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    هل يجوز طلب الرقية الشرعية من الصالحين؟.. الإفتاء تحسم الجدل    فريد زهران: دعوة الرئيس للحوار الوطني ساهمت في حدوث انفراجة بالعمل السياسي    بالأسماء.. محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تنقلات بين رؤساء القرى في بيلا    تعيين أحمد بدرة مساعدًا لرئيس حزب العدل لتنمية الصعيد    الأزهر يجري تعديلات في مواعيد امتحانات صفوف النقل بالمرحلة الثانوية    تونس.. قرار بإطلاق اسم غزة على جامع بكل ولاية    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقل الأعضاء في سوق الرقيق الطبي الحديث بين العلم التجريبي والشريعة الإسلامية (22)
نشر في الشعب يوم 21 - 04 - 2007


بقلم أد : يحيى هاشم حسن فرغل
عميد كلية أصول الدين بالأزهر سابقا ،

yehia_hashem@ hotmail .com
http://www.yehia-hashem.netfirms.com
[email protected]


فإذا أردنا أن ننتقل إلى موضوع نقل الأعضاء بين طرفين مستمرين في حالة الحياة دون اعتبار أحدهما ميتا ..، أو من جسد ميت وفقا للتعريف الشرعي إلى مريض حي ... : فإنه يجب توضيح بعض الأمور المتعلقة بهذا الموضوع أولا .
فقد يسارع البعض إلى إغلاق ملف الموضوع بدعوى ضرورة تلقي قضاء الله وقدره بالرضا والقبول ، وأن محاولات نقل الأعضاء تعني عدم الرضا بالقضاء والقدر ، وتلك تهمة خطيرة في ميزان الإيمان .
ونقول ردا على ذلك ، إن الرضا بالقضاء والقدر لا يعني في أي حال من الأحوال عدم الأخذ بأسباب الشفاء المشروعة ، وطلب هذه الأسباب ، والسعي إليها بقدر الإمكان ، بل إن رفض الأخذ بالأسباب هو الذي يحتوي على عدم الرضا بالقضاء والقدر ، لأن هذه الأسباب هي من قضاء الله وقدره في المقام الأول .
وقد جاء في هذا المعنى أحاديث نبوية شريفة - في التداوي خصوصا - توجهنا إلى الرؤية الإسلامية في الموضوع.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من داء إلا وله دواء ، عرفه من عرفه ، وجهله من جهله ، إلا السام ) والسام يعني الموت .رواه أحمد ، من حديث ابن مسعود ،ورواه الطبراني أيضا دون قوله " إلا السام "
ومن الواضح أن هذا الحديث يفتح مجال التقدم الطبي ، على أوسع أبوابه .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( تداووا عباد الله فإن الله خلق الداء والدواء ) رواه الترمذي وصححه .
وروى أبو داود بسنده عن أبي الدرداء مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله أنزل الداء والدواء ، وجعل لكل داء دواء ، فتداووا ،ولا تداووا بالحرام ) .
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الدواء والرقى : ( هل ترد من قدر الله شيئا ؟ قال : هي من قدر الله ) أخرجه الترمذي وابن ماجة من حديث خزامة .
وقد تداوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتداوى أصحابه بمختلف أنواع الدواء ، تداووا بالغذاء : بأنواع من الطعام والشراب ، وتداووا بالحجامة أوالجراحة ، وتداووا بالصبغ ( بالحناء ) وتداووا بالتطهير ، والتنظيف ، وكانوا يصلون الدواء بعالم الغيب : دعاء أو قراءة ، فتداووا بالرقى .
وفي التراث الإسلامي خبر عن موسى عليه الصلاة والسلام له دلالة عميقة واضحة في موقف الإسلام من التداوي أخذا بالأسباب : فقد روي أنه قال : يارب ممن الداء والدواء ؟ فقال الله تعالى : مني . فقال موسى : فما يصنع الأطباء ؟ قال : يأكلون أرزاقهم ، ويطيبون نفوس عبادي ، حتى يأتي شفائي ، أو قضائي . وفي رواية أخرى عنه عليه السلام أنه اعتل بعلة ، فدخل عليه بنو إسرائيل ، فعرفوا علته ، فقالوا له : لو تداويت بكذا لبرئت ، فقال : لا أتداوى حتى يعافيني هو ، فطالت علته ، فقالوا له : إن دواء هذه العلة معروف مجرب ، ونحن نتداوى به ، فنبرأ . فقال : لا أتداوى . وأقامت به علته ، فأوحى الله إليه : وعزتي وجلالي لا أبرأتك حتى تتداوى بما ذكروه لك . فقال لهم : داووني بما ذكرتم ، فداووه فبرأ ، فأوحى الله إليه : أردت أن تبطل حكمتي بتوكلك علي ؟ من أودع العقاقير منافع الأشياء غيري ؟؟ )
وسواء صحت هذه الرواية عن موسى عليه السلام أو لم تصح ، فإن الأمر الذي لاشك فيه أنها وقد أخذت مكانها في التراث الإسلامي مدعومة في مغزاها بالصحيح المقطوع بصحته ، قد أصبحت جزءا من التعبير عن الرؤية الإسلامية للموضوع .
ويأتي في هذا المقام ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في أمره بالفرار من الطاعون ، إذ قال :
( نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله ، ثم ضرب رضي الله تعالى عنه لذلك مثلا ، فقال : أرأيتم لو كان لأحدكم غنما ، فهبط واديا ، له شعبتان : إحداهما مخصبة ، والأخرى مجدبة ، أليس إن رعى المخصبة رعاها بقدر الله ، وإن رعى المجدبة رعاها بقدر الله ؟ قالوا نعم .
وفي صحيح ابن حبان بسنده عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خرج يريد الشام فلما دنا بلغه أن بها الطاعون ، فحدثه عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن هذا الوجع عذاب عذب به من كان قبلكم ، فإذا كان بأرض لستم بها فلا تهبطوا عليه ، وإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه ) فرجع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بالناس ذلك العام .
وفي صحيح مسلم بسنده عن أسامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن هذا الطاعون رجز سلط على من كان قبلكم - أو على بني إسرائيل - فإذا كان بأرض فلا تخرجوا منها فرارا منه ، وإذا كان بأرض فلا تدخلوها ).وجاء مثله في سنن النسائي ، وأبي داوود ، والترمذي ،ومسند الشافعي ، وأحمد .
وفي مسند أحمد رواية بسنده عن جابر بن عبد الله أنه قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الطاعون : الفار منه كالفار يوم الزحف ، ومن صبر فيه كان له أجر شهيد )
وفي هذا المعنى أيضا جاء ما رواه البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرني : أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء ، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين ؛ ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا ، يعلم انه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد )
وهكذا وضع الإسلام نظاما صارما للحجر الصحي ، ضمن إطاره العام : من التداوي ، والأخذ بالأسباب ، والرضا بقضاء الله تعالى جميعا .
ولتكتمل صورة الرؤية الإسلامية للموضوع لابد من أن نذكر ما وضعه الإسلام من آداب التداوي ، لكي يتبين حرص الإسلام علي الربط بين هذه الأمور جميعا ، ولكي يتبين لنا في الوقت نفسه ذاتية الإسلام في تناول الموضوع مما سيكون له أثره في تقييم الموضوع الأصلي .
فمن آداب التداوي التي أظهرها العلماء : ألا يظهر المريض مرضه ، من باب الشكوى والسخط على قدر الله:
وإنما يظهره من باب الحكاية ، ليعلمه الطبيب المعالج فيداويه ، كان أحمد بن حنبل يخبر بأمراض يجدها ، ويقول : إنما أصف قدرة الله في .
أو أن يظهره لمن يتعلم منه حسن الصبر وحسن الشكر ، قال الحسن البصري : إذا حمد المريض الله تعالى وشكره ثم ذكر أوجاعه لم يكن ذلك شكوى .
أو أن يظهره ليظهر عجزه وافتقاره إلى الله ، وهذا يحسن ممن عرف عنه قوة البدن ، فقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قيل له في مرضه : كيف أنت ؟ قال : أنا في شر ، فنظر أصحابه بعضهم لبعض ، كأنهم كرهوا منه ذلك لما ظنوا أنه شكاية لا تليق منه ، فقال : أأتجلد على الله ؟ ، أي أأتظاهر بالقوة أمام فعله في ؟!
يقول الإمام الغزالي عن علي رضي الله عنه في هذه الحال : أحب أن يظهر عجزه وافتقاره ، مع ما علم عليه من القوة .
فبهذه الآداب يرخص في ذكر المرض وإظهاره ، ومع ذلك فالأولى التقليل منه ، لأنه ربما يوهم الشكاية ، وربما يكون فيه تصنع ، ومزيد وصف على الموجود من العلة .
ومن هذا القبيل ما قاله بعضهم : من بث لم يصبر ، وما قيل في معنى قوله تعالى : ( فصبرجميل ) أي لاشكوى فيه ، وما روي أنه قيل ليعقوب عليه السلام : ما أذهب بصرك ؟ قال : مر الزمان ،وطول الأحزان ، فأوحى الله إليه : تفرغت لشكواى لعبادي ؟ ، فقال : يا رب أتوب إليك .
وما روي عن طاووس ومجاهد أنهما قالا : يكتب على المريض أنينه في مرضه ، وكانا يكرهان أنين المرض لأنه إظهار معنى يقتضي الشكوى .
وليس معنى هذا أن يكتم المريض أنينه في ألم لا يطاق ، ولكن معناه : أن يقتصد من ذلك ويتماسك ما أمكنه ، ولا يستسهل الشكوى كالذي يصدر من بعض المرضى ، ويعرفه الممرضون مما فيه من محض القصد إلى طرح آلامهم على الآخرين !
وفي الأثر : إذا مرض العبد أوحى الله تعالى للملكين : أنظرا ما يقول لعواده ، فإن حمد الله وأثنى عليه دعوا له ، وإن شكا وذكر شرا ، قالا : كذلك تكون .

يفسر الإمام الغزالي ما حكي عن بعض الأكابر من ترك التداوي : حيث حكي ذلك عن أبي بكر تارة ، وحكي عن أبي ذر تارة ، وحكي عن أحمد بن حنبل تارة أخرى ...رضي الله عنهم جميعا ... وكيف يمكن الجمع بينه وبين سنة الرسول صلى الله علبه وسلم الذي لم يترك التداوي ...
يفسر ذلك بأنه ربما يكون بعضهم قد ترك التداوي بعد أن كوشف بانتهاء أجله ، أو أن يكون في حال انشغال عميق بالموت والاستعداد له ، فينسيه ذلك ألم المرض فلا يتفرغ للتداوي ، أو أن تكون العلة به مزمنة والدواء موهوما ، أو أن يكون قد رأى في المرض دواء لأحوال مذمومة من حالات قلبه ونفسه ، وهو - أي الغزالي -في كل ذلك يظهر تمسكه بالأخذ بالأسباب ، والتداوي ، وتوافق ذلك مع الإيمان بالقضاء والقدر .
ويصل الغزالي في معارضته لمن يترك التداوي بدعوى التوكل ... يصل إلى قمة جدله له ، حيث يلزمه ؛ أولا بترك الحجامة ، فإذا تركها ألزمه بترك العقرب تلدغه ، فإذا تركها لا ينحيها ألزمه بترك العطش يلدغه فلا يزيله بالماء ، وترك الجوع يلدغه فلا يزيله بالطعام وهكذا !! ثم يقول : ( وليس من التوكل ترك التداوي ، بل هو - أي التداوي - كصب الماء على النار لإطفائها ، ودفع ضررها عند وقوعها بالبيت ، وليس من التوكل الخروج عن سنة الوكيل أصلا ) .
ثم يقول : ( فبهذا تبين أن مسبب الأسباب أجرى سنته بربط المسببات بالأسباب ، إظهارا للحكمة ، والأدوية أسباب مسخرة بحكم الله كسائر الأسباب ، فكما أن الخبز دواء الجوع ، والماء دواء العطش ، فالسكنجبين دواء الصفراء ، والسقمونيا دواء الإسهال ... وكل ذلك بتدبير مسبب الأسباب وتسخيره وترتيبه بحكم حكمته وكمال قدرته .. فلا يضر المتوكل استعماله ، مع النظر إلى مسبب الأسباب دون الطبيب والدواء ) .
ثم يقول الإمام الغزالي : ( فلا يتعجب من قولنا إن الطب والحساب من فروض الكفايات ، فإن أصول الصناعات أيضا من فروض الكفايات ، كالفلاحة والحياكة ، والسياسة ، والحجامة ، فلو أن بلدا خلا من الحجام [ وهو يمثل الجراح في العصر الحديث مع فارق التقدم العلمي بالطبع ] تسارع الهلاك إليه ، ... فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء ، وأرشد إلى استعماله ، وأعد الأسباب لتعاطيه ، فلا يجوز التعرض له بإهماله . ) [1]

ولا ننسى أن نسجل هنا ملمحا هاما من ملامح الذاتية الإسلامية في الربط بين الأخذ بالأسباب - في مقام التداوي أو غيره من مقامات هذا الأخذ - مع التوجه إلى الله صانعا لها ومدبرا لنتائجها ، وتلك خاصة من خواص الإسلام لا ينبغي إهدارها ، أو التوجه لما يخالفها من خواص الحضارات الأخرى .

كما لا ننسى أن نسجل هنا براءة الإمام الغزالي مما ينسبه إليه العلمانيون " الأميون " من أنه أسدل ستار الظلام على الحضارة الإسلامية ، وتقدمها في باب العلوم ، عندما اتهموه بأنه ألغى قانون الأسباب والمسببات ... ظنا منهم أنهم بخطتهم تلك ينتصرون لخصمه الفلسفي الإمام ابن رشد ، ويشدون العقل العربي إلى ما يسمونه - جهلا أو ظلما - علمانية ابن رشد ، ورغبة منهم في أن يصلوا بذلك إلى ما يريدونه من عزل الأمة الإسلامية عن تراثها الصحيح ، ومصدر غناها ، وفخرها ، وعوامل تقدمها ،وربطها قانون السببية بالإرادة الإلهية .
وبهذا يتضح أن رفض التداوي ، أو تحريم نقل الأعضاء : بدعوى تعارضه مع ما يلزم المسلم من الرضا بقضاء الله وقدره دعوى باطلة .


وبعيدا عن محاولة العبث بالتعريف الشرعي للموت ، وبعيدا أيضا عن وهم التعارض مع عقيدة القضاء والقدر يظل قائما أمامنا السؤال عن الحكم الشرعي لنقل الأعضاء من جسد ميت بالفعل { حسب التعريف الشرعي للموت كما شرحناه في المقال السابق } ، أو من جسد حي إلى جسد حي؟؟؟
هنا نجد بين يدينا الحكم الذي أصدره مجمع البحوث الإسلامية بتاريخ 2261992 ضمن بيانه الذي استشهدنا به فيما يتعلق بتعريف الموت شرعا
بعد ماجاء في بيان مجمع البحوث الإسلامية تحريم بيع الأعضاء قال : ( أما بالنسبة لتبرع الإنسان لغيره بعضو من أعضائه فيرى جمهور الفقهاء أن هذا التبرع جائز شرعا ، إذا صرح الطبيب الثقة المتخصص أن هذا التبرع لا يترتب عليه ضرر بليغ بالشخص المتبرع لا في الحال ولا في الاستقبال ، وإنما يترتب عليه نفع عظيم بالنسبة للمتبرع له )
ويستمر البيان قائلا ( ونحن نميل إلى هذا الرأي ، لأن تبرع الإنسان بشيء من جسده لا يصدر عنه إلا في أشد حالات الضرورة لشخص عزيز عليه ، ومن أجل تقديم منفعة جليلة لغيره مبتغيا بها وجه الله تعالى) .
ثم يقول البيان : ( وفي أقصى حالات الضرورة يجوز نقل عضو من أعضاء جسد الميت إلى جسد إنسان حي ، إذا كان هذا الإنسان الميت قد أوصى بذلك قبل وفاته كتابة ، أو شهد بذلك اثنان من ورثته ، وإذا لم تكن هناك وصية ولا شهادة ففي هذه الحالة يكون الإذن من السلطة المختصة .)
وبالرغم من الغموض الشديد الذي يلف عبارة السلطة المختصة خصوصا في مقام الأخذ بالمقاييس الشرعية في حياتنا العلمانية المعاصرة ، فسوف نستمر مع البيان ، إذ يقول: ( وفي جميع الأحوال يجب أن يكون الإذن بالنقل دون أي مقابل ، كما يجب أن يكون العضو المنقول لا يؤدي إلى اختلاط الأنساب . ) .

ونحن بالرغم من أننا لا نعترض على الحكم الشرعي الذي تم استنباطه في هذا البيان ، باعتبار صدوره من الجهة الأقرب إلى مفهوم الاجتهاد الجماعي ، والأكثر أهلية واستعدادا لتحمل تبعة مسئولية العمل به أمام الله تعالى ، فإننا لا نملك إلا أن نعبر عن رؤيتنا في الملاحظات المنطقية العامة التالية :
إن تحريم نقل الأعضاء عن طريق البيع بدعوى أنه لا يجوز لإنسان بيع عضو من أعضائه لأنه لا يملكه ، لأن المالك هو الله ، وإذن فمن حق الإنسان أن يتبرع به ، لا أن يبيعه ...هذا كلام مردود عليه من ثلاث نواح :
أولها : أن ملكية الله لا تقتصر على أعضاء الجسم البشري ، ولكنها تنسحب على كل شيء ، فهو وحده المالك الحقيقي لأجسام الحيوانات المباح لنا الانتفاع بها والاتجار فيها ، وهو وحده المالك الحقيقي للثروات وللأموال والعقارات والأنفاس .. . ومع ذلك يباح لنا الانتفاع بها وتملكها والاتجار فيها وفقا للقواعد والأحكام الشرعية
ومنها أن الأصل في الأشياء الإباحة مالم يرد نص بالتحريم ، وإذن فإطلاق القول بالملكية لأعضاء الإنسان ، لا يفيد في رفع ملكية الإنسان ، ومنع بيعها بوجه الإطلاق ، ونظل هنا بحاجة إلى ما يفيد التحريم غير مسألة الملكية

ثانيا : أن الاستناد إلى عدم ملكية الإنسان لأعضائه إذا أفاد تحريم البيع ، فلابد أن يفيد تحريم التبرع في نفس الوقت ، لأن الملكية شرط للتبرع أيضا بغير خلاف .

ثالثا : لأن إباحة التبرع سوف تنتهي إلى وضع نظري بحت ، وباسم التبرع ظاهريا سوف يؤدي التعامل واقعيا إلى فتح الباب للبيع على أوسع نطاق .
وهذا يدعونا إلى إعادة طرح الموضوع لا من زاوية الحكم الشرعي البحت ، ولكن من زاوية الفتوى الشرعية وما يشترط فيها من ضرورة مراعاة الواقع الذي تطبق فيه .
وهذا مبدأ شرعي لا خلاف عليه : أنه قد يكون الحكم الشرعي بحل شيء في حد ذاته صحيحا ، ولكنه عند النظر في مجال تطبيقه يصبح حراما لما يجره من حرام يرجح الفائدة المعتبرة شرعا غالبا .
وعلى سبيل المثال فقد حرم القرآن الكريم على المسلمين أن يسبوا أصنام المشركين ، مع أن سبهم في حد ذاته قربة من القربات ، ولكنه حرمه لما يؤدي تطبيقه في مجال الواقع إلى سب الله جل جلاله ، يقول الله سبحانه وتعالى في ذلك ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ).
ومثاله أيضا حفر البئر لاستخراج الماء فهو مباح في حد ذاته ولكنه يصبح حراما إذا حفر في الطريق العام .
وكهبة إنسان لماله لشخص فقير أو غني ، فهو مباح مأجور في حد ذاته ، ولكنه يصبح حراما إذا حدث في رأس الحول بصفة مؤقتة... فرارا من أداء الزكاة .
وهذا هو الأصل الشرعي الذي يسميه بعض الفقهاء ( سد الذرائع ) : وخلاصته ( منع ما يجوز شرعا من قول أو فعل إذا صار موصلا إلى ما لا يجوز شرعا ) .
وفي اعتقادي أن القول بجواز نقل الأعضاء بشروطه المعلنة في مقالنا السابق يأتي في باب الحكم الشرعي ، الذي يحتاج إلى إعادة النظر فيه من باب الفتوى على النحو الذي شرحناه : أي بعد النظر إلي مجال تطبيقه في الظروف المحلية والعالمية السائدة ، وما قد يقتضيه ذلك من تطبيق مبدأ سد الذرائع .

إن مجال التطبيق السائد - محليا وعالميا كما قلنا - يؤكد أن إباحة نقل الأعضاء في النطاق المبين في الحكم الشرعي سوف تنزل- واقعيا بغير قصد - بالجسم البشري إلى حضيض السلع التي تباع وتشترى في الصيدليات ، أو في السوبر ماركت ، أو في أقبية عصابات المافيا ، ممن استغلوا أخيرا أطفال التوربيني { !! } أو من امتلكوا الاختباء وراء مخبول بني مزار الذي برأته المحكمة بعد أن هرب الجناة .
وفي النهاية تؤدي إلى قيام سوق نخاسة بشرية أغلقت من قبل لغير وجه الله ، وهاهي اليوم على وشك أن تفتح - باسم العلم - لغير وجه الله .
ونحن نعرض على القارئ طائفة من هذه الوقائع المبكرة ...
فقد جاء بجريدة الأهرام بتاريخ 521990 ( أن جراحا بريطانيا مرموقا اعترف بأن جمبع عمليات نقل الكلى التي أجراها طوال أربعة عشر عاما في أحد مستشفيات لندن كانت منافية للمبادئ الأخلاقية التي تقتضيها أصول المهنة ... وأن كل ما كان يعنيه هو شعور الرضا عن النفس ، للمهارة والإتقان الذي كان يتوج عملياته بالنجاح في كل مرة ، بينما كانت وراء كل عملية مأساة إنسانية مروعة ) .
ويهدي الكاتب الصحفي الأستاذ سلامة احمد سلامة هذا الخبر إلى فضيلة المفتي ، وإلى البابا شنودة بينما هما يبحثان مسألة إباحة نقل الأعضاء على حد تعبيره .
وجاء في جريدة الأهرام 6101990 - نقلا عن الجارديان -خبر عن ( فضيحة بيع الأطفال لاستخدام أجسادهم كقطع غيار بشرية ) وجاء في الخبر : أن وزير العدل البرازيلي قد طلب من شرطة بلاده التحقيق في المعلومات التي تتردد حول استخدام أطفال البرازيل الذين يتم بيعهم للأسر الإيطالية بغرض التبني ... لاستخدامهم في عمليات غير مشروعة لزراعة الأعضاء البشرية ، حيث يتم استخدام أعضاء هؤلاء الأطفال بعد قتلهم لزراعتها للمرضى الأوربيين الذين يحتاجون إليها .
وقد طلب البوليس الدولي من السلطات الإيطالية أن تحقق هي الأخرى في هذه الاتهامات التي تشير إلى قتل هؤلاء الأطفال البرازيليين بعد وصولهم إلى إيطاليا ، من أجل استخدام أعضائهم : مثل الكلى والكبد والقلب وغيره مقابل مبالغ تتراوح بين عشرين ألفا ، وخمسين ألف جنيه استرليني للعضو الواحد . [ لاحظ أن الأسعار لابد أن تكون قد ارتفعت أضعافا منذ نشر هذا الخبرحتى اليوم ] .
وذكرت التحريات - كما جاء بالخبر المشار إليه ان نحو أربعة آلاف طفل برازيلي تم نقلهم إلى إيطاليا خلال السنوات ( 19841990) تحت ستار عمليات التبني ، وهي عمليات تنظمها شبكات إيطالية واسعة النطاق ، تضم محامين ، ورجال قانون ، وقضاة ، وعاملين في حقل الخدمة الاجتماعية ، وقسسا أيضا ... اكتشفوا أن الربط بين الفقير البرازيلي وعدم الخصوبة الإيطالية يمكن أن تدر عليهم أرباحا هائلة ، وأن ثمن الطفل يتراوح بين ستة آلاف واثني عشر ألف جنيه استرليني حسب لونه وحالته الصحية ...
وفي مدينة إيتابو بالسلفادور ضبط البوليس مركزا لشراء الأطفال الرضع من أمهاتهم ، وخاصة الأمهات الفقيرات والجاهلات اللاتي يقدمن على هذا العمل ...
وفي مدينة بيلوتاس جنوب البرازيل تقوم إحدى العربات بجمع الأطفال بدعوى تطعيمهم ، ولكنها تخطفهم وتختفي ، كما يتم خطف الأطفال حديثي الولادة من بعض المستشفيات ...
وجاء في الخبر : أنه تم القبض عام 1989 - على عصابة برازيلية { توربينية !! } ضالعة في هذه الأعمال ومن بينها أطفال تجرى لهم عملية " موت المخ " ثم يتم الاحتفاظ بهم بعد ذلك حتى تظهر الحاجة إلى أعضائهم لزراعتها لأطفال آخرين ) .
وفي جريدة الخليج بتاريخ 1331992 جاء تحت عنوان ( عيادة تقتلع أعضاء المرضى وتبيعها ) الخبر التالي : ( اكتشف المحققون في الحديقة الشاسعة المحيطة بعيادة كولونيا مونتيسي دي أوكا المخصصة للمتخلفين عقليا في منطقة بيونس أيريس في الأرجنتين : أن الأطباء يقومون منذ عشر سنوات بالاتجار بالأطفال ، وبالأعضاء البشرية ، وبالدم ، وأن نسبة الوفيات - نتيجة اقتلاع هذه الأعضاء من الضحايا - مرتفعة جدا ) .
وأكد المحققون أن أكثر من ألف مريض ( اختفوا بكل بساطة من دون أن يخلفوا أي أثر ، وقال القاضي هكتور هيريديا الذي يتولى ملف هذه القضية " إن مجرد قراءة سجل المشرحة يقشعر له بدني ، لشدة فظاعته ، ويذكرني ب ( فيلم رعب ) ففي العام 1990 على سبيل المثال سجلت سبع وثمانون وفاة ، واختفى عشرة ومائة شخص . وتشير الإحصاءات - غير الرسمية في انتظار نهاية التحقيقات - إلى أن واحدا وعشرين وثلاثمائة وألف شخص قد توفوا ، وأن خمسة وتسعين وثلاثمائة وألف قد اختفوا في العيادة المشار إليها سابقا بين عامي 1976 و 1991 . وقال أحد حراس العيادة : إن عمليات استئصال سرية لقرنيات العيون تجري في الليل دائما ، وفي مكان سري ، وأن وزير الصحة سيزار أراوز - آنذاك - قال : " هناك تفاصيل لا أستطيع أن أرويها ، ليس بدافع الذوق ، بل لأن الأبدان تقشعر لها لشدة فظاعتها " .
ويبين التحقيق أن اختيار مانحي الأعضاء كان يتم رغما عنهم استنادا إلى معيارين : الأول هو ألا يكونوا يتلقون زيارات عائلية . والثاني - في مجال القرنية - أن تكون عيونهم فاتحة اللون ‍ . وكانت الدماء والأعضاء المستأصلة تباع إلي عيادة خاصة يملكها الدكتور فلورنيو سانشير 67عاما ) اه الخبر .

ثم نستمر هنا في تقصي حقائق المجال الواقعي العالمي والمحلي الذي سوف تطبق فيه عمليات نقل الأعضاء ؛ الأمر الذي يشير إلى أنه ليس من المناسب في مثل هذا الموضوع ذكر الحكم الشرعي الصحيح في حد ذاته ، ولكن يجب أن يذكر في إطار الفتوى التي يجب أن ينظر فيها إلى مجال التطبيق .
ونحن نتوسع في ذكر ما يدور في المجال الواقعي عالميا ومحليا بهدف بيان أن المسألة لا تنحصر في حادثة هنا وحادثة هناك ، وإنما هو انتشار واسع لبوادر تشير إلى قابلية متسارعة لانتشار أوسع ، في ظل مجتمعات معاصرة أخذت تتباعد باستمرار عن مقاييس الأخلاق الدينية أو التقليدية ، بدعوى الحداثة والعلمانية والبراجماتية أوالمعاصرة أو البزنس .. إلخ

وهذه الوقائع التي نذكرها إن لم تكن كافية في تصوير الواقع بإنصاف ، فهي بالتأكيد كافية في إلزام أصحاب الفتوى بعمل الأبحاث عن هذا الواقع الذي أصبح على الأقل مثيرا للشبهات ، للتأكد لمواقع أقدامهم قبل تقديم الحكم الشرعي في إطار الفتوى - وهذا من صميم اختصاصهم ، وبخاصة إذا كانت الفتوى صادرة من مؤسسات تملك إمكانات البحث ، أو يفترض أنها تملكه .
وهنا نضيف إلى ماسبق أن ذكرناه ما جاء في الأخبار نقلا عن رويتر أن التليفزيون البريطاني والكندي عرضا في شهر نوفمبر عام 1993 فيلما وثائقيا عن تجارة الأعضاء البشرية ، يطالب منظمات الصحة العالمية بوقف تلك التجارة التي ازدهرت بفعل الطلب المتنامي على تلك الأعضاء ، لزراعتها في أجسام المرضى ، واستخدامها في الأبحاث الطبية ، وصناعة مستحضرات التجميل .
ويكشف الفيلم عن عواصم عالمية تعد - في ذلك الوقت - مراكز للحصول على أعضاء بشرية معينة . فالكلى السليمة تسرق من مصادرها في موسكو ، بينما تستأصل قرنيات العيون من المختلين عقليا في بيونس أيريس في الأرجنتين ، ويختفي الأطفال بصورة مفاجئة في هندوراس ، ويعثر على جثثهم ناقصة
كما يكشف التحقيق عن أن شركة روسية باعت مؤخرا - آنذاك - سبعمائة كلية وقلب ورئة ، وألف وأربعمائة كبد ، وألفي عين ، وثماني عشرة ألف غدة ، وثلاثة آلاف خصية ، تستخدم في صناعة الكريمات . أه الخبر كما نشرته جريدة الأهرام في 13111993 .
و جاء في جريدة الخليج في 22 11 1993 : ( أن الشرطة في موسكو تشتبه بأن عصابات تختطف الأطفال وتقتلهم لسرقة أعضائهم الداخلية لبيعها في السوق السوداء .
وأضاف الخبر : أن هذه السوق الدولية السوداء أصبحت أكثر تنافسا وطمعا ، وذلك للنقص الحاد في عدد الأشخاص الذين يوافقون مسبقا على التبرع بأعضائهم بعد موتهم ) .
وجاء في جريدة الأهرام في 931993 : ( بعد قرار الرئيس الإمريكي كلينتون بإباحة نقل خلايا الجنين للمرضى فإن العالم على أعتاب سوق جديدة لبيع الأجنة المجهضة ، لعلاج الشلل الرعاش ، والسكر ، والعقم .)
وجاء في الخبر أيضا : أنه فور تولية الرئيس الإمريكي مهام الرئاسة وبالتحديد في اليوم الثالث من دخوله البيت الأبيض ، وتنفيذا للوعد الذي قطعه على نفسه في حملته الانتخابية بتحرير وتقنين الإجهاض باعتبار أن كل امرأة هي صاحبة رحمها ، وهي صاحبة الحق في التحكم فيما يحويه ... وقع الرئيس كلينتون علي قرار يبيح نقل الأنسجة من الأجنة المجهضة إلى المرضى ، وتوفير الدعم المالي اللازم للإنفاق على هذه الأبحاث .
وأن العلماء اعتبروا هذا القرار تحقيقا لأمل طال انتظاره ، حيث يصفه الدكتور جاري هودجان الباحث في أنسجة الأجنة بكلية طب فرجينيا الشرقية : بأنه أعظم أيام العلم منذ أن تمت الموافقة على إجراء أبحاث القرود . ثم ذكر الخبر بعد ذلك احتمالا مطروحا في الدوائر العلمية : أن يحدث الحمل خصيصا للتخلص منه بإجهاضه ، والتبرع بناتج الإجهاض للحصول على أنسجة جنينية في صورة سليمة أكثر فائدة ، بدلا من التخلص منه حاليا في حالة مفتتة ...
وأن هناك - كما جاء بالخبر - احتمالا آخر لاستثمار عمليات أطفال الأنابيب بتجميد الأجنة الزائدة عن الحاجة ‍ بعد إخصابها لاستخدامها كحقل تجارب .
وفي جريدة الوفد في 31101991 نجد العنوان التالي على الصفحة الحادية عشرة : ( مزاد لبيع الأعضاء البشرية : سوق في العتبة لبيع الكلى بالقاهرة : خمسة عشر ألف دولار للبيع ، وأربعين ألف دولار للشراء ) والفرق بين ثمن البيع والشراء هو للسماسرة وأشباههم .
ولست بحاجة إلى أن أضيف " وفي خرائب التوربيني ، وذبائح بني مزار ، وخفايا المختفين من عبارة الموت !! " .
ومرة أخرى لو قلنا : فليكن التبرع لا البيع ، فالرد جاهز ، وهو أن كل ذلك يمكن أن يتم باسم التبرع ، وقد يطالب البعض بعد ذلك بالحق الدستوري في المساواة ، عندما يشكو الذين لا يجدون متبرعا ؟؟؟
ومع ذلك فإنه إذا كان مبدأ سد الذرائع يسد الطريق أمام هذه العمليات أخلاقيا ودينيا واجتماعيا ، بناء علي وضوح رجحان كفة المفسدة التي أوضحنا طرفا من بوادرها ، فإن للطب الحديث نفسه كلمة ترجح كفة المفسدة التي أشرنا إليها .
يقول الأستاذ الدكتور أحمد شفيق - نقلا عن جريدة الاتحاد رمضان 1991 : ( إذا كان القرن الحادي والعشرون هو قرن زراعة الأعضاء فهو أيضا قرن الفشل الإنساني .
فالأجدر بالعلماء أن يبحثوا عن أسباب الإصابة بالأمراض التي يحدث من ورائها فشل الأعضاء ومحاولة التغلب عليها ...
أما الحل السهل - وهو الزراعة - فقد أثبت العلم :
أولا : أن العضو المزروع كثيرا ما يصاب بنفس المرض الأصلي الذي كان مصابا به الشخص قبل النقل إليه ، وذلك بنسبة تصل إلى 38 %
ثانيا : كذلك يعتبر العلاج بنقل عضو لا يخرج عن عملية تسكين ، لأن المريض المنقول إليه العضو يظل مريضا مدى الحياة ، حيث إنه يظل يتعاطى الأدوية المثبطة ضد الطرد ، والتي تبطل مناعة الجسم ، ويظل تحت مضاعفات شديدة ، مثله مثل مريض الإيدز ، فيصبح عرضة للأمراض الانتهازية ... ويظل يتردد على المستشفيات طوال حياته ..)

من هنا فإننا نقول : إن الفقه الإسلامي مدعو إلى إعادة النظر في الموضوع ؛ ثابت القدم ، لا يتزحزح في تعريف الموت والحياة كما عرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلماء الشريعة استنباطا من شريعته صلى الله عليه وسلم ... شريعة مختصة بمسائل الروح والجسد معا ، صالحة لكل زمان ومكان ...

كما أن على الفقهاء أن يعودوا إلى أصولهم ، في بحث مسألة نقل الأعضاء ، فينظروا إليها لامن ناحية الحكم الشرعي المجرد ، ولكن من ناحية الحكم الشرعي الناظر إلى موضوعه في موازاة الواقع المؤثر فيه ، باخطاره وممارساته واحتمالاته ، كما هو شان الفتوى الشرعية دائما .
كما أن عليهم ألا ترتعد فرائصهم أمام إرهاب فقه الاستحلال العلماني المعاصر ، من بعض المنتفعين بنصب سوق الرقيق البورجوازي ! الذي يدعي - باطلا - مساندة العلم ، وأن يستشعروا قوة شريعتهم الربانية إزاء إرهاب هذا الفكر ، ذلك الذي يتكشف دائما عن هزال مرجعيته في العلم وفي الحكمة على حد سواء .

وهنا يحق لنا أن نستشهد بالتوصيات التي أصدرها المؤتمر العالمي الخامس للطب الإسلامي ،والمؤتمر الثاني للإعجاز الطبي في القرآن الذي عقد بالقاهرة في الفترة من 20 - 23 11 1988 حيث أوصى المؤتمرون :
( بأن تكون للدراسات الطبية مرتكزاتها الإيمانية وشخصيتها النابعة من قيمها الدينية ، غير منساقة وراء النسق الغربي الذي ولد في مهد الإلحاد ، وترعرع في ظل فصل الدين عن الحياة ...
كما أكد المؤتمر أن مهنة الطب حرفة وعبادة ، لا تقف عند حد النظرة المادية سواء في اعتبار المريض مادة مرضية ، أو في الاقتصار على الكسب المادي ...
وأوصى في مجال إعداد الطبيب المسلم أن يكون ملما بالأحكام الشرعية ، المتصلة بأحوال الناس في حالتي الصحة والمرض ، حتى يوفر الإجابة الشافية إذا استفتوه الرأي الإسلامي إزاء أمراض ، أو أعراض تنتابهم ، قد لا يصارحون غير الطبيب بها ) .

ومن هنا فإننا نقول أيضا : إن العصر أصبح في أشد الحاجة إلى أن يجمع العلماء التجريبيون بين معرفتهم بالعلم ، ومعرفتهم بقواعد الشرع وثوابته على حد سواء
وهذا بالتالي يدعونا إلى إسقاط الاتجاه إلى فصل العلم عن الدين ، وأن يعود العلم إلى ممارسة دوره الطبيعي في النزول على أحكام القيم الأخلاقية والإنسانية المستمدة من مصدرها الوحيد الذي هو الدين ، لا أن تقلب الصورة لتقف على رأسها بأن ينزل الدين على حكم الرؤية النسبية المحدودة الناقصة دائما للعلم .

ومعنى هذا أنه لابد من العودة إلى النظرة التكاملية للإسلام تلك التي تنظر إلى الحياة والموت باعتبار أصالة عنصر الغيب فيهما .

وفي هذا الإطار يتم النظر في مجال نوع خاص من نقل الأعضاء : هو نقل الجينات أوزرعها وهندستها وتطويرها، بما يسمح بإنتاج نسخ جديدة منها وفق إرادة مهندسي الوراثة الجدد فيما يسمى الاستنساخ :
إن هذه البحوث قد نجحت منذ وقت طويل في مجال النبات أولا ، والحيوان ثانيا ، وقدمت تطبيقات مفيدة ، حلت بعض المشاكل في مجال الزراعة والطب ، ولكنها بما تحمله من إرهاصات التوسع في هذين المجالين أخذت تنذر بنتائج سلبية على مستوى العلاقات الإنسانية والتوازن البيئي.
والإخلال بالتوازن البيئي لم يعد منحصرا في قدرة العلم الحديث على السيطرة على الطبيعة بالمفهوم العام ، ولكنه أصبح متوقعا - عن طريق الاستنساخ - فيما يتصل بالمواصفات البشرية ، بدءا من صفات الذكورة والأنوثة والتوازن فيها ، ومرورا بصفات الذكاء والغباء، واللون الأسود والأبيض والأصفر والأحمر ، ، والطول والقصر والجمال والقبح ، حيث يمكن التحكم في ذلك بحسب الأغراض والأهواء الفردية والطبقية والجنسية والعنصرية والقومية ألخ ، الأمر الذي يذكرنا في هذا المقام بقوله تعالى ( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن )
ولا يقتصر الأمر على ذلك ، وإنما هو في مجال الإنسان أخذ ينذر بنتائج خطيرة على مستوى كرامة الإنسان وحريته وأخلاقياته ومؤسساته الاجتماعية على مستوى الأسرة خصوصا .
ولكننا منذ البداية يجب أن ننبه إلى أن عملية الاستساخ التي نتحدث عنها لامساس لها بعقيدة الخلق الإلهي ، فهي كأي تكنولوجيا ( استعمال لسنن الخلق الإلهي ) سواء في ذلك تكنولوجيا الاستنساخ أو الدواء أو تكنولوجيا الاتصال والفضاء إلخ ... وليست خلقا بشريا
يقول إيان ويلموت الذي قدم باكورة إنتاجه من الثدييات المستنسخة ،و هي الشاة " دوللي "
( يمكن إنتاج نسخ بشرية خلال عامين ، إلا أنه يجب على الحكومة أن تحظر استنساخ البِشر ) وقد جاء فى كلمته هذه في تصريح له في معرض شرح واف لتقنية الاستنساخ قدمه لأعضاء البرلمان البريطاني في جلسة خاصة عقدت لهذا لغرض .
وحذر ويلموت من أن الأمور يجب أن تخرج عن إطار بحث الإمكانات العلمية إلى إطار التنظيم والتقنين المبني على دراسة الآثار الاجتماعية والأخلاقية المترتبة على استنساخ بشر بالطريقة التي اتبعت في معهد روزلين لإنتاج " دوللي "
وأكد ويلموت أنه وزملاءه وصلوا إلى مرحلة تقنية تمكنهم من إنتاج كائن بشري في غضون سنة ، أو سنتين على أكثر تقدير بيد أن العقبة الكبرى - فيمالو قرر العلماء المضي في تجاربهم تكمن في أن الحصول على النسخة الأولى يتطلب إجراء التجربة على عدد كبير جدا من الأرحام البشرية الطبيعية ، وإذا كانت دوللي هي محصلة تجارب على ألف نعجة فإن من المتعذر الحصول على ذلك الرقم من الأرحام الآدمية .
وفيما تواجه فكرة استنساخ الادميين رفضا قاطعا على كافة المستويات تقريبا في بريطانيا فإن الأمر مختلف تماما في الولايات المتحدة الإمريكية فالتصريحات الخجولة التي أدلى بها بيل كلينتون لوسائل الإعلام والتى حث فيها العلماء على التوقف طواعية عن " القيام بدور الخالق " ماهي إلا انعكاس لضعف سلطة الحكومة أمام سطوة القطاع الخاص بشركاته العملاقة الساعية وراء الربح بشتى السبل .
ويجدر التأكيد في هذا المقام أن المثير في إنتاج النعجة " دوللي " هو أنها تمت بغير الطريقة الطبيعية للإنجاب المتمثلة في التقاء حيوان منوي ببويضة ، لينتج عن ذلك خلية جنينية تأخذ في التطور لتخرج من رحم المرأة على هيئة إنسان تام الخلقة ، في حين تم إنتاج دوللي عن طريق خلية مأخوذة من حيوان بالغ عمره ست سنوات ، وكل مافي الأمر هو أن الخبراء استعانوا ببويضة مفرغة من نواتها لجعلها تستضيف المادة الوراثية للخلية المراد استنساخها ومن ثم دفع الخلية الجديدة للآنقسام والتطور في الرحم
واستطرادا في هذه النقطة فإن من الضروري التمييز بين ( الاستنسال )وهو تدخل التقنيات العلمية والطبية لإحداث أو تحسين نسل دون الاستغناء عن تلاقح البويضة مع الحيوان المنوي ، وبين ( الاستنساخ ) الذي يمكن بواسطته إنتاج امرأة مثلا دون الحاجة إلى الاستعانة برجل على الإطلاق ، وهذا مادفع الدكتورة " أرسولا جودنيف " وهي من أشهر علماء الأحياء الخلوية في واشنطن للرد بعفوية بعد سماعها تفاصيل العملية قائلة " إذن لم تعد عناك حاجة للرجال بعد الآن "[2] .
وهذا يجعلنا نستحضر فورا التحريم القطعي لمثل هذه المحاولات في مجال الإنسان على الأقل نزولاعند قوله تعالى: ( فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) .
ولهذا أخذت أجراس الخطر تدق في أنحاء العالم ، وبخاصة في البلاد التي تمارس التقدم في هذا المجال ، مما جعل بعض المسئولين في تلك البلاد يبادر إلى اتخاذ احتياطات من التحفظ أو المنع على مستويات متعددة .
فقد تبنى المؤتمر العام لليونيسكو في دورته التاسعة والعشرين الإعلان العالمي " للجينات البشرية " الذي يحظر استنساخ البشر ، ويطالب بالحفاظ على كرامة الإنسان .
ووافقت 186 دولة على هذا الإعلان ، بعد ما قامت لجنة مختصة ، شكلها فريدريكو مايور المدير العام لليونسكو ، بدراسة هذا الموضوع ، واستشارة علماء ، وجامعات ، ولجان وطنية في مجال أخلاقيات علوم الأحياء .
وعلى الرغم من تحفظات بعض الدول ، نظرا لأن الإعلان العالمي ليست له صفة القسرية ؛ إلا أن الارتياح ساد دوائر المنظمة العالمية ، بعد ما بدأت تلوح في الأفق الإمكانيات العلمية لاستنساخ الكائنات الحية ومنها الإنسان
ويتكون الإعلان العالمي للجينات البشرية من 25 مادة تضع قواعد دولية أخلاقية في مجال الأبحاث الخاصة بالجينات الإنسانية ، وتطبيقاتها ،ووذلك للتوفيق بين حرية الأبحاث من أجل صحة الإنسان .. وعدم التطرف في هذه الأبحاث بطريقة تؤدي إلى المساس بكيان الإنسان وكرامته .
وتلتزم الدول الموقعة على هذا الإعلان بعدم القيام بممارسات مضادة لكرامة الإنسان ، مثل الاستنساخ بهدف إنتاج إنسان ذي خصائص معينة [3]
وقد استضافت القناة الخامسة للتليفزيون الفرنسي اثنين من الباحثين في مجال العلوم والفيزياء ، هما ألان بومبيدو ، وبول لانوي ، وكلاهما من نواب البرلمان الأوربي ، ليدليا برأيهما في التساؤلات المطروحة حول الاستنساخ ، فأكدا أنه إلى جانب قرار البرلمان الوربي بحظر تمويل الأبحاث التي تهدف إلى استنساخ البشر فإنه ينبغي استصدار حظر تام لمثل هذه العمليات ، ورأيا أن النزعة البشرية لدى العلماء تجعلهم يميلون دائما إلى المضي في الأبحاث بغض النظر عن أية اعتبارات أو نتائج بعيدة المدى طالما أنه ليست هناك أية محظورات صريحة سواء كانت قوانين دينية ، أو وضعية ، تحول دون مواصلة البحث العلمي .
وعلى الرغم من اتفاق آراء ألان بومبيدو وبول لانوي حول ما يمثله استنساخ البشر من خطورة ؛ إلا أنهما اختلفا حول استنساخ الحيوان ، فقد أعرب ألان بومبيدو عن اعتقاده بوجود مزايا في استنساخ الحيوان في صنع المضادات الحيوية والأدوية واللقاح . بينما اعترض بول لانوي باعتبارها مسألة أخلاقية تنتقص من الاحترام الواجب للحيوان ، إلا أنه أشار إلى إمكانية الاستنساخ في الحيوان بغرض الحفاظ على الأنواع والسلالات النادرة والمهددة بالاندثار . ([4])ki

فإذا نظرنا نحن لهذا النوع من النقل أو الاستنساخ من زاوية الشريعة الإسلامية وفي إطار القواعد والمبادئ التي أشرنا إليها سابقا يمكننا أن نقول :
إنه وإن كان لا يوجد في الشريعة حكم نصي في هذا الموضوع إلا أن للفقهاء أن يستنبطوا الحكم عن طريق الأصول والمبادئ المقررة شرعا .
وأن الفقه الإسلامي لا ينظر إلى هذه المسألة من زاوية تشجيع العلم التجريبي فحسب ، وإنما يضع أصول الشرع وقيم الدين في المقام الأول ، ويصر على إخضاع العلم التجريبي لها ، وهو من ثم لا يخضع لإرهاب الاتهام بمعاداة العلم أو إرهاب سماسرة سوق الرقيق الطبي الحديث .
وأن ما تهدد به تقنية الاستنساخ من هدم لللأسرة ، وإنتاج نسل عن غير طريق التزاوج محرم شرعا مصداقا لقوله تعالى في وصف المؤمنين ( والذيم هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غيرملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فهم العادون ) .
وأن ما أظهرته بحوث الاستنساخ هذه من خطر على البيئة والإنسان كما أشرنا سابقا ، مما يعتبر في حجمه الحالي قمة جبل الجليد الغارق في الأعماق ... يشير إلى وجوب النظر إلى الموضوع من خلال الأصل الشرعي الذي تحدثنا عنه سابقا ، وهو مبدأ سد الذرائع ، الأمر الذي يؤدي إلى تأكيد القول بتحريم هذا الاستنساخ في مجال الاستنساخ البشري .

وأخيرا
فإننا نقول للمجترئين استمعوا إلى قوله تعالى : ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ) 145 آل عمران ، فأربعوا على أنفسكم ، واسلكوا طريقكم هونا .
واستمعوا إلى قوله صلى الله عليه وسلم : ( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ) متفق عليه .
وإلى قوله صلى الله عليه وسلم ( إن رجلا ممن كان قبلكم خرجت به قرحة ، فلما آذته انتزع سما من كنانته فنكأها ، فلم يرقأ له الدم حتى مات . قال ربكم : حرمت عليه الجنة ) متفق عليه.
وسئل النبي صلى اله عليه وسلم عن القاتل والآمر فقال : ( قسمت النار سبعين جزءا فللآمر تسعة وتسعون ، وللقاتل جزء ) رواه الإمام أحمد في مسنده
وإنه ليوشك المفتون بغير علم في موضوعنا أن يكونوا من الآمرين .
وقال صلى الله عليه وسلم ( من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا .ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا .ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ) رواه الستة .
وإنه ليوشك من يوصي بنقل عضو منه يؤدي إلى موته ، أو باعتباره ميتا عند الدخول فيما يسمى موت المخ أن يكون واحدا من هؤلاء .
ثم نقول للحائرين ليس أمامكم إلا الاعتصام بقوله صلى الله عليه وسلم ( الحلال بين والحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات ، لا يعلمها كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، فإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب . ) .
أ و فاتركوت شريعة الله لله وافعلوا بشريعتكم ما شئتم
أليست هذه هي العلمانية ؟ والله أعلم .

------------------------------------------------------------------------
[1] إحياء علوم الدين ج 1ص22 , ج 4 ص 264
[2] جريدة الخليج 143 1997
[3] جريدة الخليج 13111997
[4] جريدة الخليج عام 1997


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.