جاءتني رسالة يقول صاحبها: هل يجوز إخراج زكاة عروض التجارة وزكاة الزروع والأنعام بالقيمة النقدية؟ أقول: الزكاة المفروضة بالاجماع تجب في أربعة أجناس مالية في الجملة هي النقدان الذهب والفضة. وعروض التجارة. والزروع والثمار. والبهائم من النعم. أما زكاة النقدين فالأصل ان تخرج منها ولا يجوز إخراجها بوضع آخر كالمواد الغذائية والملابس إلا إذا كان الفقير في حاجة إليها استثناء. وأما زكاة عروض التجارة فقد اتفق الفقهاء القائلون بوجوبها علي أن الأصل في إخراجها هو النقد بنسبة ربع العشر من قيمتها. لقول عمر بن الخطاب لحماس في زكاة تجارته: قومها قيمته ثم أد زكاتها. واختلف الفقهاء في حكم إخراج زكاة عروض التجارة منها علي مذهبين. المذهب الأول: يري وجوب إخراج زكاة عروض التجارة من النقود. ولا يجوز إخراجها من السلع محل التجارة أو غيرها. وهو ظاهر كلام المالكية وإليه ذهب الشافعية في الجديد. وهو مذهب الحنابلة. وحجتهم: ان نصاب زكاة التجارة معتبر بالقيمة فكانت الزكاة من القيمة. وقال عطاء: كان عمر بن الخطاب يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم. المذهب الثاني: يري جواز إخراج زكاة عروض التجارة منها. وهو مذهب الحنفية وإليه ذهب الشافعية في مذهبهم القديم. بل ذهب بعضهم في وجه للمذهب القديم ان زكاة العروض تخرج منها لا من ثمنها. فلو أخرج من الثمن لم يجزئه. وحجتهم: ما أخرجه أبوداود بسند فيه جهالة عن سمرة بن جندب. قال: كان النبي - صلي الله عليه وسلم - يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع. أما زكاة الحيوان من الأنعام "الابل والبقر والغنم" فقد ذهب جمهور الفقهاء إلي وجوب إخراجها منها ويصح عند أكثرهم ان يخرج بدل الشاة ناقة. وذهب الحنابلة إلي انه لا يجزيء لأنه أخرج عن المنصوص عليه غيره من غير جنسه فلم يجزئه. وذهب الحنفية إلي ان المزكي له الخيار في ان يخرج الحيوان الواجب أو قيمته نقداً. لأن القيمة في حكم العين. ويدل للجمهور ما أخرجه البخاري من حديث أنس المبين لفريضة الزكاة. وجاء فيه: "وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلي عشرين ومائة شاة. زادت علي عشرين ومائة إلي مائتي شاتات". وأما زكاة الزروع والثمار فالأصل ان يكون منها. لما أخرجه البخاري من حديث ابن عمر. ان النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر. وما سقي بالنضح نصف العشر". والجمهور علي أنه لا يجوز إخراج القيمة. لما أخرجه أبو داود - بسند فيه انقطاع - عن معاذ. ان النبي - صلي الله عليه وسلم - بعثه إلي اليمن فقال: "خذ الحب من الحب. والشاة من الغنم. والبعير من الإبل. والبقرة من البقر". وذهب الحنفية وقول عند المالكية ورواية للحنابلة وهو ما روي عن عمر بن عبدالعزيز إلي أن إخراج القيمة جائز. لأن القيمة في حكم العين. ولما روي ان معاذ بن جبل قال لأهل اليمن: "ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدنية".