شهد العصر الحالي شيوع لفظ "الحوار" بطريقة لافتة للنظر. حتي أصبح سمة من سماته وظاهرة من ظواهره.. كما أصبح الحوار من الظواهر المهمة علي المستوي الداخلي والدولي والأممي والثقافي فهناك: "حوار الأديان" و"حوار الثقافات" و"حوار الحضارات" وقد ساعدت أجهزة الإعلام المتعددة وثورة الاتصال علي زيادة التواصل بين الشرق والغرب والشعوب والأمم والجماعات والطوائف والتوجهات المختلفة مما أسهم في تفعيل تلك الظاهرة.. وربما يعود السبب في ارتفاع وتيرة الحديث عن الحوار إلي تزايد أحداث العنف الدامية التي بدأت تجتاح مناطق عديدة من العالم في الأعوام السابقة تروع الآمنين وتبث الرعب في القلوب. كما تشهد الإنسانية اليوم واقعا يتوجه نحو العالمية الشاملة سوف يقود إلي وضع كوني تتحدد فيه مواقع الأمم والشعوب. الحوار مع الآخر في الفكر الإسلامي كتاب للدكتورة آمال حسن عتيبة - أستاذ بكلية التربية بجامعة عين شمس - حيث أوضحت المؤلفة ان الحوار يمثل الأداة الحضارية لضبط الاختلاف المذموم المؤدي إلي التصادم والتضاد ويحول دون تفعيل قيم التعارف والتعاون بين الناس والانفتاح وتحقيق المصالح المشروعة المشتركة ويعد الحوار ضمانا للاتفاق علي مبدأ الاختلاف حيث أولي الإسلام قضية الحوار اهتماما واسعا بوصفه سبيلا للتعارف والتواصل بين الأفراد والحضارات المختلفة واعتبره أصلا من الأصول الثابتة والراسخة في الثقافة الإسلامية ومنهجا أصيلا في الدعوة إلي الإسلام.. وفي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة الأدلة المتضافرة علي التزام الأنبياء له في ترسيخ الإيمان والمتدبر للقرآن الكريم يستوقفه الكم الهائل من النصوص التي تبحث معالجة القضايا والمشكلات بطريقة حوارية. كما أن دعوة الرسل كلها كانت محكومة بالحوار مع أقوامهم. أكدت المؤلفة حاجتنا إلي الحوار في العصر الحاضر الذي يدخل العالم فيه مرحلة من المتغيرات الجذرية. والتطورات والتحولات الكبري والسريعة علي مختلف الأصعدة. كما يشهد ثورة هائلة في وسائل الاتصال والإعلام وتدفق المعلومات وما تفرضه هذه الثورة من امكانات غير مسبوقة للتواصل الثقافي والفكري والقيمي بين الأطراف المختلفة في المجتمع الواحد وبين المجتمعات الكثيرة المتعددة فقد أصبح "الحوار" و"الآخر" و"التعددية" مفاهيم كونية يفسر البعض السبب في ذلك "بالعولمة" التي تزيد الحدود القومية للدول لتدرجها ضمن نظام عالمي أشمل. الأمر الذي يعني انفتاح المجتمعات والبحث عن صيغ ثقافية جديدة لهذا الانفتاح فالحوار بين الحضارات صارت موضوعا مطروحا علي الساحة الدولية في العصر الحاضر. أكثر من أي وقت مضي. نظرا لأن عالم اليوم تقاربت فيه الحضارات وتفاعلت فيه الثقافات وتشابكت فيه المصالح أكثر من أي مرحلة من مراحل التاريخ البشري. أشارت المؤلفة إلي أن ظهور الحاجة للحوار بدأت بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط الصراع الأيديولوجي العنيف بين الرأسمالية والشيوعية وبروز العولمة بشعاراتها الاقتصادية عن حرية السوق وإطلاق التبادل التجاري والتفاعلات المالية والاقتصادية بغير حدود ولا قيود وظهور طروحات فكرية تحدد الصيغ الجديدة لتعامل الحضارات وتفاعلها مثل مقولة "نهاية التاريخ" التي أطلقها "فرنسيس فوكوياما" المفكر الأمريكي الياباني الأصل والتي أكد فيها ان الرأسمالية ستكون هي دين الانسانية إلي أبد الآبدين. وبعدها أطلق "صموئيل هنتنجتون" عالم السياسة الأمريكي نظريته عن "صدام الحضارات" وركز فيها بوجه خاص علي حتمية الصدام بين الحضارات فيما أسماه: الحروب الثقافية المقبلة في القرن الحادي والعشرين بين الحضارات الغربية من جانب والحضارة الإسلامية من جانب آخر ولهذا ازدادت الدعوة إلي حوار الحضارات بصورة لافتة عقب تلك الأحداث. أشارت الباحثة إلي أصول نجاح الحوار ممثلة في توافر البيئة المناسبة التي تساعد الأطراف علي الحوار وتجنب المواجهة من خلال الوضوح والصراحة والرغبة في الوصول إلي شيء ايجابي يختصر المسافات ويخترق الحواجز النفسية ويبني جسور الثقة بين كل الأطراف. مع ضرورة الانفتاح علي الآخر والموافقة علي طرح القضايا المسكوت عنها دون الخوف.