هذا الكتاب كتبته السيدة الدكتورة/ آمال محمد حسن عتيبة أستاذ أصول التربية المساعد كلية البنات جامعة عين شمس، ركزت فيه على التأكيد على أن الإسلام أولى قضية الحوار اهتماماً واسعاً بوصفه سبيلاً للتعارف والتواصل بين الأفراد والحضارات المختلفة, ذلك أن الحوار أصل من الأصول الثابتة والراسخة في الثقافة الإسلامية, ومنهجا أصيلا في الدعوة إلى الإسلام, وفي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة, الأدلة المتضافرة على التزام الأنبياء له في ترسيخ الإيمان, والمتدبر في تلاوته للقرآن الكريم, لا بد وأن يستوقفه هذا الكم الهائل من النصوص التي تبحث معالجة أجل القضايا والمشكلات بطريقة حوارية, ولقد جاء الحوار في القرآن الكريم متحرراً من قيود الزمان والمكان وكأنه يخص مشكلات اليوم بالتحديد, تلك المشكلات التي نحياها ونتعايش معها ونعايشها. وتتأكد الحاجة إلى الحوار لا سيما في هذا العصر, الذي يدخل العالم فيه مرحلة من المتغيرات الجذرية, والتطورات والتحولات الكبرى والسريعة على مختلف الأصعدة. كما يشهد ثورة هائلة في وسائل الاتصال والإعلام وتدفق المعلومات, وما تفرضه هذه الثورة من إمكانات غير مسبوقة للتواصل الثقافي والفكري والقيمي بين الأطراف المختلفة في المجتمع الواحد وبين المجتمعات الكثيرة المتعددة, ولذا فقد أصبحت اليوم مفاهيم: (الحوار) و(الآخر) و(التعددية) مفاهيم كونية, يفسر البعض السبب في ذلك بالعولمة التي تزيل الحدود القومية للدول, ولذلك أصبح الحوار بين الحضارات, موضوعاً مطروحاً على الساحة الدولية في العصر الحاضر. وهذا الكتاب الذي كتبته الدكتورة/ آمال عتيبة, يحظى بأهمية بالغة نظراً للتحديات التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية في الوقت الراهن, وقد أجادت بحسها التربوي، التأصيل للحوار بالرجوع المنهجي إلى أصوله وأولياته, كما أنها استندت في كل ذلك إلى الآراء المرتكزة على آيات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مما يضفي على الكتاب عمق الرؤية, ودقة العرض, وسلامة المنهج, ووضوح الفكرة واتساقها. والحق أن مبدأ الحوار مبدأ إسلامي رصين أكد عليه القرآن في كثير من آياته, وكما ذكرت المؤلفة أن الحوار في الإسلام تنوع إلى حوار مع المخلوقات التي خلقها الله تبارك وتعالى وحاورها, كما أنه حاور آدم, وحاور إبليس, وحاور الملائكة والمرسلين عليهم رضوان الله تعالى. والواقع أن الكاتبة قد أحسنت إذ تناولت الأسس المنهجية للحوار مع الآخر في الفكر الإسلامي من منطلق دراسة تحليلية من منظور تربوي حضاري. حيث أثبتت من خلال هذه الدراسة التحليلية أن الإسلام في الأصل ومنذ انطلاقته الأولى يتوجه بالخطاب للعالم كله, ومن ثم فهو دين تفاعل واتصال مع الآخرين, والكتاب يبحث في ثناياه عن عدة أهداف, على رأسها التعرف على مفاهيم الحوار ومكانته في الرؤية الإسلامية, مع توضيح أهم المبررات والضرورات والدواعي التي تحتم فرضية الحوار ثقافةً ومنهاجاً, كما حاولت الكاتبة إبراز أسس المنهج الحواري بقواعده وضوابطه وآدابه وأخلاقياته في القرآن الكريم, ومن ثم الكشف عن مرتكزات العلاقة مع الآخر من المنظور الإسلامي, إلى جانب استنباط الآثار الجليلة المترتبة على تطبيق أسس المنهج الحواري القويم في القرآن الكريم في مجال التربية. وقد تناولت الكاتبة في الدراسة عدة نقاط تبلورت في: أولاً: مفهوم الحوار ومشروعيته في الإسلام, حيث تناولت معنى الحوار لغة واصطلاحاً، وساقت صور الحوار في القرآن الكريم ووجوده في القرآن لفظاً وحقيقة، كما تناولت الحوار في الإسلام بين الأصالة والمعاصرة وحوار الرسل مع أقوامهم، ومكانة الحوار في الإسلام.. ثانياً تناولت الدواعي التي تحتم الحوار وفرضيته ثقافة ومنهاجاً. من حيث هو واجب شرعي وتكليف ديني، وأنه فطرة إنسانية وضرورة حضارية، وأن الاختلاف والتعدد والتنوع سنة كونية، وأن الحوار هو تكريم للإنسان. وفي النقطة الثالثة: تحدثت عن القواعد المنهجية للحوار مع الآخر في القرآن الكريم. حيث ذكرت بشيء من التفصيل قواعد الحوار، وساقتها في عدة نقاط منها: التسليم بسنة الاختلاف بين البشر، والاعتراف بالآخر واحترامه، وتحديد موضوع الحوار والغاية منه، وتحري الصدق والبحث عن الحقيقة، والتزام العدل والموضوعية، وأن ينطلق الحوار من القواسم المشتركة، مع البدء بالقضايا الكلية، واتباع منهج الوسطية، وقبول النتائج التي يُتوصل إليها. كما لم تغفل الكاتبة القديرة د/ آمال عتيبة في هذه النقطة آداب وأخلاقيات الحوار، وحددتها في أكثر من ملمح، مثل آداب خاصة بلغة الحوار، والوضوح وحسن البيان، والتحديد الدقيق للمصطلحات، والقول الحسن ولين الكلام، والآداب التي يجب أن يلتزمها المحاور، وكيفية احترام الآخر، وأن يعلم المتحاوران أن الحوار تبادلي، وأنه لابد من التواضع والبعد عن الكبر والغرور، مع تجنب السخرية والاستهزاء، ونبذ التعصب للأحكام المسبقة، والاعتقاد بإمكانية تعدد الصواب، واحترام الوقت وحسن الإنصات والهدوء وضبط النفس. أما في النقطة الرابعة من الدراسة والتي جاءت تحت عنوان: التطبيقات التربوية للمنهج الحواري في القرآن الكريم, فقد ساقت لنا الكاتبة ببراعة ثمرات الحوار في التربية, من خلال إرساء وتعزيز ثقافة الحوار, وتنمية التفكير العلمي, وإبداء الرأي وحرية التعبير, مع قبول الآخر واحترام آرائه, وتقريب الفجوة بين الأجيال. وفي النقطة الخامسة والأخيرة التي تناولتها الكاتبة فكانت حول: ملامح الرؤية الحضارية للحوار مع الآخر على ضوء الفكر الإسلامي, حيث تعرضت للحضارة اصطلاحاً, مع شرح لمفهوم الحضارة الإسلامية, وتوازن الحضارة الإسلامية وتكاملها, وحوار الحضارات, ومفهوم حوار الحضارات, وكيف تفاعلت الحضارة الإسلامية مع الحضارات الأخرى. ثم ساقت لنا الدكتورة آمال منطلقات حوار الحضارات وحددت هذه المنطلقات في: 1- عالمية رسالة الإسلام, 2- وحدة الأسرة البشرية وتكامل مصالحها, 3- الإيمان بأن أساس الرسالات الإلهية واحد, 4- الاعتراف بالتعددية الحضارية, والاعتراف بحق الاختلاف الحضاري, 5-التسامح مع غير المسلمين, 6- الاعتراف بحقوق الإنسان.
وقد أوردت الكاتبة الغاية من حوار الحضارات ومقاصده, ورأت أن لمعرفة هذه الغاية لا بد لنا أن نعرف شروط الحوار بين الحضارات, ومعرفة الذات أولاً, وأن يكون لدينا استيعاب نقدي عميق لثقافة الآخرين, مع اعتماد المنهج العلمي في الحوار, وترسيخ مبدأ المساواة التامة بين أطراف الحوار. والحق أن هذا الكتاب يسد فراغاً في المكتبة الإسلامية والمكتبة التربوية معاً, خاصة أننا جميعاً نتفق مع المؤلفة فيما ذهبت إليه من أن الحوار أصبح قضية يتحدد بها مصير الأمة كلها في حاضرها ومستقبلها وفي صلتها مع ذاتها, ومع العالم المحيط بها. وأخيراً فإن هذا الكتاب يمثل في الحقيقة فهماً تربويّاً وحضارياً للإسلام, كما يلقي الضوء على كثير مما يحفل به القرآن الكريم من إبداعات رائعة, وإضاءات مشرقة تنير السبل للذين يريدون أن ينهلوا من هذا النبع العظيم الذي يقدم للإنسانية في كل عصر زاداً من المعرفة يتجدد باستمرار, ليكون كما أراده الله سبحانه وتعالى هدى ورحمة لكل العالمين.