وفد قومي حقوق الإنسان يشارك في الاجتماع السنوي المؤسسات الوطنية بالأمم المتحدة    أسامة كمال يتلقى رسائل خاصة من أهالي سيناء وإشادة بدور الشيخ إبراهيم العرجاني    محافظ بني سويف يناقش تقرير المشاركة في احتفالية "صوت الطفل"    قطع المياه لمدة 8 ساعات عن بعض مناطق الجيزة، الجمعة    انفجارات كبيرة في سماء إيلات، وفصائل عراقية تعلن استهداف موقع إسرائيلي    هيئة البث الإسرائيلية: انفجار كبير في سماء إيلات    ضياء رشوان: إسرائيل لن تضيع 46 سنة سلام مع مصر من أجل أشياء غير مؤكدة    الأمن يوافق رسميا على زيادة الجماهير في المباريات المحلية والأفريقية    مشاجرة بين شخصين تنتهي بجروح وقطع في الأذن بسبب أولوية المرور بالقليوبية    7 فئات لأسعار تذاكر أحدث حفلات المطرب العراقي كاظم الساهر    حسن الرداد: احرص على تنوع أعمالي الفنية وشخصيتي قريبة للكوميدي    الحوار الوطنى: ندعم مؤسسات وقرارات الدولة لحماية أمننا القومى ومصالح أهل فلسطين    في يوم الربو العالمي.. هل تشكل الحيوانات الأليفة خطرا على المصابين به؟    هتوصل للقلب بسرعة.. أجمل كلمات تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024    الصين وفرنسا تؤكدان ضرورة حماية المدنيين في قطاع غزة    النفط يتراجع مع استئناف الحكومة الأمريكية شراء النفط لاحتياطيها الاستراتيجي    أثارت الجدل بإطلالتها.. مطربة شهيرة تظهر بفوطة حمام في حفل Met Gala    بالفيديو.. أسامة الحديدي: سيدنا النبي اعتمر 4 مرات فى ذى القعدة لهذا السبب    القيادة المركزية الأمريكية والمارينز ينضمان إلى قوات خليجية في المناورات العسكرية البحرية "الغضب العارم 24"    الشعب الجمهوري بالشرقية يكرم النماذج المتميزة في صناعة وزراعة البردي    انعقاد ثالث المجالس الحديثية بالمحافظات.. السبت المقبل 11 مايو    تحديد موعد انطلاق مهرجان أجيال السينمائي    زراعة عين شمس تستضيف الملتقى التعريفي لتحالف مشاريع البيوتكنولوجي    «عبدالمنعم» يتمسك بالإحتراف.. وإدارة الأهلي تنوي رفع قيمة عقده    تخفيض الحد الأدنى للفاتورة الإلكترونية إلى 25 ألف جنيها من أغسطس    بالفيديو.. خالد الجندي: الحكمة تقتضى علم المرء حدود قدراته وأبعاد أى قرار فى حياته    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    أماني ضرغام: تكريمي اليوم اهديه لكل إمراة مصرية| فيديو    مراقبة الأغذية بالدقهلية تكثف حملاتها بالمرور على 174 منشأة خلال أسبوع    وصفة تايلاندية.. طريقة عمل سلطة الباذنجان    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة داخل ترعة في قنا    وفد النادي الدولي للإعلام الرياضي يزور معهد الصحافة والعلوم الإخبارية في تونس    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    البرلمان العربي: الهجوم الإسرائيلي على رفح الفلسطينية يقوض جهود التوصل لهدنة    وضع حجر الأساس لنادي النيابة الإدارية في بيانكي غرب الإسكندرية (صور)    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    الرئاسة الفلسطينية تحمل واشنطن تبعات الاجتياح الإسرائيلي لرفح    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    ضبط نصف طن أسماك مملحة ولحوم ودواجن فاسدة بالمنيا    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    هجوم ناري من الزمالك ضد التحكيم بسبب مباراة سموحة    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحديات المشروع الإسلامي (مقاربة في النقد الذاتي)
نشر في محيط يوم 14 - 04 - 2013


: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية
بقلم/ د. عثمان عبد الرحيم*

سيظل للمشروع الإسلامي تحديات متوقعة، بل وقائمة، ما بقيت السموات والأرض إلا ما شاء الله. وذلك راجع إلى طبيعة العلاقة بين منهج الحق الذي يحاول المشروع الإسلامي ويجتهد في جعله ماثلا في واقع الناس، وبين منهج الباطل الذي يحاول جنوده إجهاضه والوقوف في طريقه والحيلولة بينه وبين أن يعيش الناس به حياة طيبة سعيدة. غير أن أشد تلك التحديات وأكثرها خطورة هي التي تكون بأيدينا نحن أبناء المشروع الإسلامي، والمتشوفين إلى إنفاذ أحكامه وتطبيق برامجه ونماذجه في واقع الناس.

خطورة تلك التحديات تأتي من كون أن حلها بأيدينا، وتجاوزها بنا نحن وليس بغيرنا؛ وأنها عائق ذاتي وليس خارجيا. لذلك أردت من خلال هذه الورقة أن أكتب عن هذه التحديات المتعلقة بالجانب الذاتي الداخلي.

التحدي الأول: عدم كفاية فقه السياسة الشرعية لمتطلبات المرحلة:

لا يمكن للمشروع الإسلامي تجاوز التحديات واقتحام العقبات التي تواجهه حاليا على مستوى الفكر إلا من خلال تأسيس بنية فكر سياسي متوائم مع مستجدات الواقع السياسي، وقادر على مده بأسس التعامل مع الواقع بمنهج متوازن يجمع بين الأصالة الشرعية المستعصية على التمييع والترهل وبين الإلمام بإكراهات الواقع ومستجداته التي هي بحاجة إلى حكم الله فيها. ذلك ان الفقه السياسي الموروث كتب جزء كبير منه تحت إكراهات تاريخية وظروف خاصة بالمتوقع العالمي آنذاك، ولم يعد كثير منها مطروحا اليوم؛ كتقسيمات الديار وحالات الدول فيما بينها، وصلاحيات الحاكم وتوصيف علاقته بالأمة، إلى غير ذلك من مستجدات ووقائع تقتضي صياغة جديدة لفقه سياسي يبنى عليه المشروع الإسلامي.

يقول الدكتور عبدالمجيد النجار: "لقد بقي الفقه السياسي الإسلامي أقلّ أبواب الفقه تطوّرا وتجديدا، فهو يكاد يكون قد حافظ على ما أنتجه فقهاء السياسة الشرعية في القرن الرابع للهجرة، إذ قد ظلّت المؤلّفات بعد ذلك تراوح ما ألّفه أولئك الفقهاء مع إضافات قليلة. والباحثون المحدثون في هذا الشأن لئن طوّروا أسلوب العرض وبعض المصطلحات في السياسة الشرعية، وراجعوا بعض الأحكام بنظر اجتهادي، فإنهم لم يتناولوا جوهر القضايا السياسية باجتهاد يبني هذا العلم بناء جديدا سوى محاولات قليلة في هذا الشأن. وإذن فإنّ تأثير التراث الفقهي السياسي في المسلمين اليوم كان تأثيرا بمفاهيم واجتهادات أُنتجت قبل ألف عام بما تحمله من خضوع سلبي للواقع السياسي الذي أُنتجت فيه، بل بما تحمله في بعض القضايا من مجافاة للأصول الدينية من قرآن وسنّة، فإذا هي تؤدّي في حالات كثيرة إلى مسالك سياسية بيّنة الخطل، سيّئة النتائج، بالرغم من أنّها مسالك يسلكها متديّنون يحملون راية التجديد في الدين، وذلك سواء كانوا حركات إسلامية أو كانوا حكومات تحكم باسم الدين".#

ومن ثم فإن معوق قصور فقه السياسة الشرعية عن تغطية الوقائع السياسية المعاصرة سيظل عائقا كبيرا أمام المشروع الاسلامي الذي يفترض فيه حضور اجتهاداته وأطروحاته لكل مستجد يمر به المسلمون. وإن عدم تجديد الفقه السياسي قد يوقع في مزالق منها:

1. ترقيع حلول وأجوبة عن واقع لم يكن موجودا عند تقرير ما عليه احكام فقه السياسة الشرعية الموروث.
2. تجرؤ الحلول المستوردة القاصرة في الامتدادات التي تركها شاغرة الفقه السياسي القديم والذي بني جزء كبير منه على ظروف تاريخية لا تحمل قدسية في ذاتها.
3. اضطراب الرؤية الإسلامية لكثير من وقائع الحكم (الأحكام السلطانية)، وتركها دون حكم حاسم يحول دون تقدم الفكر الإسلامي لتكون له الكلمة في المشروع الوطني الإصلاحي.
4. تجاسر المغرضين من كارهي الحكم الاسلامي إلى اتهامه بالقصور وعدم مطابقته للواقع.
ومن ثم فالمطلوب لكي يعاد كتابة هذا الفقه من جديد أو تجديده أن يمر بمراحل ثلاث:

يبدأ بمرحلة التشخيص ويُعرج على مرحلة التوصيف، وينتهي إلى مرحلة التنزيل، ويدرس في كل مرحلة من تلك المراحل المفاهيم المرتبطة بها والمسالك الموصلة إليها.

وبدون هذه المراحل الثلاث لا يمكن لفقه السياسة الشرعية المأمول أن يستوي على سوقه؛ وذلك لأن أغلب ما كتب هو رؤية فردية أو شخصية، وليست رؤية مجمعية أو عملا منهجيا يأخذ في اعتباره قواعد النظر في الكليات والعموم، والعمل على تجديدها وتطويرها؛ إضافة إلى أن أغلب هذه الكتابات أعمال نظرية مجردة عن معانقة الواقع والتعاطي معه. وحتى نكون منصفين نقول: إن ذلك المأخذ ليس بدعا عند المتأخرين، وإنما عانت منه مؤلفات فقه السياسة الشرعية منذ فترة ليست بالقصيرة. فلقد ظلّ التأليف في الفقه السياسي الإسلامي ينحو منحى التقرير النظري الذي لا يتفاعل مع مجريات الحياة السياسية الفعلية، إذ انفصل علم السياسة الشرعية عن السياسة الواقعية في الثقافة الإسلامية منذ وقت مبكّر، ونأى فقهاء السياسة عمّا يجري به واقع الحكم تهيّبا للسلطان خوفا أو تعفّفا، وذلك خلافا للفروع الفقهية الأخرى التي ظلّت متفاعلة مع الواقع، عاملة من أجل تسديده بحسب المقتضيات الدينية، فإذا التقريرات الفقهية السياسية تفقد حيويتها وتجدّدها بهذا الانفصال، وتسقط مبكّرا في الجمود وترسف فيه طويلا.

ومن ثم وقد ورث عصرنا الراهن هذا الوضع، الذي انحسرت فيه السياسة الشرعية من ساحة الفعل السياسي في حياة المسلمين، وبقيت حبيسة التراث، الذي بقي هو بدوره مستصحبا للمفاهيم التي نشأ عليها علم السياسة الشرعية، وحتى تلك الأحكام التي وقع فيها اجتهاد بقيت حبيسة النظر المجرد، ولم تتفاعل مع الواقع، إذ كان هذا الواقع خاضعا للمنظومة السياسية المستجلبة من الثقافة الغربية، وهكذا انتهى الأمر في علم السياسة الشرعية إلى كونه في مجمله علما تراثيا.

التحدي الثاني: حاجة المشروع الاسلامي الى خطاب حضاري واعد:

لقد كان من قصور الحركة الإسلامية في السابق قبل مراحل النضج والمراجعة تقديم خطابها الإسلامي من منظور إسلامي محض على اعتبار أن المشروع من خصوصيات المسلمين وأدق حاجياتهم -وتلك حقيقة- غير أن الناس أيضا جميعا مخاطبون بهذا المشروع. ولعل السبب في بروز هذا الخطاب الاختصاصي يعود إلى شدة التصارع بين الخطاب العلماني والخطاب الإسلامي الذي أراد أن يعبر عن خصوصيته الفكرية من خلال فرز بعض المفاهيم على أساس الفكرة الإسلامية وليس على أساس المفهوم الغربي، كمفهوم المواطنة وتطبيق الشريعة وغير ذلك. فبدا الخطاب الإسلامي وكأنه خطاب إقصائي يرفض المواطنة، ويهاجم مجتمعه، ويحرمه من مصادره القومية كالسياحة، ويدعو الى تطبيق الشريعة والتي انحسرت في مفهومه حتى اقتصرت على الجانب الجنائي والمدني، إلى غير ذلك من المظاهر التي بدا فيها المشروع الإسلامي يخاطب فيها نفسه وأتباعه، مع أن الخطاب الرسالي الأول كان للناس جميعا، بل وكان بمفهوم الرحمة التي هي غاية البشرية جميعا على اختلاف مشاربهم وأديانهم، فقال تعالى: ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين))، لا أن المشروع الإسلامي بوضعه ووصفه هو مشروع الإنسانية الأبدي الذي سيظل صالحا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما أنه مشروع مصالح العباد في العاجل والآجل، وأن الله تعالى أنزل ما أنزل من الكتاب والذكر الحكيم ليكون دستور صلاح للبشرية يعمر الأرض ويصلح الإنسان ويسدد طريقه.

غير أن هذا المشروع الإصلاحي بحاجة إلى خطاب حضاري يظهر محاسنه ويجلي مظاهره الربانية ومقاصده السامقة، بالإضافة إلى أنواع الخطابات الأخرى.

إن المقصود بالخطاب الحضاري هو الذي يركز على أن تحقيق العبودية لله تعالى ليس مقصورا على الجانب التعبدي النسكي، وأن مفهوم العبادة في الإسلام أوسع من حصره في جانب من جوانب التشريع، وأن الإسلام جاء ليعمر الأرض وينشر السلام ويحقق الرفاهية كما جاء في خطاب نوح لقومه: ((فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفَّارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا)). فالقرآن أنزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليسعد هو وأمته: ((طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى))، بل ولتسعد البشرية كلها، فالإسلام دين عالمي.

ومن ثم فالمطلوب من خطاب المشروع الإسلامي أن يستحضر مقاصد الإسلام العظيمة في مجال الحضارة الانسانية ومنها:

المقصد الأول: التعارف:

من مقاصد الحوار: مقصد التعارف، فوحدة الجنس البشري في الإسلام ترتكز على الاعتراف بحقوق الآخرين، ولا سيما الحقوق الطبيعية الأساسية التي يتساوى فيها البشر، وعلى ضوئها يعتبر القرآن البشرية أمة واحدة.

المقصد الثاني: التعاون:

دعوة الإسلام التعاونية لا تنحصر في نطاق الأمة التي كونها، ورسم لها طريقها، وحدد لها منهاجها، وسماها أمة وسطا، بل هي على نحو من السعة والشمول بحيث يسع "الحياة الإنسانية" بأكملها، ويمكن التوصل إلى التعاون على جملة من الأمور، منها:

التعاون على حماية وتعزيز العدالة الاجتماعية، والقيم الإنسانية، وكفالة الحرية للناس جميعا، خاصة وأن الأديان السماوية عموما تدعو إلى مثل هذه القيم.

التعاون على مواجهة الأخطار التي تحيق بالبشرية من حروب، وتلوث بيئي، ومخدرات، وغيرها.

التعاون لدرء الخطر المشترك، وذلك بمحاربة الشهوات الجامحة، والإباحية العفنة، والمادية المستحكمة، التي يُروج لها تحت أسماء كاذبة مثل النظام والحرية. ولا يخفى ما تجره من ويلات ودمار.

التعاون على عمارة الأرض وفق إرادة الله –عز وجل- عند المسلمين، ووفق القيم الإنسانية عند غير المسلمين، تحقيقا لاستخلاف الإنسان في الأرض، وذلك بما يأتي:

بما يحقق الكرامة الإنسانية، قال تعالى: ((ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا))؛ وبما يقيم العدل في الأرض بين الناس جميعا بدون استثناء؛ وبما يؤكد التعارف بين الناس مما يحقق الأمن والأمان والتعايش في سلم وسلام؛ وبما يدعو إلى التواصل بين الحضارات في جوانبها المادية والإبداعية.

التحدي الثالث: أنسنة الفكر الإسلامي:

المقصود بالأنسنة هنا هو خطاب العالم به باعتبار أن الإسلام هو دين البشرية الأكمل والأنسب والأصلح. فقد عهد الدعاة والمتحدثون عن المشروع الإسلامي على تقديمه من منظور (إسلامي) ومن خطاب ديني محض وهذا النوع من الخطاب الخاص بالمسلمين يوهم أن دعوة الإسلام متوجهة للمسلمين فحسب، ومن ثم يظل الخطاب قاصرا على إبراز (دينية الإسلام)، وليس وجهه الإنساني والذي تحدث علماء الإسلام عنه ولكن بتعبير (عالمية الإسلام).

إن الإنسانية لن تجد دينا أفضل من الإسلام ومن ثم يجب أن يكون خطاب المشروع الإسلام بقدر هذا العنوان، والتي يوجب عليه ان يقدم الإسلام باعتباره دين الإنسان الحقيقي وهذا يفرض عليه:

- الانطلاق من الخصوصية الحضارية:

تصدر نقطة الانطلاق في الحوار مع الآخر من الخصوصية الحضارية التي تتميز بها أمتنا، وهى خصوصية تستند إلى واقع لا سبيل إلى إنكاره.. واقع التعدد الحضاري في الجماعة الإنسانية المعاصرة التي تعرف وجود تشكيلات حضارية مختلفة ومتنوعة، ولكل واحد منها خصوصياته وسماته ومكوناته الذاتية. وهذا الاختلاف في الخصائص الحضارية من أمة إلى أمة، يقتضى بالضرورة تعدد طرق ومشاريع النهوض والتقدم، لأن كل طريق منها يجسد المعطيات الخاصة بالأمة ومكوناتها القيمية والتراثية، والاجتماعية والثقافية، كما يلبى طموحاتها وتطلعاتها نحو النهوض الحضاري. ومن ثم فإننا نرى خطأ المقولة التي تنص على: أنَّ للتطور الإنساني طريقا واحدا يجب الأخذ به، وأن الحضارة المعاصرة حضارة كونية يتعين تعميم وفرض معاييرها ومبادئها على الجميع!

- الانفتاح على الحضارات الأخرى:

إن الاعتزاز بالهوية والخصوصية الحضارية لا يعنى إهمال الحضارات الأخرى أو الانغلاق في مواجهتها وادعاء التميز عليها، ورفض نتاجها الإنساني. فمثل هذا الموقف الإنساني السلبي لا ينسجم مع مقتضيات الحوار ومتطلباته، وهو يصدر عن فهم غير موضوعي للتاريخ الحضاري الذى هو في مجمله ثمرة الجهد الهائل والمتراكم للمسيرة الإنسانية على مدار التاريخ.

لقد كان جوهر العلاقة بين الحضارات على ما شابها من مظاهر الصراع والحروب هو التفاعل والأخذ والعطاء.. وعلى هذا النحو كانت حضارتنا الإسلامية حضارة عالمية وإنسانية، وكانت الثقافة العربية الإسلامية ثقافة متفتحة قابلة لاستيعاب كل أنواع الثقافات التي احتكت بها.

- إبراز الطابع الإنساني للفكر الإسلامي:

إن خطابنا الإسلامي المعاصر في حاجة إلى التركيز على إبراز الخاصية الإنسانية في الإسلام على وجه ملائم، بعد أن ظل طرحنا لهذا البعد الإنساني المهم ضعيفا ومحدودا. ومما يضاعف من هذه الحاجة ما نلاحظه على الصعيد الإسلامي من ضآلة الوعى بالقيم والمنطلقات الإنسانية المستمدة من شريعتنا، والتي يتعين أن تشكل نسيجا للعلاقات والروابط الداخلية والخارجية للمسلمين لصالح تنامى بعض التيارات والاتجاهات والنزاعات والسلوكيات الخاطئة التي لا تعطى لهذا البعد اعتباره الواجب، وتقدم عليه بعض الممارسات والرؤى الخاطئة، فضلا عما نلاحظه من تنامى الهجمات الإعلامية المعادية والمغرضة في بعض الدول، والتي تعمل على تشويه صورة الإسلام وتصويره للرأي العام الدولي على أنه دعوة للعنف والتطرف، وأنه ردة حضارية ومعاد للتطور ولقيم الحريات وحقوق الإنسان.

ومن هنا تبدو الأهمية البالغة لإعادة الكشف عن الحقائق الأصلية الخاصة بمنظومة القيم الإنسانية المتكاملة التي تميز الإسلام، والتركيز على إبراز تلّك القيم الإنسانية الأساسية والجوهرية في خطابنا الحواري. وتبدو تلك الأهمية على أكثر من مستوى منها:

ترسيخ الوعي بأبعاد الطابع الإنساني للثقافة الإسلامية في العقل والوجدان الإسلامي المعاصر، وما يرتبه ذلك من أثار إيجابية ثقافيا وتربويا وسلوكيا.

إظهار حقيقة الوجه الحضاري والإنساني للإسلام على الصعيد العالمي.

دعم الاتجاه الذى يرعا الانفتاح على نتاج الفكر والحضارة المعاصرة والإفادة من التعايش الحضاري واتخاذ الحوار كأساس للعلاقات بين الحضارات المختلفة.

التأكيد على قدرة الإسلام على وضع مبادئ وقيم أخلاقية روحية ذات أهمية عالمية توجه وترشد تطور المجتمع الإنساني المعاصر، خاصة مع تزايد الإحساس العالمي بأزمة الإنسانية في ظل التطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتسارعة، حيث يؤكد هذا الطابع الإنساني قدرة الإسلام على أن يوفر لحركة الحياة كلها قيما حافظة للعلاقات الإنسانية قادرة على زرع بذور الاستقرار والأمن والسكينة في عالم يشوبه القلق وفقدان الشعور بالأمن وضحالة وتصدع المشاعر، والعلاقات الإنسانية.

*عضو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا

عضو مجلس أمناء الجامعة الإسلامية بأمريكا الشمالية

من أوراق مؤتمر :الرؤية الفكرية للأمة بعد الثورة العربية دراسة للواقع واستشراف المستقبل

إعداد وتنظيم:منتدى المفكرين المسلمين الذي عقد بالقاهرة في 13- 14 أبريل 2013م- 3- 4 جمادى الآخر 1434ه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.