بين الإبهار الصيني والمشهد الساخر الإيراني... إلى أين تتجه صناعة الروبوتات مؤخرًا؟    شعبة الدواجن تحذر: انخفاض الأسعار قد يؤدي لأزمة في الشتاء القادم    شعبة السيارات: نقل المعارض خارج الكتل السكنية يهدد الصناعة ويرفع الأسعار مجددًا    باختصار..أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ذعر فى شوارع إسرائيل بعد بث شاشات محطات حافلات صوت أبو عبيدة.. بابا الفاتيكان يحذّر من حرب عالمية ثالثة.. وماكرون يفتح باب التجنيد الطوعى للشباب    السنغال تؤكد استقبال الرئيس المنتهية ولايته لغينيا بيساو بعد أيام من الاضطرابات    واشنطن تعلن مراجعة شاملة لملفات اللجوء والإقامة عقب حادثة إطلاق النار في العاصمة    رام الله.. إسرائيل تفرج عن طفل أمريكي بعد 9 أشهر من اعتقاله    زيلينسكى: أوكرانيا تُجهز جولة جديدة من محادثات السلام والأمن    أبو ريدة: اللجنة الفنية للحكام تتمتع بالصلاحيات الكاملة.. ولم نتدخل في اختيار القائمة الدولية    أبو ريدة: ما يتعرض له رمضان صبحي «حاجة تحزن»    مرشح لرئاسة برشلونة يوضح موقفه من صفقة ضم هاري كيم    ريال بيتيس يفوز على أوتريخت الهولندي 2-1 في الدوري الأوروبي    أبوريدة : حسام حسن مستمر في قيادة الفراعنة خلال مشوار كأس العالم    هاني أبو ريدة: لا ذنب لبيراميدز في أزمة منتخب كأس العرب    نوتنجهام يكستح مالمو بثلاثية نظيفة في الدوري الأوروبي    غلق كلي لشارع الأهرام 3 أشهر لإنشاء محطة مترو المطبعة ضمن الخط الرابع    استشاري علاقات أسرية عن حوادث الاعتداء على الأطفال: تغليظ العقوبة ضرورة    متحدث مجلس الوزراء: مدارس التكنولوجيا التطبيقية تركز على القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية    وصول هالة صدقى للمشاركة فى مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابى    وزير الثقافة والمحافظ يشهدان ختام الدورة ال18 من ملتقى الأقصر الدولي للتصوير    أحمد السعدني: دمعت من أحداث "ولنا في الخيال حب".. وشخصيتي في الفيلم تشبهني    أشرف زكي: "النقابة فقيرة ماليًا وغنية بالقيمة.. رسالتنا حل مشاكل الفنانين"    كريم عبد العزيز يشوق محبيه بطرح برومو فيلم «الست» | شاهد    أشرف زكي: عبلة كامل كلمتني فور استقالتي وقالت لي «النقابة للغلابة»    تعرف على شخصية كريم عبد العزيز في فيلم "الست" ل منى زكي    أسباب البرود العاطفي عند الزوجة وكيفية علاجه بحلول واقعية    فضائل يوم الجمعة.. أعمال بسيطة تفتح أبواب المغفرة والبركة    الصحة: فحص نحو 4.5 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة "المقبلين على الزواج"    أستاذ أوبئة يحسم الجدل حول «الأنفلونزا المتطورة»: لا سلالة جديدة.. والشعور بشدة الأعراض بسبب "فجوة المناعة"    أخبار 24 ساعة.. رئيس الوزراء: لا انتشار لفيروس غامض والمتواجد حاليا تطور للأنفلونزا    أخبار كفر الشيخ اليوم.. ضبط 10 آلاف لتر سولار قبل بيعها في السوق السوداء    مديرة مدرسة تتهم والدة طالب بالاعتداء عليها فى مدينة 6 أكتوبر    جامعة أسيوط تعزز الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب عبر اجتماع وحدة الأبحاث    هل مصافحة المرأة حرام؟ أمين الفتوى يجيب    هل الصلاة في مساجد تضم أضرحة جائزة أم لا؟ أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الخشوع جوهر الصلاة وروحها ويُحذر من هذه الأمور(فيديو)    أنباء سارة لجماهير برشلونة.. بيدري يشارك مع المجموعة    الجدول النهائي لبقية مراحل انتخابات مجلس النواب 2025    قومي حقوق الإنسان يستقبل الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي لبحث آفاق التعاون المستقبلي    بالأسماء.. إصابة 7 طلاب فى حادث تصادم سيارتين بأسوان    مدبولي: نتابع يوميًا تداعيات زيادة منسوب المياه    توزيع آلاف الطرود الغذائية والمساعدات الشتوية من مصر لقطاع غزة    سوريا تعلن إطارا تنظيميا جديدا لإعادة تفعيل المراسلات المصرفية    رئيس جامعة بنها : اعتماد 11 برنامجا أكاديميا من هيئة ضمان جودة التعليم    مقتل سيدة بطلقات نارية في قنا    وزير الصحة يزور أكبر مجمع طبي في أوروبا بإسطنبول    الصحة: فحص أكثر من 4.5 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    اتخاذ الإجراءات القانونية ضد 4 عناصر جنائية لغسل 170 مليون جنيه من تجارة المخدرات    أوقاف الغربية تنظّم ندوة علمية بالمدارس بعنوان «حُسن الجوار في الإسلام»    منظمات حقوقية: مقتل 374 فلسطينيا منهم 136 بهجمات إسرائيلية منذ وقف إطلاق النار    غلق 32 منشأة طبية خاصة وإنذار 28 أخرى خلال حملات مكثفة بالبحيرة    وزير البترول يعقد لقاءً موسعاً مع شركات التعدين الأسترالية    سلطات هونج كونج: ارتفاع عدد قتلى حريق اندلع بمجمع سكني إلى 55    وزير الانتاج الحربي يتابع سير العمل بشركة حلوان للصناعات غير الحديدية    جولة إعادة مشتعلة بين كبار المرشحين واحتفالات تجتاح القرى والمراكز    د.حماد عبدالله يكتب: وظائف خالية !!    محافظ كفر الشيخ: مسار العائلة المقدسة يعكس عظمة التاريخ المصري وكنيسة العذراء تحتوي على مقتنيات نادرة    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 27نوفمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار الحضارات وصراع الجهالات (2/2)
نشر في نهضة مصر يوم 24 - 05 - 2006

تناولنا أمس التحول الذي اعتري اجندة السياسات العالمية خلال العقد الأخير أمام قضايا قيمية عالمية مثل الحوار بين الحضارات، ولكن لم تزل هناك بعض الشوائب التي من شأنها ان تنال من فاعلية هذا الحوار.
ذلك ان الدعوة لحوار الحضارات لم تستند علي اعتباره ضرورة انسانية، وانما ظهرت كرد فعل لاحتدام الجدل حول صراع الحضارات الذي بشر به المفكر الأمريكي صموئيل هنتنجتون،
بعد عمليات 11 سبتمبر 2001 وما تلاها من اعمال عنف تم اختزال حوار الحضارات إلي حوار بين الغرب والاسلام بعد أن اصبح الأخير مصدر تهديد للغرب وحضارته.
وظني أن وصاية غربية علي العرب والمسلمين كتلك المتمثلة في الإعتماد علي التفوق المادي والعسكري الغربي لفرض قيم حضارة الغرب الأقوي ماديا علي نظيرتها الإسلامية والعربية الأضعف، لمن شأنها أن تفاقم من الفجوة بين الحضارات وتثير العداءات بينها علي نحو يحول دون حدوث التفاعل الحضاري البناء أو التلاقح المثمر فيما بينها، حيث إن تلك الوصاية غير المشروعة غالبا ما تفضي إلي واحد من احتمالين: فإما استلاب الحضارة الضعيفة وتنازلها عن مكوناتها وخصوصيتها ومن ثم تماهيها مع النموذج الحضاري الأقوي المفروض عليها وهو ما يدفع باتجاه تنميط الحضارة الإنسانية برمتها ومسخها وتجفيف منابعها ومخزونها، وإما حمل الحضارة الضعيفة علي الانكفاء علي ذاتها والتشرنق حول نفسها ومن ثم التعصب لهويتها والتمترس خلف خصوصيتها علي نحو يقودها إلي العنف والتطرف لمواجهة ما يفرض عليها من قيم حضارية مغايرة، وإغلاق كل الأبواب في وجه أية محاولة جادة للحوار أو دعوة حقيقية للتواصل البناء مع الآخر.
وأحسب أن الغرب قد تناسي بوصايته الرامية إلي فرض نموذج قيمي معين علي الطرف العربي الإسلامي بحجة تأهيله للتعايش السلمي الإيجابي تحت مظلة العولمة أو للمشاركة معه في حوار حضارات يضم أطرافا غير متنافرين ثقافيا وحضاريا، أن المعني الحقيقي لقيم التسامح وقبول الآخر التي يبشر بها ويروج لها، يتجسد بالأساس في احترام حق ذلك الآخر في الاختلاف. كما أن التنوع والاختلاف بين الحضارات لهما حقيقة تاريخية وضرورة معرفية وسنة كونية، تنتج عن اعتبارات جغرافية وتاريخية وثقافية تنعكس بدورها علي الخبرة الإنسانية بكل جوانبها. إضافة إلي أن الأصل في العلاقة بين الحضارات هو التلاقح والتفاعل الإيجابي البناء الذي يسفر عن تبلور مزيج حضاري إنساني جديد يقوم علي التنوع الثري غير المتنافر.ولعل في تواصل الحضارة العربية الإسلامية، إبان فترة ازدهارها، مع الحضارات العالمية الأخري خير برهان علي ذلك، حيث نهلت الحضارة العربية الإسلامية من حضارات البلاد التي اعتنقت شعوبها الإسلام وهضمتها وأضافت إليها، كما استوعبت الحضارتين اليونانية والرومانية عبر حركة الترجمة وحفظت مخزونهما الحضاري وأضافت إليه الكثيرمن نتاجها، حتي جاء الأوربيون في عصور النهضة والتنوير واستفادوا من ذلك المزيج الإسلامي الغربي وبنوا علي أساسه حضارتهم الغربية الحديثة والمعاصرة. هذا و تؤكد التجارب التاريخية جميعها أن هناك أيضا تفاعلات ثقافية ناعمة غير مخططة قد تتم في ظل أجواء التوتر الحضاري، من شأنها أن تبقي علي وشائج ولو دقيقة للتواصل تضمن مواربة باب الحوار بين الحضارات. وهذا التواصل لا يكون دائما في اتجاه واحد. فحتي الحضارة، الضعيفة ماديا، بمقدورها أن تترك آثارها الثقافية علي الحضارات الأقوي ماديا.
لذا، أكاد أزعم بأن مثل هذا الإصرار من قبل بعض التيارات والدوائر الغربية علي ممارسة دور الوصي علي المسلمين والعرب والتعاطي معهم من منظور استعلائي، من شأنه أن يحول دون قيام حوار حقيقي يراعي الندية ويضمن التكافؤ بين الثقافات أو الحضارات، بل وأن يتم اختزاله في عملية إملاء بحتة علي العرب والمسلمين من قبل ذلك الغرب القوي المتفوق، بغية فرض نمط حضاري عليهم وفقا لشروط الغرب، و مدركاته، و غاياته التي ربما تكون بعيدة كل البعد عن المقاصد الحقيقية السامية لفكرة الحوار بين الحضارات. وتأسيسا علي تلك القراءة الصادمة لذلك الواقع العالمي المضطرب والمختل، أجدني مصرا علي التمسك بخيار إستراتيجي أرتأي فيه طوق النجاة لهذا العالم من ويلات وتداعيات الصراع الدامي والأبدي حول المصالح والغايات المادية التي إستباح زبانيته من أجل بلوغها كل الحرمات حتي إنهم لم يتورعوا عن توظيف الحضارات والأديان كأدوات في هذا الصراع ووقود له.
بيد أن حوارا حضاريا متكافئا وناجعا لا يمكن أن يتأتي إلا من خلال توسيع قاعدة المشاركة فيه لتشمل ممثلين عن الأفراد ومنظمات المجتمع المدني من كافة الإتجاهات الثقافية والدينية في العالم، جنبا إلي جنب مع الحكومات والهيئات والأجهزة الرسمية وشبه الرسمية التي يفترض فيها أن تتحلي بالتسامح وسعة الصدر والأفق، وأن تتحرر من قيود "الجهالة الحضارية" التي ظلت طاغية علي نظرة كل منهم للآخر ومشوهة لمعرفته به حتي قادت إلي ما أسماه إدوارد سعيد ب "صراع الجهالات" الذي ظلت جذوته مشتعلة قرونا طويلة من الزمن. وأتصور أن أولي الخطوات التي يتعين إتخاذها لتحطيم قيود تلك "الجهالة الحضارية" تتمثل في تدشين مشروع عالمي جاد ورصين لإعادة التعارف بين الحضارات،حيث يتعين علي كل من الحضارتين الإسلامية والغربية أن تدشنا سويا عملية تعارف حضاري حقيقية وموضوعية، تشمل الجوانب الدينية والثقافية والقيمية، يتعرف كل طرف من خلالهاعلي الآخر متحررا من التعميم والصور الذهنية النمطية السلبية المشوهة والمغرضة والتي ترسخت عبر ميراث طويل من الصراعات والكراهية المفتعلة التي إتخذت شكل حروب وصدامات عمدت في معظم الأحيان إلي توظيف الأديان والنعرات الثقافية لتحقيق أهداف توسعية أو بلوغ مكاسب سياسية وإقتصادية، وهو التحرر الذي لن يتأتي قبل أن ينقي الغرب ذاكرته الحضارية مما علق بها من خبرات سلبية عن الأخر العربي الإسلامي كتلك التي تولدت من إرث التجربتين الأندلسية خلال الفترة من القرن الثامن إلي الخامس عشر، ثم العثمانية خلال قرون الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر. وأن ينفض الشرق الإسلامي والعربي من جانبه هو الآخرعن أذهانه غبار التداعيات المؤلمة للتجارب المريرة التي صاحبت الحروب الصليبية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وكذا الحقبة الإستعمارية خلال قرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين من الميلاد.
ولا يمكن أن تكتمل حلقات مثل هذا التعارف الحضاري قبل أن يتمخض عن إعتراف بالآخر يستتبع التخلي عن الإستعلاء عليه أو تجاهله كما يستوجب الإقلاع عن عدم إحترام خصوصياته الثقافية والحضارية والتوقف عن فرض الوصاية عليه. فإذا كان حريا بالغرب أن يتخلي دعاة الهيمنة والزعامة علي العالم بين ظهرانيه عن مساعيهم الرامية إلي تنصيب أنفسهم أوصياء علي العالم أجمع، لاسيما العرب والمسلمين، ومن ثم تكييل الإتهامات لهم بالبربرية والهمجية والإرهاب، ثم محاولة فرض نموذج قيمي أو نسق حضاري معين عليهم بذريعة إنتشالهم من هذا مستنقع الإنحدار القيمي والتدهور الحضاري، فإن بعض التيارات، التي تنتمي للحضارة العربية والإسلامية وتعمد إلي إرتداء عباءة الوصي أو القيم علي ممارسات الغرب ومعتقداته وثقافته، لمطالبة أيضا علي الجانب الآخر بنبذ تلك الوصاية التي يستبيحون بمقتضاها إتهام الغرب بالشطط الفكري والقيمي والخروج علي ناموس الحضارة الإنسانية، ومن ثم لا يتورعون عن تغذية مساعي العرب والمسلمين المقيمين في ربوعه لرفض الإندماج في المجتمعات الغربية أو إستيعاب ثقافتها وتبني قيمها، بل والشروع في محاربة الغرب فكريا ومن خلال العنف بذريعة الحيلولة دون هيمنة وتسيد نموذجه الحضاري المادي العلماني المتطرف علي العالم ومنعه من أن يجرد الحضارة الإنسانية من روحانيتها وجوهرها الديني ومن ثم يوردها موارد التهلكة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.