انعقدت في طوكيو يومي22 23 فبراير الماضي الدورة الثامنة من دورات حوار الحضارات بين اليابان والعالم الإسلامي, والتي كانت قد بدأت جولتها الأولي في البحرين في مارس سنة2002. ويعتبر هذا الحوار من أنجح حوارات الحضارات التي أجريت منذ نهاية الحرب الباردة بالمقارنة بغيره من الحوارات, علي الأقل من حيث استمراريته واصرار الطرفين علي إنجاحه. فكل الحوارات الأخري التي جرت بين العالم الإسلامي والعالم الغربي لم تستمر سوي جولات محدودة وتوقفت, بل ان بعضها عقد دورة واحدة ولم يعد للانعقاد كما حدث في حالة الحوار بين منظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأوروبي, والذي عقد في استانبول سنة2002. فما هي مساهمات الحوار بين اليابان والعالم الإسلامي في تعزيز الفهم الياباني للإسلام وفهم المسلمين لثقافة اليابان؟ وما الذي ينقص هذا الحوار لكي يصبح نموذجا رائدا لحوارات انتهي حكم رضا شاه بعد الغزو البريطاني السوفيتي لإيران في11 سبتمبر سنة1941. وبصفتي مشاركا في دورة طوكيو وفي خمس من الدورات السابقة للحوار أود ان اقدم بعض الاجابات الأولية علي تلك الأسئلة. بدأ مشروع حوار الحضارات بين اليابان والعالم الإسلامي, حينما اقترح كونو, وزير الخارجية الياباني آنذاك في يناير سنة2001 وأثناء زيارته للبحرين مشروعا لاجراء حوار ثقافي بين اليابان ودول الخليج العربية. وقد لقي المشروع استجابة من البحرين واتفق الطرفان علي توسيع نطاق الحوار ليصبح بين اليابان وكل الدول الاسلامية. وهكذا انعقدت الدورة الأولي للحوار في البحرين. وفيما بعد عقدت ست جولات في طوكيو( اكتوبر سنة2003), وطهران( نوفمبر سنة2004), ثم في تونس( يناير سنة2006) ثم في الرياض( مارس سنة2008), وفي الكويت( مارس سنة2009), واخيرا في طوكيو. وفي كل مؤتمر تم الاتفاق علي اختيار فكرة أو أفكار محورية للنقاش حولها لايضاح كيف يري اليابانيون والمسلمون تلك الأفكار. انعقدت الدورة الثامنة للحوار في طوكيو, وهي اول جولة للحوار تنعقد بعد خروج الحزب الليبرالي الديمقراطي, الذي اقترح الحوار اساسا, ومجئ الحزب الديمقراطي إلي الحكم في اليابان. وقد افتتح نائب وزير الخارجية الياباني النقاش مشيرا إلي اثر الأزمة المالية العالمية علي اليابان والدول الإسلامية وأهم نتائجها انتشار الفقر في اليابان, وإلي اهمية استمرار الفهم المتبادل بين الطرفين. ومع تلك الاشارة الضمنية إلي استمرار التزام اليابان بالحوار, كان هناك تخوف من مدي قوة هذا الالتزام والذي تجلي في تقليص الميزانية المخصصة للمؤتمر. ولذلك يتعين علي حكومات الدول الإسلامية ان تسعي إلي اقناع حكومة اليابان باستمرار هذا الحوار الناجح, من خلال استضافة الدورة القادمة, والتي اقترح ان تستضيفها مصر في العام القادم. لعل من أهم ما تناوله النقاش هو الفكرة المحورية للمؤتمر وهي القيم المشتركة إلي أي حد توجد قيم انسانية مشتركة, وما هو دورها في التعاون الدولي؟ لعل من أهم ما أوضحته النقاش هو أن القيم المشتركة ليست قيم طرف واحد, ولكنها القواسم المشتركة بين القيم الثقافية للشعوب. ويعني ذلك رفض المنهج الغربي الذي يقول ان القيم المشتركة هي القيم الغربية. كذلك ادهش الدكتور شيمازوتو, الأستاذ بجامعة طوكيو المشاركين بأن اليابان ليست دولة علمانية كما يعتقدون. فالشنتوية تلعب دورا مهما تحميه الدولة. تناول المؤتمر دور الاعلام في حوار الحضارات وركز المشاركون من الطرفين علي أهمية التزام الاعلاميين بالموضوعية في النقل الاخباري والتقرير الصحفي. ولعل من اهم مستجدات دورة طوكيو هو عقد حوارات بين الشباب من اليابان والدول الاسلامية استمرارا للتقليد الذي بدأ في الكويت. وقد كانت حوارات الشباب أكثر انفتاحا وابتكارية سواء في الموضوع او اسلوب النقاش. فقد ناقش الشباب كيفية تجسير الفجوة بين اليابان والعالم الإسلامي, ورؤي اليابانيين للإسلام, وكيف يمكن ان يعمل الطرفان معا لبناء السلام. وقد أدت تلك الحوارات إلي خلق رابطة مؤسسية بين بعض شباب اليابان والعالم الإسلامي في شكل مشروع آناتا للتواصل بين الشباب عبر الانترنت. كما اسفرت عن دعوة الكويت لعشرة من الشباب اليابانيين لزيارة الكويت للتعرف علي الثقافة الإسلامية والمحلية. لاشك ان الجولات الثماني لحوارات الحضارات بين اليابان والعالم الإسلامي قد اثمرت جماعة بحثية يابانية ومن الدول الاسلامية تقوم بمقارنة رؤي الطرفين لقضايا الحوار واستكشاف ما هو مشترك بينها, كما انها مكنت الطرفين من الحصول علي المعلومات من الطرف الآخر مباشرة دون المرور بالمصادر القربية ولكن يلاحظ انه بعد مرور ثماني سنوات علي تلك الحوارات بانها مازالت تفتقر الاطار التنظيمي المستقل وان الحوار يتأثر بالسياسات الحكومية الرسمية. فوزارتا خارجية البحرين واليابان تشرفان علي تنسيق الحوار وتتوليان عادة بالتنسيق مع احدي وزارات الدولة المضيفة الدعوة إلي المشاركة في الحوار. وبالتالي فان الحوار في حقيقته ليس مستقلا, اذ لا يوجد دور لمؤسسات المجتمع المدني في الحوار, كما ان غالبية المشاركين اختارتهم الحكومات, فضلا عن أنها هي التي تحدد جدول اعمال الحوار. فهل تمثل الحكومات بمفردها الحضارات؟ وهل يمكن القول ان النخب المحدودة المشاركة تمثل الحضارتين الاسلامية واليابانية؟ وقد اشار مدير جامعة الأممالمتحدة, أو سترو إلدر, التي انعقدت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر في رحابها, إلي تلك النقطة الجوهرية حين قال ان المستهدفين من الحوار, أي الأصوليين, لايشاركون فيه, ودعا إلي ايجاد صيغ لتلك المشاركة. يترتب علي ذلك ملاحظة أخري, هي أن الدعوة إلي المشاركة في جولات الحوار تأتي قبل انعقاد الحوار بأسابيع واحيانا بأيام قليلة, وبالتالي لا يتوافر الوقت الكافي للمشاركين لتأمل القضايا محل الحوار وبلورة أفكار كبري حولها. من ناحية ثالثة, بينما يتسم الأداء الياباني بالتنسيق لوجود سلطة مركزية واحدة تحدد اجندة الجانب الياباني, فان أداء ممثلي الدول الاسلامية يفتقر إلي التنسيق لأنهم في الغالب لا يعرفون بعضهم, ولا يحددون أجندتهم إلا حينما ينعقد الحوار بالفعل, ولا توجد آلية للربط بينهم بعد انتهاء الحوار, وحتي انعقاد الحوار التالي. من ناحية رابعة, يلاحظ ان جولات الحوار تكاد تكون حوارا يابانيا عربيا. فمشاركة المسلمين من غير العرب مقصورة علي ممثلين محدودين من ايران, واندونيسيا, وماليزيا. وتغيب الدول الافريقية الاسلامية بالكامل عن جميع دورات الحوار, كما يغيب مسلمو دول آسيا الوسطي والقوقاز عن الحوار, بالاضافة إلي مسلمي جنوبي آسيا. أما من حيث المنتج النهائي, فان ثلاثا فقط من اعمال دورات الحوار هي التي تم توثيقها في كتب متاحة. والحق أنه بدون توثيق الأعمال الكاملة للمؤتمرات يصبح من الصعب تحقيق أي تراكم معرفي. قلنا ان حوار الحضارات بين اليابان والعالم الإسلامي من انجح حوارات الحضارات. وفي تقديري فانه يلزم لتحقيق اهداف الحوار بشكل فعال انشاء مؤسسة مستقلة ماليا ومعنويا تتولي تنسيق جولات الحوار وتحديد مكان انعقاده وموضوعاته, والدعوة إلي المشاركة في اعماله, ونشرها. كذلك يلزم توسيع نطاق الحوار ليصبح ممثلا بالفعل لمعظم التيارات الفكرية في الدول الإسلامية. واقترح ان تستضيف مصر الجولة التاسعة للحوار خاصة بعد المشاركة الفعالة للدكتور وليد عبد الناصر, سفير مصر لدي اليابان, في مناقشات دورة طوكيو سواء في النقاش أو رئاسة الجلسات, وهو ما كان محل تقدير الجانب الياباني الذي دعم اقتراح الاستضافة المصرية.