انعقدت فى الكويت يومى 11 12 مارس الجولة السابعة من جولات حوار الحضارات بين اليابان والعالم الإسلامى، والتى كانت قد بدأت جولتها الأولى فى البحرين فى مارس سنة 2002. ويعتبر هذا الحوار من أنجح حوارات الحضارات التى أجريت منذ نهاية الحرب الباردة بالمقارنة بغيره من الحوارات، على الأقل من حيث استمراريته وإصرار الطرفين على إنجاحه. فكل الحوارات الأخرى التى جرت بين العالم الإسلامى والعالم الغربى لم تستمر سوى جولات محدودة وانتهت إلى الإخفاق ولا يعرف أحد ماذا حققت بالضبط، بل إن بعضها عقد دورة واحدة ولم يعد للانعقاد كما حدث فى حالة الحوار بين منظمة المؤتمر الإسلامى والاتحاد الأوروبى والتى عقدت فى إسطنبول سنة 2002. فما هى مساهمات هذا الحوار فى حملة حوارات الحضارات العالمية؟ وما الذى ينقص هذا الحوار لكى يصبح نموذجا رائدا لحوارات الحضارات الأخرى؟ وماذا تم فى الجولة السابعة التى عقدت فى الكويت؟ وبصفتى مشاركا فى خمس من دورات هذا الحوار أود أن أقدم بعض الاجابات الأولية عن تلك الأسئلة. (1) جولات الحوار بدأ مشروع حوار الحضارات بين اليابان والعالم الإسلامى حينما اقترح كونو وزير الخارجية اليابانى آنذاك فى يناير سنة 2001 وأثناء زيارته للبحرين مشروعا لإجراء حوار ثقافى بين اليابان ودول الخليج العربية. وقد لقى المشروع استجابة من البحرين واتفق الطرفان على توسيع نطاق الحوار ليصبح بين اليابان وكل الدول الإسلامية. وهكذا انعقدت الدورة الأولى للحوار فى البحرين حيث تولى مركز البحرين للدراسات والبحوث ووزارة الخارجية البحرينية، بالتعاون مع الخارجية اليابانية وجامعة طوكيو التحضير للمؤتمر وتنسيق أعماله. وفيما بعد عقدت ست جولات فى طوكيو «أكتوبر سنة 2003»، وطهران (نوفمبر سنة 2004)، ثم فى تونس «يناير سنة 2006»، ثم فى الرياض ( مارس سنة 2008)، وأخيرا فى الكويت. وفى كل مؤتمر تم الاتفاق على اختيار فكرة أو أفكار محورية للنقاش حولها لايضاح كيف يرى اليابانيون والمسلمون تلك الأفكار. فمثلا ناقشت دورة البحرين أفكار الإسلام والعولمة، والتعايش والتبادل بين الإسلام واليابان، والإسلام والعلاقات الدولية. وفى جولة طوكيو التالية تم تناول أفكار العلاقة بين السلام والتنمية الإنسانية، مع التركيز على قضايا التحديث والتفاعل بين الثقافات: كيف يرى اليابانيون العالم الإسلامى. وفى جولة طهران تم التركيز على فكرة «الكرامة الإنسانية.» وفى جولة اليابان الثانية كان التركيز على قضايا الاسم والتنمية، البيئة والحياة، والتنوع الثقافى ودور أجهزة الإعلام. أما فى الكويت فقد اختار المشاركون موضوع البيئة كمحور للنقاش، وذلك على مستويين الأول هو عرض المشكلات والاستراتيجيات البيئية فى اليابان والدول الإسلامية، وعرض رؤى اليابان وتلك الدول لقضايا البيئة من منظور فكرى، وأخيرا تناول مجالات التعاون بين الطرفين حول موضوع البيئة. وقد شاركت بدراسة عن مفهوم «الأمن البيئى» فى الوطن العربى، مشيرا إلى أن مركزية مشكلتى ندرة المياه والتصحر من أولى الاستراتيجيات التى اتبعها العرب للتعامل معهما، وإلى أن البيئة مازال ينظر إليها على أنها موضوع فنى بحت غير مرتبط بمفهوم الأمن القومى الأعم، رغم أن الارتباط وثيق فى الوطن العربى بين قضايا البيئة والسياسة. فالبيئة كانت مصدرا للمنازعات «مصر ودول حوض وادى النيل»، كما أن النزاعات كانت من مصادر تدمير البيئة «تدمير اسرائيل للبيئة فى فلسطين، والدمار البيئى فى منطقة الخليج العربى منذ سنة 1990». كذلك قدم الجانب اليابانى مشروعا ثقافيا جديدا باسم «جسر الحكمة» كإطار للتبادل الثقافى بين الطرفين. كذلك تميزت جولة الكويت بإضافة مهمة وهى عقد حوار فرعى بين الشباب اليابانى والكويتى. وفى هذا الحوار طرح اليابانيون عدة قضايا مثل الحجاب، والفصل بين الرجل والمرأة فى التعليم، وغيرها. وقد كانت ردرود الطلاب والطالبات الكويتيين متميزة من حيث اللغة، وسلامة المنطق. الافتراض الضمنى خلف أسئلة الطلاب اليابانيين هو الاستغراب، لماذا أنتم مختلفون عنا؟ وكانت الردود هو أن الاختلاف هو سنة الكون كما أن ارتداء الحجاب هو مسألة اختيار وحرية شخصية، والفصل بين الرجال والنساء لا يعنى عدم تساويهم فى الحقوق والواجبات. ولكن الملاحظ أن الجانب اليابانى هو الذى طرح الأسئلة، ولكنه لم يفسح مجالا لكى يطرح الجانب الكويتى أى أسئلة. وهى ملاحظة سجلها المشرف على تنسيق الحوار من الجاب الكويتى. (2) تقييم لا شك أن الجولات السبع من تلك الحوارات قد أثمرت جماعة بحثية يابانية ومن الدول الإسلامية تتوفر على مقارنة رؤى الطرفين لقضايا الحوار واستكشاف ما هو مشترك بينها، كما أنها مكنت الطرفين من الحصول على المعلومات من الطرف الآخر مباشرة دون المرور بالمصادر الغربية. ولكن يلاحظ أنه بعد مرور سبع سنوات على تلك الحوارات بانها مازالت تفتقر الإطار التنظيمى المستقل وأنه يتأثر تماما بالسياسات الحكومية الرسمية. فوزارتا خارجية البحرين واليابان تشرفان على تنسيق الحوار ويتوليان عادة بالتنسيق مع أحد وزارات الدولة المضيفة الدعوة إلى المشاركة فى الحوار. وبالتالى فإن الحوار فى حقيقته ليس حوارا مستقلا بين الحضارات إذ لا يوجد دور لمؤسسات المجتمع المدنى فى الحوار كما أن غالبية المشاركين اختارتهم الحكومات، فضلا عن أنها هى التى تحدد جدول أعمال الحوار. فهل تمثل الحكومات بمفردها الحضارات؟ وهل يمكن القول إن النخب المحدودة المشاركة تمثل الحضارتين الإسلامية واليابانية؟ يترتب على ذلك ملاحظة أخرى، هى أن الدعوة إلى المشاركة فى جولات الحوار تأتى قبل انعقاد الحوار بأسابيع وأحيانا بأيام قليلة، وبالتالى تتحول المداخلات والبحوث المقدمة إلى إعادة إنتاج لبحوث سابقة لأنه لم يتوفر الوقت الكافى للمشاركين لتأمل القضايا محل الحوار وبلورة أفكار كبرى حولها. من ناحية ثالثة، بينما يتسم الأداء اليابانى بالتنسيق لوجود سلطة مركزية واحدة تحدد أجندة الجانب اليابانى، فإن أداء الممثلين للدول الإسلامية يفتقر إلى التنسيق لأنهم فى الغالب لا يعرفون بعضهم، ولا يحددون أجندتهم إلا حينما ينعقد الحوار بالفعل، ولا توجد آلية للربط بينهم بعد انتهاء الحوار وحتى انعقاد الحوار التالى. من ناحية رابعة، يلاحظ أن جولات الحوار تكاد تكون حوارا يابانيا عربيا. فمشاركة المسلمين من غير العرب مقصورة على ممثلين محدودين من إيران، وإندونيسيا، وماليزيا. وتغيب الدول الأفريقية الاسلامية بالكامل «السنغال والسودان ومالى» عن جميع دورات الحوار، كما يغيب مسلمو دول آسيا الوسطى الخمس وأذربيجان «فى القوقاز» عن الحوار، بالإضافة إلى مسلمى جنوبى آسيا، وهو أمر أشرنا إليه فى كل دورات الحوار التى شاركنا فيها. أما من حيث المنتج النهائى، فإن ثلاث فقط من أعمال دورات الحوار هى التى تم توثيقها فى كتب متاحة. والحق أنه بدون توثيق الأعمال الكاملة للمؤتمرات يصبح من الصعب تحقيق أى تراكم معرفى. (3) نحو حوار فعال سبق أن قلنا إن حوار الحضارات بين اليابان والعالم الإسلامى من أنجح حوارات الحضارت. ولكن هذا النجاح ليس كافيا لكى يستطيع الحوار تحقيق أهدافه المعلنة. كما يحمد لهذا الحوار استمراريته. وفى تقديرى فإنه يلزم لتحقيق أهداف الحوار إنشاء مؤسسة مستقلة ماليا ومعنويا تتولى تنسيق جولات الجوار وتحديد مكان انعقاده وموضوعاته، والدعوة إلى المشاركة فى أعماله، ونشرها. وتقدم لنا «مؤسسة سنغافورة» التى نشأت فى إطار التعاون الأوروبى الآسيوى نموذجا يستحق الدراسة. كذلك يلزم توسيع نطاق الحوار ليصبح ممثلا بالفعل لمعظم التيارات الفكرية فى الدول الإسلامية وعدم الاقتصار على الهيمنة العربية الراهنة على الحوار. ولعل تجربة الحوار الشبابى فى الكويت، رغم كونها يابانية كويتية خالصة، تعد مقدمة لذلك بشرط حسن التحضير لها. ومن المهم أن يقوم الجانب الكويتى بتحرير البحوث والمناقشات ونشرها بالعربية واليابانية بالإضافة إلى الإنجليزية تعميما للفائدة على المثقفين المسلمين الذين لا يعرفون العربية أو اليابانية، وأن يتم ذلك قبل انعقاد الجولة الثامنة والتى اتفق على أن تكون فى طوكيو. واقترح على الجانب اليابانى تنويع المدن اليابانية التى يعقد فيها الحوار.