التطرف لا يفرق بين مسلم وغير مسلم. لأن المتطرف شاذ ومنحرف بطبعه. ولا ينتظر من شا أن يتصرف بمنطق سليم. ولذلك نري حوادث التطرف والإرهاب تطال المسلمين وغيرهم. والشذوذ والتطرف من الصفات التي ابتلي بها بعض الناس قديماً وحديثاً. وقد حكي جمهور الفقهاء عن شذوذ بعض المعاصرين لهم. فقالوا: إن الإنسان لا يولد معصوم الدم. فالأصل في الإنسان هدر دمه إلي أن يثبت العكس. ثم اختلفوا فقال بعضهم: لا تثبت عصمة الإنسان إلا بالإسلام. ونسب هذا القول لعبدالرحمن بن يزيد بن أسلم. وقال بعضهم: تثبت عصمة الإنسان بالإسلام أو الأمان. وهو وجه منسوب لبعض الحنابلة. وانتصر له بعض المتشددين المعاصرين. واستدلوا بظاهر الآية الكريمة: "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم" "التوبة : 5". وبظاهر حديث أنس في صحيح البخاري. أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله. فإذا قالوها. وصلوا صلاتنا. واستقبلوا قبلتنا. وذبحوا ذبيحتنا. فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم علي الله". والجواب عن الآية الكريم: أن أكثر أهل التفسير. منهم الضحاك والسدي قالوا إن هذه الآية المعروفة بآية السيف منسوخة بقوله تعالي: "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتي إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتي تضع الحرب أوزارها" "محمد:4". ووجه النسخ: أن هذه الآية الكريمة خيرت الإمام في أسري المشركين بين المن والمفاداة. ولم تحتم قتلهم كظاهر آية السيف. والجواب عن الحديث. والمعروف بحديث السيف. هو أن المراد بمقاتلة الناس تحمل صدهم للدعوة. ففي اللغة: قاتل في الدفاع عن رأيه. أي تحمل المشقة. وهذا المعني يتفق مع عموم قوله تعالي: "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" "النحل: 125" ويحتمل أن يكون المراد بمقاتلة الناس في هذا الحديث مقاومة من يصدون ويمنعون نشر الإسلام. ولذلك كان رسول الله. صلي الله عليه وسلم. يوصي قائد الجيش بتقوي الله في خاصة نفسه وعامته. ثم يأمره أن ينذر أعداءه من غير المسلمين بإحدي ثلاث. ولا يبادرهم بالقتل. فيقول: "وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلي ثلاث خصال. فأيتهن أجابوك إليها فأقبل منهم وكف عنهم: ادعهم إلي الإسلام. فإن هم أبوا فأسألهم الجزية. وإن هم أبوا فاستعن عليهم بالله وقاتلهم: "رواه مسلم من حديث بريدة". وأري : أن المسلمين اليوم مقصرون في واجبهم الأول. وهو دعوة الناس إلي الإسلام الحق الذي يقول الله عنه: "يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي. وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي" "النحل : 90". وذلك بمنهج الحكمة والموعظة الحسنة. مع الصبر الجميل. والأخذ باليسر والرحمة. كما قال تعالي: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". وقوله سبحانه: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" "البقرة: 185". وقد أصبحت الدعوة إلي الله تعالي ميسرة الآن بعد ظهور الفضائيات والمواقع الإلكترونية بما يجعل كل مسلم قادراً أن يكون داعياً إلي الله تعالي ميسرة الآن بعد ظهور الفضائيات والمواقع الإلكترونية بما يجعل كل مسلم قادراً أن يكون داعياً إلي الله تعالي بغير قتال إلا بالقدوة الحسنة إذا أخذ بأسباب الحكمة. فالعامل والصانع والمهندس والطبيب والمحاسب والمحامي والمدرس والموظف وغيرهم يكون كل منهم داعياً إلي الله تعالي إذا صار قدوة يحتذي بها في حسن الخلق. والوفاء بالأمانة الموكولة إليه. وتقديم النصيحة. والانضباط في المواعيد. والاتقان في العمل. وحسن التعاون مع الزملاء. والبعد عن بذئ القول والفعل. وغير ذلك من صور الجمال التي يظهر إسلامه فيها.