** نترك بعض المشكلات المجتمعية تكبر.. وتتضخم.. تثير الرعب والفزع بيننا.. حيث تجمع جسد الغول في تكوين سرطاني يزحف وينتشر.. وعندما يصبح خانقاً.. مانعاً للحركة والتفكير السليم.. يصرخ المواطن أمام المسئول مطالبا بالحل.. وقد يمارس الاحتجاج حسب الموضة.. بداية بالاعتصام وليس نهاية بقطع الطريق ولم يسأل أحد نفسه ماذا فعلت للمقاومة.. والتصدي لهذا الانحراف السلوكي.. وبالفعل كان يمكنه الكثير لو تصدي بشجاعة ومعه المتضررون.. حسب ما أمرنا به الدين الحنيف.. "من رأي منكم منكراً فليغيره بيده إن لم يستطع بلسانه وإن لم يستطع بقلبه وهذا أضعف الإيمان".. ونتحدث هنا عن فاعلية المواطن تجاه واجبه ودائرة الوعي التي يتحرك من خلالها.. ونفرض عليه ألا يسمح بقذارة شارعه.. أو إلقاء القمامة بجوار سور مدرسته أو دار العبادة التي يؤدي بداخلها صلواته.. انه يؤثر السلبية تحت غطاء السلامة.. ويسمح للعربجية بإلقاء مخلفات المباني في الطريق العام.. يخشي أسلحتهم البيضاء رغم انه يملك سلاح الحق.. وبنفس المنطق لا يتحرك أحد عندما يشاهدون يوميا مستوطنات الباعة الجائلين.. تزحف وتتوسع في الشوارع والميادين الرئيسية وفي أرقي الأحياء وأحدثها وكذلك الأحياء الشعبية العريقة.. ومع الفوضي تكتمل لعبة الاختناق بمواقف مستحدثة للميكروباص والتوك توك وسيارات الرحلات والفان الصغيرة.. وينصب الباعة الفرشات والمظلات.. ينادون علي الزبائن بالميكروفونات.. وينتعش الاقتصاد السري.. الذي لا نعرف له جذوراً.. بل يطل بأطراف متعددة تبدأ بالأحذية والملابس وتنتهي بالحقائب والاكسسوار.. ووسط هذا التجمع العشوائي تكتمل الخدمات من باعة للمأكولات والمشروبات ولأنهم ضمنوا الرصيف لملكية خاصة لهم.. ينهشون حيز الشارع.. وتتجاوز العزوة.. ويصعب علي قاطع الطريق أموال هؤلاء الشباب الذين يستغلون طاقاتهم في مهام عشوائية.. لا نضمن لهم المستقبل وقد استمرأ عدد كبير منهم هذا الوضع ورفضوا الانتقال إلي أماكن وأسواق تنظمها المحليات لأنهم لا يريدون بالطبع دفع أي رسوم.. * * تتضخم القضية وتنقلب إلي أخطبوط سرطاني.. ويبدأ السادة المنظرون في طرح الحلول وينادون بتغليظ العقوبات.. وفتح موضوعات متشابكة في الحوار تتلقفها برامج التوك شو.. وننسي ان القانون موجود بعقوباته والتزاماته.. ولكنه للأسف موضوع علي الرف.. وربما أصبح خارج الخدمة ليس دائما تطبيقا للمثل المعروف.. "شدة الغربال الجديد" ولكن لأن الاهمال في التطبيق.. عن عجز في الامكانيات أو لأسباب انتخابية أو غيرها.. "مع تفرد مصر بالجهابذة أصحاب الخبرة في إبطال النصوص القانونية بتفسيرات الضد وطوق النجاة".. منظومة القوانين المصرية بالتأكيد من أفضل المنظومات العالمية "أمامنا مثال بقانون المرور وما أثاره من حراك مجتمعي بعد صدوره والزام قائدي السيارات بحزام الأمان.. وخوذة الرأس.. ومثلث الحوادث.. وعدم الدخول في الممنوع.. وأدت الغرامات المضاعفة والحبس الوجوبي إلي ارتفاع قامة اللافتات الإرشادية وتراجعت الفوضي وعبث الأطفال ولكن مع ارتخاء الحبل.. ثم الغياب الأمني عقب الثورة.. شهدنا تجاوزات في السير والانتظار.. واحتلال نهر الشارع وليس الرصيف فقط.. ناهيك عما تفرع من سلبيات علي الطرق السريعة والدائري وسرقة السيارات وقائديها.. والمواقف العشوائية السرطانية التي تتحدد تحت نظر رجال الشرطة دون حل أو ردع. * * ان مسئولية تنفيذ القانون لا تقع علي الجهة التنفيذية باعتبارها صاحبة السلطة فقط.. ولكن في القضايا الاجتماعية لن ينصلح الأمر إلا بوعي المواطن.. ومبادرته التطوعية لمنع الخطأ والخطر "كما يتحدث عن ذلك المواطنون القادمون من الخارج" وعندما يشعر المخطئ بأن هناك من يتابعه.. ولن يسمح له بالمخالفة.. سيعيد النظر في المخالفة من أساسها.. وبالطبع فهذا التبسيط للأمور.. لا يعني التقليل من خطورة احتلال الباعة الجائلين لكل "شبر" صالح لذلك في المدن والقري.. فيما عدا نقاط قليلة نجح أصحابها في الدفاع عنها.. أو ربما لم يجد هؤلاء الجائلون لهم عيشاً في التوطن فيها.. وبالفعل نستطيع تصنيف المشكلة علي انها المشكلة رقم 1 حاليا.. ونتبادل المراكز الأولي "ربما" مع مخلفات المباني التي زادت علي الحد "التي تعجز امكانيات المحليات عن ازالة حقيقية لها.. لأننا نلاحظ أن الازالات المسرحية!!!.. ولعمارة واحدة خرجت عن خط التنظيم تحتاج عشرة من التنفيذيين والشرطة يتقدمهم المحافظ ورجال الأمن.. ويعلم الله وحده كيف يستأنف العمل بعد رحيل الحملة وفقدت أضواءها.. وعلينا الاعتراف بأن مخالفات البناء لم تنحصر في البناء علي الأراضي الزراعية أو بدون ترخيص فقط.. فقد واكب ما بعد الثورة بكل أسف مرحلة كيف البناء.. وهدم المنازل القديمة لاقامة أبراج عالية.. داخل الحواري أيضا تسلم لمشتريها علي الطوب الأحمر.. بعدها يأتي العبء كله من المرافق "مياه كهرباء صرف صحي. الخ" وتندرج نظرياً تحت العشوائيات والعدادات الكودية.. وحسناً فعل مجلس الوزراء بإيقاف توصيل المرافق لها.. عسي أن يتراجع هذا التسونامي الشيطاني.. الذي يمتص أصحاب السيولة المالية ولم تعد تفرق معهم البناء دون ترخيص لأن كل شيء قابل للبيع.. ويتنافس علي المركز الثالث أو الأول في صعوبة الإصلاح.. المرور الذي يتجه المسئولون عنه نحو التكنولوجيا والكاميرات.. ونلمح حملات ولا نري طحنا!!.. مع الحرية الاقتصادية أصبح من المستحيل.. الحد من استيراد السيارات بل ان العالم يتجه حاليا إلي تخفيض الجمارك.. ووسط فوضي السير الضاربة أطنابها.. كيف سنوفر المسار لأربعة ملايين سيارة في الشوارع يوميا.. وربما أكثر.. وكيف نجد لها جراجات بالعمارات الجديدة.. وقد اقتطع البعض الرصيف وجزءاً من نهر الشارع ليعمل مظلة لسيارته.. أما الجراجات فرغم كثرتها ووصول اشتراك الخدمة بها إلي ما يساوي إيجار شقة كاملة بالنظام الجديد حتي تستوعب هذه السيارات.. التي يخشي أصحابها سرقتها "احترافيا" من أمام المنزل أو العمل.. خاصة بعد أن نجح هؤلاء اللصوص في فكل شفرات حراسة الكمبيوتر وأصبحت السيارات الحديثة أسهل لهم في السرقة والأمر يتزايد طالما أصبحت الحكاية تنحصر بين السارق والمسروق والفدية التي يدفعها.. * * ولكن رغم كل هذا الاستطراد فإن القضية الأولي بالرعاية في تقديري.. هي التصدي لأخطبوط الباعة الجائلين وعمل قاعدة بيانات تستهدف الحلول الإنسانية.. بتوفير فرص عمل لهؤلاء الشباب.. معظمهم قادر عليها "انخراط الجامعيين في سوق المعمار والبناء".. ولا تصدقوا ما يقال عن تأهيل وتدريب للعمالة.. فستظل مصر رائدة بشيوخ المهن الذين حملوا مشاعل الحضارة والحرفية.. رغم ظلام المماليك والعثمانيين.. أيها السادة الصبي بلية هو الحل.. وفروا له التدريب العملي بعد التعليم الأساسي.. واستبعدوا تعامل البلدية مع الباعة الجائلين زمان.. فككوا أذرعة الأخطبوط.. لعل المهمة لا تصبح مستحيلة.. ونصل إلي الحل.. الذي عماد نجاحه.. مصر أكبر من المصالح.