كشف ملابسات واقعة اعتداء أحد الأشخاص على طالبة وإصابتها بالقاهرة    الأوقاف: خطبة العيد لا تتعدى 10 دقائق وتوجيه بالتخفيف على المصلين    جيش الاحتلال: اعتراض هدف جوي مشبوه كان في طريقه للأراضي الإسرائيلية شرقا    أسامة رسلان بقناة الناس: عرفة يوم المباهاة الإلهية والمناجاة العلية    «الزراعة»: متبقيات المبيدات يستقبل ويصدر 1500 عينة منتجات غذائية اليوم    بعثة المجموعة الإنمائية «SADC» تطلع على التجربة المصرية في التعليم الرقمي    «من كل فجٍّ عميق».. السعودية تكشف عدد الحجاج هذا العام    85 ساحة لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك بمراكز الشباب والأندية ب كفر الشيخ    إيرادات فيلم اللعب مع العيال في 3 أيام عرض    تحذير مهم من «الإفتاء» بشأن تلويث البدن والثياب والممتلكات بدماء الأضاحي    مصدر ليلا كورة: سيراميكا كليوباترا يقترب من تجديد عقد محمد إبراهيم    بشرى سارة لجماهير الزمالك قبل مباراة القمة أمام الأهلي في الدوري (خاص)    البحيرة: اتخاذ كل إجراءات الحفاظ على سلامة المواطنين في عيد الأضحى    ما أسباب تثبيت الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة؟.. خبير اقتصادي يجيب    موعد صلاة العيد 2024 في الأردن.. اعرف الأماكن    أسقف جنوب سيناء ووفد كتدرائية السمائيين يهنئون المحافظ بعيد الأضحى    الهلال الأحمر الفلسطيني: الاستهدافات الإسرائيلية للمنشآت والمرافق تستهدف إبادة مقومات الحياة في غزة    جيش الاحتلال يؤكد مقتل 8 من ضباطه وجنوده في المعارك بجنوب قطاع غزة    عودة البريق لألبومات الصيف بموسم غنائى ساخن    مساجد الإسكندرية انتهت استعداداتها لاداء صلاة عيد الأضحى    لكل مشتاق لزيارة بيت الله الحرام.. شاهد| دعاء مؤثر لأزهري من جبل عرفات    د. أيمن أبو عمر: يوم عرفة فرصة للطاعة والتوبة    "الخضيري" يوضح وقت مغيب الشمس يوم عرفة والقمر ليلة مزدلفة    بعد تريند «تتحبي».. تامر حسين يكشف تفاصيل تعاونه مع عمرو دياب للأغنية 69    محمد رمضان يشوق محبيه بطرح «مفيش كده» خلال ساعات | صور    حزب المؤتمر يهنئ الرئيس السيسى والشعب المصرى بعيد الأضحى    قبل احتفالات عيد الأضحى.. احذر من عقوبات التنمر والتحرش والتعدي على الغير    عيد ميلاد صلاح.. عودة أوروبية وحلم إفريقي في عامه الجديد    هل يجوز للحاج أن يغادر المزدلفة بعد منتصف الليل؟.. الإفتاء تُجيب    «الغذاء والدواء السعودية»: شرب الماء بانتظام وحمل المظلة يقي الحاج الإجهاد الحراري    إحالة مديري وحدتي الرعاية الأساسية بالميدان والريسة ب العريش للتحقيق بسبب الغياب    لا تتناول الفتة والرقاق معًا في أول يوم العيد.. ماذا يحدث للجسم؟    مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يحذر الحجاج من الوقوف في منطقة تقع على حدود جبل عرفات في السعودية ويشير إلى أنها "يفسد الحج".    كم تكبدت الولايات المتحدة جراء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر؟    ميسي يتصدر قائمة الأرجنتين النهائية لبطولة كوبا أمريكا 2024    عروض الأضحى 2024.. «يوم عاصم جدا» يعود من جديد على مسرح السلام    وفاة حاج عراقي علي جبل عرفات بأزمة قلبية    أردوغان: النصر سيكون للشعب الفلسطيني رغم همجية إسرائيل ومؤيديها    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري يوم السبت 15 يونيو 2024    مستشفيات جامعة عين شمس تستعد لافتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ والسكتة الدماغية    الكشف على 900 حالة خلال قافلة نفذتها الصحة بمركز الفشن ببنى سويف    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج الترجمة التخصصية باللغة اليابانية بآداب القاهرة    أخبار الأهلي : هل فشلت صفقة تعاقد الأهلي مع زين الدين بلعيد؟ ..كواليس جديدة تعرف عليها    مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يختتم فعالياته بإعلان أعضاء المجلس التنفيذي الجُدد    بقرار من المحافظ.. دخول ذوي الهمم شواطئ الإسكندرية بالمجان خلال العيد (صور)    عن عمر يناهز 26 عاما.. ناد إنجليزي يعلن وفاة حارس مرماه    نزلا للاستحمام فغرقا سويًا.. مأساة طالبين في "نيل الصف"    تدعم إسرائيل والمثلية الجنسية.. تفاصيل حفل بلونديش بعد المطالبة بإلغائه    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 15 يونيو 2024    «تايمز 2024»: الجامعة المصرية اليابانية ال19 عالميًا في الطاقة النظيفة وال38 بتغير المناخ    بقايا الجيل الذهبي تدافع عن هيبة تشيلي في كوبا أمريكا    وفد "العمل" يشارك في الجلسة الختامية للمؤتمر الدولي بجنيف    مصادر أمنية إسرائيلية: إنهاء عملية رفح خلال أسبوعين.. والاحتفاظ بمحور فيلادلفيا    محطة الدلتا الجديدة لمعالجة المياه تدخل موسوعة "جينيس" بأربعة أرقام قياسية (فيديو)    يسع نصف مليون مصلٍ.. مسجد نمرة يكتسى باللون الأبيض فى المشهد الأعظم يوم عرفة    وزير النقل السعودي: 46 ألف موظف مهمتهم خدمة حجاج بيت الله الحرام    مقرر المحور الاقتصادي بالحوار الوطني: ميزانية الصحة والتعليم اختيار وليس قلة موارد    دي لا فوينتي: الأمر يبدو أن من لا يفوز فهو فاشل.. وهذا هدفنا في يورو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محتار مع الشعب المختار!!
نشر في الجمهورية يوم 14 - 11 - 2012

أنعش صديقي محمود عسران ملحق مصر الثقافي في جورجيا ذكراتي بمثل عامي بليغ يتردد كثيرا في قريتي.. وربما في ريف مصر كلها.. ويقول: "فلان زي الرهريط لا يسد ولا يليس".. وهو بالضبط مثل قولنا الآخر "فلان لا ينفع قربة ولا جراب" ولمن لا يعرفون.. فإن "الرهريط" هو الطين الذي زاد ماؤه علي ترابه.. فصار مائعا.. فلا هو ماء ولا هو تراب ولا هو طين.. "ولا يسد".. أي لا يصلح أن تصنع منه سدا يحجز الماء عن حقلك بعد الري.. "ولا يليس" أي لا يصلح أن تثبت به قوالب الطوب في البناء أو تصنع منه الطوب اللبن لتبني به بيتا أو كوخا أو ما شابه ذلك.. والخلاصة انه لا قيمة له رغم كثرته.. ويقال ان "الرهريط" هو نفسه غثاء السيل.. ماء كثير مختلط بتراب أقل.. وهو كثير لكن لا نفع منه ولا جدوي فيه ولا يصلح لشيء.. وهذا المعني ورد في حديث شريف معناه: الناس كإبل المائة قل أن تجد منها راحلة.. أو لا تجد فيها راحلة.. هم كثير ولكن لا تجد فيهم نفعا.. ويقول الشاعر في هذا المعني: إني لأفتح عيني حين أفتحها.. علي كثير ولكن لا أري أحدا.. وقد كان شاعر النيل حافظ ابراهيم رحمه الله عاشقا لمصر وقال فيها علي لسانها: وقف الخلق ينظرون جميعا.. كيف أبني قواعد المجد وحدي.. إلي أن قال: أنا تاج العلاء في مفرق الشرق.. ودراته فرائد عقدي.. ولكن شاعر النيل أصابه ما أصابنا نحن عشاق مصر من الزهق والقرف وعارض نفسه وناقضها في قصيدة أخري كما يقول صديقي محمود عسران.. فقد قال حافظ:
فيا مصر ما أنت دار الأديب.. ولا انت بالبلد الطيب.
وفي رواية أخري: فيا مصر ما أنت دار الأريب "أي الذكي اللماح الحساس الرقيق الوجدان".. وهناك من ينسبون هذا البيت للمتنبي.. لكنه أقرب إلي لغة حافظ ابراهيم.. وكل عشاق مصر أصابهم القرف منها ومن دورانها "علي حل شعرها".. وكلما قلت لها ما قاله أبوفراس الحمداني لحبيبته نجلاء الخالدية.. قتيلك.. قالت أيهم؟ فهم كثر.. ويقول عشاق مصر ما قاله أبوفراس أيضا: وفيت وفي بعض الوفاء مذلة لآنسة في الحي شيمتها الغدر.. تسائلني: من أنت؟ وهي عليمة.. وهل لفتي مثلي علي حاله نكر؟
ومصر "الدايرة علي حل شعرها" تحب من يماشيها أو يعاكسها ولا تحب من يعشقها حقا وصدقا.. مثل حبيبة أمير الشعراء أحمد شوقي التي قال فيها: للعاشقين رضاك والحسني ولي هجر وصد.. ذكروا فكانوا سبحة.. وأن العلامة.. لا تعد.. وكل الذين تراهم من حولك يملأون الميادين والشوارع والقاعات والأحزاب والنقابات والائتلافات والحركات والجماعات والقيادات ليسوا سوي "معاكسين لمصر".. ليسوا سوي متحرشين بمصر.. هم أناس يقفون علي النواصي والسكك وأمام المدارس ينتظرون مرور مصر من أمامهم "ليعاكسوها ويتحرشوا بها".. ويمطروها بالكلام المعسول والفارغ: "يا قمر.. يا حلو.. يا مزة".. كل الكلام الذي تسمعه في حب مصر هو مجرد "معاكسة.. ومحاولة لاصطياد مصر.. والمشي معها".. وأخذ رقم هاتفها للثرثرة معها طوال الليل والنهار.. لكن لا أحد من هؤلاء يحب مصر.. وبعد أن يقضي منها وطرا سيغلق هاتفه "ويرميها رمية الكلاب".. مصر "الدايرة علي حل شعرها".. يعجبها جدا مئات المعاكسين الذين يسيرون خلفها.. ولا تعبأ بالعشاق الحقيقيين الذين يريدون أن "يستروها".. وينقذوها من هؤلاء الذئاب الذين يتحينون فرصة اغتصابها.. مصر في غيبوبة.. تبتسم لمن يعاكسها ويطمع فيها وتتجهم وتعبس في وجه من يعشقها ويخاف عليها ويحذرها من عواقب "دورانها علي حل شعرها".. مصر "سارقاها السكين" وعاشقها مسكين قليل الحيلة.. مصر "الدايرة علي حل شعرها" مطمع للنصابين وتشجع الغشاشين والكذابين بينما تبصق في وجوه الناصحين الصادقين المخلصين.. مصر يستخفها الفراعين والحواة والسحرة فتطيعهم.. وتعصي الذين يريدون لها الخير ويتمنون لو تفيق وتكف عن "الدوران علي حل شعرها".
يا أصدقائي الكرام ماجدة ووائل أحمد رفعت مدير فرع شركة استثمارية ومحمود عبدالشافي الصيدلي بالسعودية والمهندس اسماعيل العوضي وحمادة بدران أبودوح وأشرف الحسانين مدرس اللغة الانجليزية بنبروه دقهلية ومحمد جودت بعيص من قبائل أولاد علي.. "غلب حمارنا" مع مصر "الدايرة علي حل شعرها".. فأهلها كما قال عنهم أعرابي حكيم: فراش نار.. وذبان طمع.. فراشات تندفع نحو النار.. وذباب يندفع إلي جيفة ويتزاحم عليها طمعا.. فلا أنت قادر علي منع الفراشات من الاندفاع نحو النار.. ولا أنت قادر علي تحمل رائحة الجيفة وطرد الذباب منها.. ولا تستطيع اطفاء النار ولا تستطيع دفن الجيفة.
****
زمان قلت لكم ومازلت عند قولي ان مصر فيها كل أنواع البشر إلا نوعا واحدا أحسبه انقرض.. مصر ليس فيها مصريون.. تلك خلاصة القول ومربط الفرس.. فيها اخوان.. فيها سلفيون.. فيها مسيحيون.. فيها ليبراليون.. فيها علمانيون.. فيها كل الأطياف والانتماءات لكن ليس فيها مصريون "أقسم علي ذلك".. زمان.. منذ ألف ألف عام وأنا علي أعتاب جهنم الإعلام "رجل برة ورجل جوة".. جمعني حوار مع صديق من الإسلاميين.. قلت له: كلمة الوطن لا وجود لها في أدبيات الجماعات المتأسلمة.. بل ربما هي كلمة كافرة إذا لم أكن مبالغا.. فقال: صدقت: نحن لا نعترف إلا بوطن واحد.. وطننا الذي نود العودة اليه هي الجنة.. وكل أرض نطبق فيها شرع الله نعتبرها أرضا محررة.. وهي طريقنا إلي العودة لوطننا الجنة.. الرجل أغلق الحوار "بالضبة والمفتاح".. لن يصل إلي ولن أصل إليه.. سألته سؤالا واحدا لم يجب عنه.. ولم ألح عليه في طلب الجواب: قلت له: وهل أنت علي ثقة بأن أفعالكم واتجاهاتكم هذه ستعيدكم إلي وطنكم الجنة؟.. أخشي أن تضيعوا الوطن الأرضي وتضلوا الطريق إلي وطنكم الجنة "ولا تطولوا سما ولا أرض".. وأظن انني قلت ذلك ضاحكا وأظنه ضحك أيضا "وخلص الكلام"..
المشكلة أو الكارثة في مصر ان التناقضات تزداد عمقا وان الخرق يتسع علي الراقع أو الراتق وانه لا توجد حقائق في بلد أدمن أهله الكذب.. وتعريف السياسة عندنا وحدنا انها فن الكذب.. لن تكون سياسيا محنكا إذا صدقت.. وكل الأطياف في ذلك الذي كان وطني كاذبة ومنافقة "يعني زي اتنين اتخانقوا مع بعض والاتنين غلطانين".. مثل اثنين يلعبان القمار والاثنان يخسران.. كل طرف يري انه علي حق لا يقبل الباطل.. وعلي صواب غير قابل للخطأ والطرف الآخر علي باطل لا يأتيه الحق.. وعلي خطأ لا يقبل الصواب.. كل طرف يتكلم ولا يسمع ويحكم لا معقب لحكمه.. والمتأمل للمشهد والذي أوتي بعض الوعي سوف يتأكد من ان كل الأطراف علي باطل وكل الأطراف علي خطأ "احنا بنلعب قمار علي الوطن".. ونحن نخسر وعدو الوطن يكسب.
والذين يقولون ان مصر لن تلقي مصير ليبيا أو العراق أو سوريا أو السودان أو اليمن أو الصومال.. ولن تبلغ مرحلة الدم والحرب الأهلية واهمون.. ومن آفات المصريين انهم يستبعدون الكارثة والخطر ويقولون بكل بلادة: "يا راجل فال الله ولا فالك".. مصر محروسة بالعناية الإلهية.. مصر مذكورة في القرآن "مش عارف كام مرة".. نفس طريقة "فاذهب انت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون".. "وعلي فكرة اللي قالوا كدة كلهم مصريون.. لأن بني اسرائيل في الأساس والأصل مصريون".. ومرة أخري لا تخلطوا وبني اليهود وبين اسرائيل.. فليس كل اليهود بني اسرائيل وليس كل بني اسرائيل يهوداً.. وأقرب الناس إلي أخلاق وسلوكيات بني اسرئيل هم المصريون.. فهم لا يصبرون علي طعام واحد أي انهم سريعو الملل.. وهم يستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خير.. "يزهقون من المن والسلوي" ويطلبون الفوم والعدس والبصل والقثاء والبقل.. واختياراتهم دائما خاطئة يرفضون الذي هو خير ويقبلون الذي هو أدني.. وأغلبيتهم مع الذي هو أدني وقلتهم مع الذي هو خير.. ويكثرون من الجدل واللجاج والمراء والثرثرة "ويصعبوها علي نفسهم".. تماما كما فعل أجدادهم بنو اسرائيل في مفاوضات البقرة مع سيدنا موسي عليه السلام.. فالله عز وجل أمرهم أن يذبحوا بقرة.. "يعني أي بقرة".. لكنهم بالمراء والجدال والثرثرة "صعبوها علي نفسهم" ما لونها؟.. وما هي؟.. البقر تشابه علينا إلي أن اشتروا البقرة المطلوبة بوزنها ذهبا.. ولو انهم ذبحوا أي بقرة من أول الأمر ما تكلفوا مليما واحدا.. "لأ وإيه".. مارسوا الفهلوة مع موسي عليه السلام ورفضوا الثقة بكلامه وقالوا له "أأتتخذنا هزوا".. فهم لا يثقون بمن يصدقهم القول.. لكنهم يسلمون ذقونهم لمن يضحك عليهم ويخدعهم ويضلهم.. قارن بين موقفهم مع موسي عليه السلام حيث اللجاج والمراء والثرثرة والفهلوة والشك في قوله: "أأتتخذنا هزوا".. وموقفهم مع السامري الذي ضحك عليهم وأضلهم وصنع لهم عجلا جسدا له خوار ظلوا عليه عاكفين حتي رجع اليهم موسي غضبان أسفا.. وهذا شأن المصريين علي مر العصور يستخفهم الفراعين والطغاة والسامري والمدعون والمشعوذون والكذبة والمنافقون والحواة والسحرة ويقعون في حبائلهم بلا مقاومة.. بينما يقاومون الأنبياء والمصلحين والصادقين والمخلصين ويمارسون عليهم الفهلوة والإدعاء والهبالة والشيطنة.
****
انهم أحفاد بني اسرائيل الأوائل.. نفس المنهج الحياتي والنسق السلوكي والأخلاقي والقيمي.. أي ساذج وأبلة يمكنه بسهولة أن يضل المصريين ويستخفهم علي أن يكون "ولد حليوة.. ولسانه حلو" وقلمه حلوا.. بينما أي صادق ومخلص أو حتي نبي يجد غاية المشقة في هدايتهم ويلقي منهم العنت والمقاومة.. "خلقتنا كده".. والمصريون مثل أجدادهم يعيشون حياتهم بشعار "ادع لنا ربك".. "ادعيلنا يا شيخ".. لا جهد ولا عمل ولا عرق ولا تفكير ولا تخطيط "وكله ماشي بطريقة: ادع لنا ربك".. والرب هنا قد يكون الرئيس أو الحكومة "مطلوب تدخل الرئيس.. مطلوب من الحكومة.. مظاهرات علي باب الرئيس تطلب المن والسلوي والفوم والعدس والبصل والبقل والقثاء حالة تسول جماعي لحاجات البطن والفرج فقط.. ولا وجود للوطن وما يحدق به من كوارث في رأس أحد "فمصر محروسة ومحمية.. والله سيقاتل أعداءها بالنيابة عنا".. نفس حكاية شعب الله المختار.. المصريون عندهم نفس النرجسية التي كانت لدي أجدادهم.. لن تمسنا النار إلا أياما معدودات.. نحن أبناء الله وأحباؤه.. نحن أعظم شعب وأعرق شعب.. وأطيب شعب.. وخلطتنا سحرية.. وبلدنا مقبرة الغزاة.. ونعتمد علي قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: اتخذوا من مصر جندا كثيفا فهم خير أجناد الأرض لأنهم في رباط إلي يوم القيامة.. ومصر كنانة الله في أرضه من أرادها بسوء قصمه الله.. ولو تأملنا لوجدنا خيرية أجناد الأرض مشروطة بأن نظل في رباط.. فإذا استرخينا وفككنا الرباط زالت الخيرية.. والله يقصم من يريد مصر بسوء بشرط أن تظل كنانة الله في أرضه.. اما أن نرمي الكنانة "بيت السهام" في الزبالة.. فإننا لا نستحق حماية الله.. تماما مثل خيرية الأمة كلها "كنتم خير أمة أخرجت للناس" بشروط "تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" فإذا انتفت الشروط الثلاثة.. انتفت الخيرية.. فخيرية أجناد الأرض المصريين.. وخيرية الأمة مسئولية وأعباء وتكليف وليست تشريفا ولا جائزة ولا وساما ولا قلادة نيل ولا أنواطا.
نحن نفهم الأمر علي انه "دلع".. وتدليل من الله عز وجل لشعبه المختار.. لذلك ستبقي مصر في غيبوبة النرجسية والتعالي والخيرية والأفضلية الكاذبة إلي أن تصل إلي الهاوية وتسقط فيها.. فنحن نسير في نفس طريق الدول التي من حولنا لكن مصر تسير أبطأ وتصل إلي ما وصلوا اليه متأخرة.. لكنها ستصل.. ونحن أوتينا عبقرية أن نقدم لأعدائنا أضعاف ما يطلبون وما يتوقعون منا.. فأعداؤنا يضعون السيناريو والخطة والمشروع ونحن ننفذ ذلك كله بمنتهي الدقة.. ويكون تنفيذنا أعظم وأقوي من السيناريو المكتوب.. عدونا لا يقتلنا ولا حتي يشرع في قتلنا ولكنه يوفر لنا أدوات الانتحار فإذا متنا فإنه لا يعاقب بجريمة قتلنا لأن القضية تقيد انتحارا.. وتنفيذ السيناريو بأيدينا أسهل.. لذلك ستمضي مصر بأيدي أبنائها إلي الهاوية وإلي التقسيم الذي يبدأ في العادة تقسيما دينيا وفكريا وحزبيا ومذهبيا وعرفيا.. وعندما تتسع الفجوة ويكبر الشرخ ويتعاظم التناقض وتصل الأمور إلي مرحلة الدم والصدام يظهر سيناريو التقسيم الجغرافي كحل للمشكلة.. أي اننا سنصل إلي مرحلة يكون فيها التقسيم الجغرافي هو الحل.. وخصوصا إذا كان التناقض دينيا.. لأن فكرة الوطن لدي المتأسلمين والمتمسحين أيضا باهتة للغاية.. ولن يقاوموا التقسيم إذا كان سيتيح لهم اقامة شرع الله.. لأن وطنهم الجنة وليس علي الأرض.. سنظل نهاتي إلي أن يصبح "الأعمي ساعاتي".. ولا حياة لمن "تناتي".. "القافية تحكم".. سنظل في غيبوبة ونحن ماضون إلي الهاوية.. ولعل الله عز وجل يرحمنا من أنفسنا..
.. لعل الحل يأتي من حيث لا نحتسب.. فقد "غلب حماري".. وأنا محتار مع الشعب المختار!!
نظرة
في دستور الحب الذي وضع مواده أمير الشعراء أحمد شوقي جاءت النظرة مادة أولي والابتسامة مادة ثانية.. فالحب نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء.. وقد تم تغيير هذا الدستور عدة مرات وفقا لظروف المجتمع وقيمة وأعيد ترتيب المواد.. وحذفت المواد الأربع الأولي.. واقتصر الدستور الجديد علي مادتين فقط هما الموعد واللقاء بلا إضاعة وقت في النظرة والابتسامة والسلام والكلام.. ولم يحدث أي خلاف في الجمعية "التخسيسية" لصياغة دستور الحب.. علي عكس الخلاف الحالي والطاحن علي الجمعية التأسيسية لصياغة دستور مصر.. وقد بلغ الخلاف منطقة اللا عودة ووصل إلي حد اعتراض بعض الأعضاء علي ترتيب المادة الثانية من الدستور الخاصة بالشريعة.. هناك توافق علي المادة نفسها ولكن ظهر الخلاف علي ترتيبها "ليه ما تبقاش المادة الأولي.. عيب أن يكون النص الخاص بالشريعة مادة ثانية.. فالإسلام يعلو ولا يعلي عليه".. ثم ان المادة الخاصة بالشريعة "طول عمرها الأولي".. فما الذي يجعلها ثانية؟.. أكيد المادة الأولي تفوقت بالغش.. والتأسيسية صورة مصغرة لمجتمع بني إسرائيل "ما لون المادة الدستورية.. ما لون البقرة.. وما ترتيبها وما هي".. فالمواد مثل البقر تشابهت عليهم.. نفس طريقة بني إسرائيل علمني الغلاسة والرخامة يابا.. قال له تعالي في الفارغة وتصدر!!".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.