"هدية لترامب ولفته طيبة".. تفاصيل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي عيدان ألكسندر    لويس سواريز: برشلونة لديه مستوى عالي هذا الموسم.. وأداء لامين يامال يفتنني    غياب تام لمنتخب مصر.. كاف يعلن التشكيل المثالي لمجموعات بطولة أمم أفريقيا للشباب    فان دايك: أنا ومحمد صلاح كنا في موقف أرنولد.. وعلى الجميع أن يحترم قراره    العثور على جثة مجهولة الهوية في بحر الياس بالفيوم    اعتماد أوروبي لقصر العيني كمركز متخصص في رعاية مرضى قصور القلب    جدول مواقيت الصلاة في المحافظات غدًا الثلاثاء 13 مايو 2025    السجن 5 سنوات ل3 متهمين بفض اعتصام النهضة    غدًا.. كورال «سلام» يحيي حفل جوائز مسابقتي «الرواية والتأليف المسرحي» بالهناجر    اختيار الدكتور محمود ممتاز خريج الجامعة الألمانية بالقاهرة بعضوية المجلس المُسيِّر لشبكة المنافسة الدولية    منظمة الصحة العالمية تطلق تقرير حالة التمريض في العالم لعام 2025    روسيا تسقط 230 مسيرة أوكرانية خلال أسبوع    العراق يتسلم رئاسة القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية من لبنان    جدل في واشنطن حول نية ترامب قبول طائرة فاخرة هدية من قطر    رسميًّا.. 30 فرصة عمل في شركة مقاولات بالسعودية -تفاصيل    براتب 6500.. فرص عمل في شركة مقاولات بالسعودية    وزير التعليم العالي يعلن سياسات تنفيذ إطلاق الجامعات المتخصصة لدعم رؤية مصر 2030 ومتطلبات الثورة الصناعية الخامسة    الرئيس السيسى يجتمع بأسامة ربيع ويطلع على تطورات حركة الملاحة بقناة السويس    ما موقف من تضرر من أزمة البنزين المغشوش ولا يمتلك فاتورة؟.. البترول توضح    حبس متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي للنصب على المواطنين بالجيزة    المشدد 6 سنوات لعاملين لاتجارهم في الهيروين بالقناطر الخيرية    تأجيل محاكمة عاطل بتهمة قتل سيدة فى القناطر الخيرية للخميس المقبل    «بعبع» تسريب امتحانات الثانوية العامة.. هل يتكرر في 2025؟| ننشر خطة «التعليم» كاملة    عاجل.. الأرصاد تحذر من موجة حارة جديدة في هذا الموعد    أشرف العربى إطلاق تقرير "حالة التنمية في مصر" 18 مايو بشراكة مع "الإسكوا"    تكريم غادة جبارة ومنال سلامة في افتتاح مهرجان المسرح العالمي    وزير الأوقاف: شيخ الأزهر الإمام الشيخ حسن العطار شخصية مصرية جديرة بعشرات الدراسات    إعلام عبرى: قوات من الجيش ودبابات وناقلات جند تمركزت قرب نقطة تسليم عيدان    الجمهور يفاجئ صناع سيكو سيكو بعد 40 ليلة عرض.. تعرف على السبب    أحمد زايد: تطوير الأداء بمكتبة الإسكندرية لمواكبة تحديات الذكاء الاصطناعى    ب9 عروض مجانية.. «ثقافة الشرقية» تستضيف المهرجان الإقليمي الختامي لشرائح المسرح    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    خريطة الأسعار اليوم: انخفاض اللحوم والزيت والذهب وارتفاع الجبن    موعد تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالقاهرة الجديدة    مجلس الوزراء يستعرض بالإنفوجراف جهود الدولة لتوطين صناعة الدواء    استمرار حملة "تأمين شامل لجيل آمن" للتعريف بالمنظومة الصحية الجديدة بأسوان    توافق على تسهيل دخول اللبنانيين إلى الكويت وعودة الكويتيين للبنان    فابريزيو: ألونسو يوقع عقود تدريب ريال مدريد    حسام المندوه يكشف تفاصيل الوعكة الصحية لحسين لبيب    في اليوم العالمي للتمريض.. من هي فلورنس نايتنجيل؟    تداول 14 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    سقوط المتهم بالنصب على راغبي السفر ب«عقود وهمية»    عاجل- رئيس الوزراء يتابع ملفات الاتصالات.. ومبادرة "الرواد الرقميون" في صدارة المشهد    سهير رمزي: بوسي شلبي جالها عرسان ورفضت بسبب محمود عبدالعزيز    هل يجوز للحامل والمرضع أداء فريضة الحج؟    جامعة المنيا: الكشف على 570 مواطنًا بالقافلة المتكاملة فى قرية بني خيار    محافظ أسيوط: توفير 706 فرصة عمل لشباب الخريجين بمراكز المحافظة    إنبي: ننتظر نهاية الموسم لحساب نسبة مشاركة حمدي مع الزمالك.. وتواصل غير رسمي من الأهلي    لماذا يرتدي الحجاج "إزار ورداء" ولا يلبسون المخيط؟.. د. أحمد الرخ يجيب    براتب يصل ل 500 دينار.. 45 فرصة عمل بالأردن في شركات زراعية وغذائية وصناعات خشبية (قدم الآن)    البنك الأهلي يرغب في ضم كريم نيدفيد    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    ما حكم الأضحية إذا تبين حملها؟.. الأزهر يوضح    أكبر صندوق سيادي بالعالم يسحب استثماراته من شركة إسرائيلية بسبب المستوطنات    رئيس «دي إتش إل» يتوقع استفادة من التوترات التجارية بين واشنطن وبكين    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    المجلس الوطني الفلسطيني: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي في الضفة يرسخ الاستعمار    أمام العروبة.. الهلال يبحث عن انتصاره الثاني مع الشلهوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالف تَسلَم..والله أعلم !!
نشر في الجمهورية يوم 24 - 10 - 2012

يري صديقي الاعلامي الكبير الأستاذ مصطفي لبيب ضرورة تغيير المنهج في مواجهة المتلاعبين بالدين في ملعب السياسة.. وأنا أيضا أتساءل معه ومع أصدقائي الأعزاء المهندس إسماعيل العوضي ووليد يحيي وسعد نبيه صابر- من دمياط. وخميس السروجي وسعيد الصياد وحمادة بدران أبو دوح -من إسنا- الأقصر. والمحاسب سعيد عبداللطيف حسانين وأشرف الحسانين -مدرس اللغة الإنجليزية- نبروه- دقهلية. وعاطف النكلاوي- ميت غمر- دقهلية.. أتساءل وأشد "شعري": أي منهج؟ ليس في مصر منهج ولا مقرر ولكن هناك سمك.. لبن.. تمرهندي.. إنه فكر الفقر أو فقر الفكر.. لا أعرف بالضبط.. ليس هناك ما يمكن القطع بكذبه أو صدقه.. ليس هناك رأي عام يمكن قياسه والاحتكام إليه.. ماذا يريد الناس في بلدي؟ هل يمكن الوثوق بالقطيع؟ "قطيعة تقطع القطيع".. الإجماع عند فقراء الفكر ومفكري الفقر علي باطل.. الأغلبية غبية.. لا يمكن في بلد السحابة السوداء أن يتبين الرشد من الغي.. لا يمكن في وطن النفاق والمنافقين تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود حتي في عز الظهر.. زمان قبل ألف ألف عام وأنا طفل كان في قريتي شيخ أو اثنان هما الدين كله.. وليس هناك إسلام إلا ما يقولان.. ومن قال غير ما يقولان حكم عليه بالكفر.. ومن لم يعجبه قولهما حكم عليه بالكفر أيضا.. حرام أن تقول غير ما يقولان.. وحرام أيضا ألا ترضي لهما قولا.. هما لم يطلبا هذا التقديس ولكن الناس في قريتي أضفوا عليهما القداسة.. لا ذنب للصنم ولكن الذنب ذنب من يعبده.. كان أحد الشيخين يمسك بخيطين أحدهما أسود والآخر أبيض في كل ليالي رمضان.. ويظل الناس يأكلون ويشربون وهم ينظرون إلي الخيطين حتي يتبينوا من بعيد لون كل خيط.. وكان هذا يستمر بالطبع إلي ما بعد الفجر ولم تكن في القرية كهرباء وإذا كانت الليلة مقمرة تجري التجربة في غرف مظلمة.. ورضي الناس بهذا التفسير للآية الكريمة: "وكلوا واشربوا حتي يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر".
وكان الشيخ الآخر وهو تلميذ الأول يقول: إن الدليل علي أن الإنسان مخلوق من الطين أن المرء لو حك جسده بأظافره فسيجد عليها الطين أو ذرات الطين. وكان يكفر من يقول بدوران الأرض.. وكان كبارنا في القرية وفي العائلة يرون رأيه بأن الجغرافيا كفر.. وكانوا ينصحوننا حلا للمشكلة بأن نكتب في الامتحان أن الأرض تدور لكي ننجح ولكن لاينبغي أن نؤمن بذلك.
هذا هو أفيون الشعوب الذي تحدث عنه كارل ماركس.. تفسير النصوص الدينية هو الأفيون وليست النصوص نفسها.. دين الفقر.. وفقر الدين.. إنه الإجماع علي الباطل.. والأغلبية الغبية التي إذا شرقت فعلي العاقل أن يغرب.. وإذا ذهبت يمينا فعلي العاقل الذي يود النجاة بنفسه أن يذهب شمالا..
في زمن غثاء السيل ينبغي علي الحصيف أن يبحث عن القلة ليكون معها.. في زمن الفتن التي كقطع الليل المظلم ينبغي علي الواعي أن يخالف.. فإذا قام الناس قعد.. وإذا قعدوا قام وإذا جلسوا اضطجع وإذا اضطجعوا جلس.. وإذا استيقظوا نام وإذا ناموا استيقظ.. القياس الصحيح والعاقل للرأي العام وما نسميه نبض الشارع "إنك تعرف الناس عايزين إيه وتعمل عكسه".. أن تسبح ضد تيار الإجماع والأغلبية والكثرة.. صدقني "مافيش حل تاني".. لا تزاحم لأن الزحام دائما علي الرديء.. لا تدخل السينما لأن الفيلم "مكسر الدنيا".. لأنه مليون في المائة فيلم تافه وحقير.. الكتاب الأكثر مبيعا هو الأتفه والأقل قيمة.. الحائز علي أعلي الأصوات هو أتفه المرشحين وأكذبهم وأكثرهم نفاقا وبهلوانية.. البرنامج الأكثر مشاهدة.. الصحيفة الأكثر توزيعا.. الكاتب الأشهر.. الفنان الأكثر نجومية.. السلعة "اللي ماشية زي النار".. الداعية الأكثر تأثيرا.. الحزب الأكثر أنصارا وأعضاء.. كل هؤلاء هم الأتفه والأقل قيمة.. الأكثر كلاما أكثر كذبا وأقل فعلاً.. راهن علي المخالفة وستكسب الرهان..ولو راهنت علي الموافقة فسوف تخسر.
التقسيمات والتصنيفات في وطن الغثاء وهمية.. لا تصدقها ولا تركن إليها شيئا قليلا أو كثيرا.. لا يوجد ليبراليون ولا علمانيون ولا ثوار ولا إسلاميون ولا إخوان ولا سلفيون.. إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان.. اختلاف أسماء الأصنام "ما يفرقش"- هبل- اللات- العزي- مناة- الهدف واحد والمصير واحد "والخيبة الثقيلة" واحدة.. وتقسيمات الليبراليين والعلمانيين والإخوان والسلفيين وهمية مثل تقسيمات الأصنام تماما.. إنها سبوبة لأصحابها "نحتاية".. لقمة عيش.. تماما مثل عبادة الأصنام.. لم يكن عبدة الأصنام يؤمنون بها ولكنها كانت سبوبة ولقمة عيش للكثيرين.. الكهنة والسدنة والقبائل.. كانت الأصنام مصدر رزق وقاتل أصحابها لا إيمانا بها.. ولكن حفاظاً علي لقمة العيش- نفس ما يحدث الآن في وطني لا تصدق أنها مناهج ومباديء وأفكار يؤمن أصحابها بها.. ولكنها سبوبة.. الثورة سبوبة.. والأخونة والسلفنة والعلمنة واللبرلة والحزبنة والائتلافات والحركات.. كل هذه سبوبة ولقمة عيش حلوة.. ومصدر رزق.. لذلك يتمترس أصحابها حولها ويقاتلون دونها لا دفاعا عن قيمة أو مبدأ أو دين. ولكن دفاعا عن "النحتاية" ولقمة العيش والسبوبة.. تماما كما دافع عبدة الأصنام عنها.. وكما يدافع البلطجية والهجامون واللصوص وقطاع الطرق عن مصادر رزقهم ولقمة عيشهم.
* * *
والناس يتقلبون علي الائتلافات والحركات والأحزاب والجماعات تلبية لنداء بطونهم وجيوبهم لا تلبية لنداء المبدأ والعقل والقيم والدين.. "اللي تكسب به العب به".. يمسي المرء "حزب وطني".. ويصبح حرية وعدالة.. ويصبح وفديا ويمسي "حزب نور".. ويمسي فلولا ويصبح ثائرا.. الناس في وطن الغثاء يغيرون انتماءاتهم كما يغيرون جواربهم.. وإذا أردت أن تكسب أنصارا فخاطب الناس علي قدر بطونهم لا علي قدر عقولهم.. خاطب الناس علي قدر جيوبهم لا علي قدر قلوبهم.. كل شيء في وطن الغثاءنزل المزاد.. من يدفع أكثر يكسب أصواتا أكثر.. إنه فكر الفقر وفقر الفكر معا.. العامل الاقتصادي هو الفوقي كما تقول الشيوعية.. لذلك ذابت الفروق تماما بين البلطجي والسياسي.. وبين الجراح والجزار.. وبين الطبيب والحانوتي.. وبين الصحفي أو الاعلامي والنصاب وبين الدعاة والحواة.. وبين الشاعر والداعر وبين العسكر والحرامية.. حتي أهنا المظاهر الإسلامية واللحية والنقاب والجلباب والخمار.. هناك مئات بل آلاف يستخدمون هذه المظاهر عدة نصب واحتيال.. المتسولة المنتقبة تكسب أكثر والنصاب الملتحي لا يلقي مقاومة من الضحية.. والساقطة المحجبة أعلي سعرا.. "شوف السوق عايز إيه وإديله".
انتشار المظاهر الدينية لا يعني أبداً شيوع التدين.. بل يعني شيوع عدة جديدة للنصب والاحتيال.. يعني انتشار النفاق واللصوصية والسقوط بأساليب وطرق وأدوات عصرية مطلوبة في السوق.. تماما مثل شيوع صالونات المحجبات وأزياء المنتقبات.. ومكياج المتدينات.. "السوق عايز كده".. وهناك خبراء تسول ونصب واحتيال وسقوط. مهمتهم دراسة السوق ومعرفة ما يريد الناس وما يجدي معهم ليقعوا ضحايا وفرائس بسهولة وبلا مقاومة.
كل زمان في وطن الغثاء له أساليبه في النصب والاحتيال.. كان النصب بالاشتراكية وتحالف قوي الشعب العاملة.. ثم صار النصب بالانفتاح والسلام والخيار الاستراتيجي والخيار البلدي.. ثم أصبح بالخصخصة والصحوة الكبري ثم الآن بالنهضة وبالدين.. تتعدد الأساليب والنصب واحد.. تتعدد الطرق والغش واحد.. الآن يشترون بآيات الله ثمنا قليلا.. تتعدد أسماء الرقصات والهز واحد.. رقصة سياسية.. رقصة ثورية.. رقصة دينية إخوانية سلفية.. رقصة ليبرالية.. رقصة علمانية "الكباريه واحد.. والبيست واحد.. والزبائن السكاري وما هم بسكاري ما تفرقش معاهم.. وهات يا نقوط وتصفيق ومكاء وتصدية".
كان صديقنا زمان ونحن طلاب في الجامعة يسير مع "الحتة بتاعته" في الشارع فلقيه متسول وقال له: "إديني حاجة ربنا يخليك" فتجاهله ولم يعطه. فقال له المتسول: "اديني حاجة لله ربنا يخليلك الهانم الحلوة اللي معاك".. فدس يده في جيبه وأعطاه مبلغا كبيرا.. روي لي صديقي هذه الرواية وقال لي: هذا المتسول يصلح رجل إعلام عبقرياً لأنه أجبرني علي أن أعطيه عندما أشعرني بملكيتي لهذه الفتاة الجميلة.. لم أستطع مقاومته ورضخت له.. وربما أعطيته لأنه أحرجني أمام فتاتي فلو لم أعطه فإن ذلك يعني أنها ليست عزيزة عندي.
الساسة وأهل الدين والثوار وأهل الأحزاب كلهم متسولون أو نصابون ويستخدمون طرقا كثيرة لتسول أصواتنا وتأييدنا وولائنا والنصب علي عقولنا والضحك علي ذقوننا.. في مصر لا توجد سوي غاية واحدة هي التكسب والتربح.. لكن الوسائل هي التي تتعدد.. بالإعلام وبالصحافة والسياسة والدين.. بالعلمنة واللبرلة والأخونة والسلفنة.. بالثورة.. بالمعارضة.. بالتأييد.. بالمليونيات.. هذه كلها ليست مناهج ولا قناعات ولا ولاءات ولا مباديء ولكنها وسائل للتكسب والتربح والنصب والاحتيال والتسول.. السياسة والدين والثورة والمعارضة والتأييد والأخونة والسلفنة والعلمنة.. وكل ما يخطر ببالك مشاريع تجارية وليست قناعات ومباديء.. وهي تدر دخلا أضعاف أضعاف مشاريع المقاهي والأكشاك والتكاتك والتاكسي الأبيض أو الأسود.. وهي مشاريع معرضة للفشل أو النجاح مثل المشاريع التجارية تماما.. ومن يدخلها علي أنها قناعات ومباديء وانتماءات فكرية يخرج منها "ملط".. ومن يدخلها علي أنها سبوبة ويجيد إدارتها يكسب منها الملايين.. هناك اعلاميون نصف كم أو "نص لبة" يحققون ملايين في الشهر الواحد.. وهناك اعلاميون نجوم "موش لاقيين ياكلوا" لأنهم فهموها كفاءة ومباديء ورسالة ولا يساوون في السوق جناح بعوضة.. هناك ثوار أصبحوا مليونيرات من سبوبة الثورة.. وهناك ثوار "خدوها جد" وخرجوا من المولد بلا حمص.. هناك من درت عليهم السياسة الملايين.. هناك من أثروا بالأخونة والسلفنة والدعوة الدينية.
* * *
هناك من صاروا مليارديرات من لعبة الانتخابات.. هناك مليارديرات حرب ومليارديرات سلام.. ومليارديرات انغلاق ومليارديرات انفتاح.. هناك أغنياء الاشتراكية وأغنياء الرأسمالية.. هناك أغنياء الفساد.. وأغنياء برامج الإصلاح.. هناك من يضعون أيديهم في التراب فيتحول إلي ذهب.. ومن يضعون أيديهم في الذهب فيتحول إلي تراب.. والصنف الثاني يضم "بتوع المباديء والرسالة والقيم".. وفي مصر لا يوجد منطق ولا موضوعية ولا إجابة لسؤال: لماذا؟ "هو كده".. الثراء فاحش وغير منطقي ومفاجيء.. والفقر مدقع وغير منطقي.. والثراء الفاحش وغير المنطقي والمفاجيء لا يتحقق إلا بتجارة المخدرات أو الدعارة.. أو تجارة السياسة والدين... لا يوجد تفسير آخر.. والذي يتولي الإصلاح في مصر فاسد من "ساسه لراسه".. هذا في كل عصر.. مصلحو الماضي صاروا فاسدي الحاضر.. وفاسدو الماضي صاروا مصلحي الحاضر.. والذي كان جانيا صار مجنيا عليه.. والذي كان مجنيا عليه صار جانيا.. وكرسي الحكم أو المسئولية في مصر يتناوب ويتعاقب عليه فاسدون ومفسدون وموتورون ومتشفون.. إنه تراث العبيد المماليك.. كل حاكم جديد يمضي عهده كله في شطب السابق ومحوه وإزالة اسمه من الأسبلة والمساجد ومحطات المترو وبطولة حرب أكتوبر أو حرب التتار في عين جالوت.. كل حاكم جديد يفعل ما فعله الظاهر بيبرس في سيف الدين قطز.. قتل بيبرس قطز وصار بدلاً منه بطل موقعة عين جالوت وقاهر التتار ومؤسس دولة المماليك.
والمصريون دوما يجيدون صناعة أصنام من لحم ودم.. ويصنعون تاريخا لمن لا تاريخ له.. وبطولات لمن يخاف من خياله.. والزعماء الذين خلدهم التاريخ وطبل وزمر لهم وتمددوا في صفحات كتاب تاريخنا هم الذين لم يفعلوا شيئا.. وهم الأقزام الذين جعلناهم بالنفخ فيهم عمالقة.. والزعماء والمبدعون الذين حققوا أمجاد هذا الوطن لم يحظوا سوي بسطر أو سطرين في كتاب تاريخنا.. هذه قاعدة لم تشذ أبدا في السياسة والفن والصحافة والاعلام والقانون والثورة.. النكرات تحولوا إلي معارف والمعارف تحولوا إلي نكرات.. قزمنا من يستحق العملقة.. وعملقنا من يستحق التقزيم.. كان سعد زغلول خطيبا بارعا.. بينما كان عدلي يكن سياسيا عملاقا.. فصارت النجومية للخطيب والتخوين للسياسي الفذ.. كان مصطفي كامل خطيبا لا يشق له غبار.. وكان محمد فريد وطني الفعل والقلب.. فصار مصطفي كامل نجما وصار محمد فريد في طي النسيان.. قل ذلك عن الجميع.. قل ذلك عن كل من تعرفهم ووردت أسماؤهم في كتاب التاريخ.. الزعماء الحقيقيون والمخلصون لثورة يوليو لا يعرفهم أحد.. والأبطال والزعماء الحقيقيون لثورة يناير لا يعرفهم أحد.. وسرق النصابون الكحل من عين مصر.. سرقوا الثورات والانجازات ومقاعد السلطة.. هذه هي مصر "هي دي مصر يا عبلة".. البلهاء يطبخون ويكلفون.. والنصابون يلتهمون الطعام كله.. أكذبنا وأكثرنا نصبا واحتيالا في كل مجال هو أشهرنا وأعظمنا وسيدنا "وتاج راسنا".. مصر منذ زمن طويل يحتل فيها القمة من ينبغي أن يكون أسفلها.. مصر من زمان تري عاليها سافلها وسافلها عاليها.. مصر من زمان "دايرة علي حل شعرها".. منذ ضبطها الشاعر عبدالرحمن الأبنودي "عالترعة بتغسل شعرها-جانا نهار ما قدرش يدفع مهرها".. لا تراهن يا صديقي علي شيء أو علي شخص في وطن الغثاء والرويبضة.. قل: أسود إذا رأيت إجماعا علي اللون الأبيض.. إذ قالوا لك: عجل.. فاحلبه.. وستجد أنه بقرة.. فر من الإجماع والأغلبية في وطن النصابين فرارك من المجذوم والأجرب.. يا أخي هذه سنة الله فلا تخالفها.. الناس إلي أسوأ.. وقرية سدوم لم يكن فيها غير بيت من المسلمين.. والإجماع بعد ذلك كان علي المنكر وكلما تعاقب الزمان صرنا إلي الأسوأ.. وفكت مصر ضفائرها أكثر.. من أجل ذلك "شوف الناس رايحين فين وامشي عكس اتجاههم".. خالف تسلم.. والله أعلم!!
نظرة
مصر اليوم.. وكل يوم في عيد.. وأقبل العيد ولكن ليس في الناس المسرة.. لا أري إلا وجوها كالحات مكفهرة.. وعيونا باهتات قد كساها الهم صفرة.. وشفاها تحذر الضحك كأن الضحك جمرة.. لا يوجد عيد خارج الوجدان.. العيد في القلب حتي في غير أيام العيد.. ومصر شبعت أعيادا لكنها جائعة للفرحة.. جائعة للسعادة.. مالحة في عيوننا القصائد.. مالحة ضفائر النساء والليل والأستار والمقاعد.. مالحة أمامنا الأشياء.. يا وطني الحزين حولتني من شاعر يكتب شعر الحب والحنين.. إلي شاعر يكتب بالسكين.. وكلما كثرت الأعياد دل ذلك علي غياب القيم.. كلما كثرت المناسبات دل ذلك علي غياب الحقائق.. لذلك عندما غاب الحب اخترعنا عيد الحب.. وعندما غاب بر الوالدين اخترعنا عيد الأم.. وبعد ما يسمونه ثورة يناير زادت أعيادنا أضعافا.. ففي كل يوم لنا عيد.. لأننا في كل يوم لنا وقفة.. وفي كل يوم لنا ألف ضحية!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.