* قاتل الطفلين بالطالبية مثل بجثتيهما لمدة ساعة.. وجه خلالها 75 طعنة لهما. * أب يتخلص من ابنه المدمن بقتله بالسكين. * زوجة وأولادها يتخلصون من الوالد بتخديره وفصل رأسه عن جسده ومحاولة تقطيع الجثة ثم حرقها والقائها فى منطقة معزولة. * أب يقتل طفلتيه بإلقائهما أحياء فى ماسورة للآبار الجوفية بوادى النطرون. * العثور على موظف مذبوحا داخل شقته بمدينة الرحاب. * زوج الخادمة قتل هالة فائق بالغلط.. كان يقصد والدتها. * أستاذ قصر العينى يصنع فيديوهات فاضحة للزبائن. * سائق يقتل مطلقته ووالديها وشقيقها وخطيبها بالآلى. * كتيبة إعدام من أربعة أشخاص (رجلان وامرأتان) لقتل فتاة شكا فى سلوكها. * هبة ونادين. * رجل يقتل أطفاله الثلاثة بالسيف خوفا من غزو الروم. * مهندس يقتل زوجته وابنه وابنته بالبلطة فى لحظة جنون. * ثم ظواهر محاولات القتل الجماعى كتفجيرات الأزهر.. تليها تفجيرات كنيسة العذراء بالزيتون.. فاضل المعبد اليهودى عشان تحدث المساواة.. أو القتل الوحشى بأن تصل جرائم الاعتداء على الأطفال إلى قتل 352 طفلا فى 6 أشهر فقط.. أو المعنوى بانتشار اغتصاب الأطفال إناثا كانوا أو ذكورا.. ويصل الأمر إلى اغتصاب عجوز تبلغ من العمر 95 سنة !!!!!!! هو كله قتل قتل؟.. مفيش شتيمة؟.. وسؤالى ليس من باب الفكاهة أو التريقة.. فها نحن «حزب الزهقانين» نعود مرة أخرى لنعلن زهقنا وقرفنا واشمئزازنا مما يدور حولنا.. وننظر فى حسرة إلى أيامنا الجميلة فى هذا البلد.. عندما كان هذا الشعب يحمل هوية مختلفة.. ويتحلى بأخلاق مختلفة.. ويفهم الأمور بشكل أكثر وعيا.. وينظر للحياة نظرة أكثر تفاؤلا. الله يرحم أيام الخناقات الصوتية.. يوم كان المصرى إذا ما تطاول على أخيه ونوى سبه أن يقول له «يا مغفل»!! وإذا اتجنن فى دماغه يمد إيده بجوز بوانى فيتدخل الشارع كله لفض الخناقة.. وصلى عالنبى والطيب أحسن.. ثم «ها.. مين هناك» من عسكرى الداورية تلزم كل حد حده.. وينتهى الأمر ببوستين عالخدين.. وما تآخذنيش يابن والدى الشيطان شاطر.. الشيطان كده شاطر؟.. أمال دلوقتى الشيطان إيه؟.. دكتوراه فخرية؟.. حاصل على نوط الجدارة؟.. وحيث إننا نحمل لواء اللطم على الأيام الجميلة.. فمن الضرورى أن نتساءل عما حدث لنا.. كيف تغيرنا بهذا الشكل المرير؟.. ما الذى جد علينا؟.. ويتبارى المحللون لهذه الظواهر فى رصد الأسباب التى يتمثل معظمها فى الفقر والفساد والضعف الأمنى وانعدام الثقة فى الحكومة وما يمثلها وانعدام الوازع الدينى!!!!!! فإذا كان أول الأسباب هو الفقر.. نصرخ فى استنكار.. فقر؟.. ما طول عمرنا فقرا.. طول عمرنا نعانى شظف العيش.. نخرج من حرب لندخل الأخرى.. نشد الحزام حتى لم يعد هناك وسط يتشد عليه.. لدينا أزمات وخطة خمسية لا تتحقق أبدا.. نسمع عنها فى السنة الأولى.. ثم تختفى.. لانرى لها رأسا ولا ذيلا.. إلى أن نفاجأ بخطة جديدة خمسية.. وخمسة وخمسة يبقوا عشرة.. وخمسة فى عشرة يبقوا خمسين.. ما الجديد؟.. إن فقرنا زمان كان مقرونا بكثير من العفة.. كنا نفلسف حياتنا حتى نتغلب على هذا الفقر.. كان الفقراء يحاربون الفقر بالعلم.. إن لم يكن فى المدارس فيكون بالثقافة.. إن لم يكن بالفن مثل المسرح والسينما والموسيقى والشعر والرسم والنحت.. يكون بالتراث الشعبى والمواويل والحكاوى وصندوق الدنيا الذى كان لا يحكى إلا عن النماذج البطولية.. كانت السهراية تستوجب شاعر ربابة وناى وعفيطة وملاعيب شيحة وحكاء من الجيل القديم يحكى عن المصرى كريم العنصرين.. كان المولد هو البديل للأوبرا والميوزيك هول والسيرك القومى ومهرجان التسوق.. وكانت النكتة المصرية هى البلسم والترياق ودليل المهارة والذكاء والفلسفة وسلاح المقاومة الشعبية.. لهذا كنا أصحاء.. كان الطلبة يذاكرون تحت عمود النور أيام ما كان بينور بالليل.. ولهذا كان لدينا مدرسون محترمون ومعلمون لا يمكن نسيانهم سواء فى المدارس أو الجامعة.. لا يتسولون الدروس الخصوصية وبيع المذكرات وتسريب الامتحانات وإنجاح أولادهم بالعافية.. وإذا عددنا ما كان جميلا فى حياتنا سيتحول الأمر إلى فاصل من التعديد والنواح وشق الجلاليب وإهالة النيلة على رءوسنا.. إذن الموضوع مش فقر مادى.. الموضوع فقر معنوى.. لا يتعلق بفراغ البطون.. ولكن فراغ العقول.. وكأن يدا خفية غرست حقنة فى أمخاخنا وعملت عملية بذل للسائل الهلامى الذى يميزنا عن البهائم. أما باقى الأسباب فنرى أنها تتلخص فى انعدام الهوية المصرية الأصيلة.. ففساد الحكومة هو فساد ناس.. والرشوة يرتكبها ناس.. والتحرش والاغتصاب وسرقة الأعضاء والنصب والاحتيال والضعف الأمنى وكله كله يأتى من ناس ضد ناس.. وليس هناك فريق ظالم وفريق مظلوم.. بل يتبادل الجميع الأدوار كل فى موقعه، متعللا بظروفه.. مستحلا دم الآخر.. الكل بلا هوية.. الكل فاقد للمبادئ.. الكل كاره الوطن وغير منتمى له.. الكل لديه مبررات.. وحتى لا تقوم القيامة من كلمة الكل هذه.. نصدر الإكليشيه المعتاد.. البعض وليس الكل. إن فلاسفة هذا الزمان الكئيب يسبون مصرنا التى جئنا منها وترعرعنا فيها.. يقولون إن زمانكم كان فاجرا علمانيا جاهليا.. كان لديكم من يتغنون بالشيوعية ومبادئ الإلحاد وتقرضون شعرا فاجرا.. حتى أديبكم الذى تتغنون به حامل جائزة نوبل الفاجرة كان ملحدا مشركا وجب قتله.. وفنكم يفضح هذا العهر.. كان رجالكم يشربون الخمر ويلعبون الميسر فى الأفلام.. ونساؤكم يرقصن الرقص الشرقى بالبدلة الفاضحة ويرتدين المايوه والميكروجيب.. وتقبلون بعضكم البعض من البق.. هذا هو كل ما أخذوه على الفترة.. يا لسعة الأفق.. ونجد أنفسنا نبادل الردح بردح آخر.. لا يا سادة.. طالما أنكم تعتبرون أنفسكم سادة هذا الزمان والعقل المفكر له.. وتختلسون النظر إلى قيادته والجلوس على عرشه.. ألم تلاحظوا شيئا؟ ألم تلاحظوا أن العوار الذى أصاب المجتمع يصب معظمه فى فساد الهوية؟ وأن الفساد الذى يعم الأغلبية يتعلق بالضمير؟؟.. وأن الضمير له علاقة وثيقة بالأخلاق والفضيلة؟.. وأن ذلك يعنى فى المقام الأول اختلاط المفاهيم وازدواجيتها؟.. وأن العملة أصبح لها وجهان.. ماكان حرام زمان أصبح حلالا والعكس صحيح؟.. ففلوس الحكومة حلال.. الموظف مثلا يتقاضى الرشوة بمنطق إنه بيساعد الحكومة وبيزود دخله.. والحكومة متغاضية بدل ما يطلب منها علاوات.. النصاب يستحل مال الحرامية مرتديا زى روبين هود.. والمنصوب عليه قلما يقوم بالإبلاغ لأن فلوسه من ورا الضرايب.. وهكذا.. إن ما يصيبنى بالجنون هو ذلك المظهر الدينى الذى أصبح يغطى بلادنا.. فالجوامع ممتلئة عن آخرها.. والشعائر تقام فى مواعيدها.. والقنوات الفضائية تعيش من خير البرامج الدينية.. والدعاة يملأون الأثير بالفتاوى فى كل شأن صغير وكبير.. ويتدخلون فى تفاصيل الحياة ويدخلون مع المواطنين داخل غرف نومهم وحماماتهم.. وإذا ما فتح الهواء لأسئلة المشاهدين.. تشعر وكأن الشعب أصبح لا يتحرك قيد أنملة إلا من خلال الفتاوى.. فيسأل فى أدق تفاصيل حياته.. وكأنه لا علم فى الكون ولا طب ولا فلسفة ولا قانون إلا من خلال الإفتاءات.. وكأن المجتمع كله أصبح من الملائكة.. ثم تنظر حولك فتجد كل هذا الفساد والعشوائية وانتهاك الأعراض والاغتصاب والسرقة والغش والنصب ثم أخيرا جرائم القتل التى تشعرك أن الناس بدأت تفقد عقلها فعلا.. وهو ما يدل على أن الخواء قد اكتمل.. وأن الناس أصبحت مجوفة من الداخل لا تحكمها عقيدة ولا أخلاق ولا وازع دينى ولا أى شىء. ألا يحتاج الأمر إلى إعادة النظر فى كل شئ.. بادئين بما هو الأكثر والأسرع تأثيرا.. الخطاب الدينى.. بعيدا عن هؤلاء الذين يطمعون فى الكراسى.. فإذا استمر الحال على ما هو عليه.. ستتحول الكراسى إلى خوازيق.. لقد فقدنا الفضيلة التى كنا نتمتع بها فى عصر زهو مصر بثقافتها وعلمها وريادتها.. ذلك العصر الذى يسمونه عصر الميكروجيب.. فإذا كانت تلك تهمة.. فمرحبا بها.. ومرحبا بفضيلة الميكروجيب.