إذا أردت أن تشاهد صورة مصغرة من مشاهد حشر يوم القيامة وارتباك البشر وحيرتهم في ذلك اليوم الرهيب فعليك أن تذهب لتجديد رخصة سيارة أو رخصة قيادة في وحدة مرور فيصل التي تصر محافظة الجيزة علي حشرها أسفل كوبري في منطقة مكتظة بالبشر ومليئة بالبلطجية لتعذب مواطنيها وتقهرهم وتمسح بكرامتهم الأرض. الزحام الشديد الذي تشهده وحدة مرور فيصل لا يتصوره عقل. ولا يتحمله بشر ولا أدري كيف يتحمل العاملون في هذه الوحدة من ضباط وموظفين هذا الضجيج اليومي دون ان يحدث لهم صرع أو يتقدمون باستقالاتهم من هذا العمل المرهق والشاق بدنيا ونفسيا بسبب عبث محافظة الجيزة وبخلها الشديد ورفضها تخصيص مكان آدمي يليق بمواطنيها الذين كتب الله عليهم شقاء امتلاك سيارة والذهاب مكرهين إلي هذه الوحدة المرورية لانهاء اجراءاتها وتجديد رخصتها. * * * ذهبت منذ يومين في الصباح الباكر لتجديد رخصة سيارتي في وحدة مرور فيصل ولأنني أعرف الوحدة والزحام الشديد عليها جيدا حاولت الاستعانة بمن يساعدني علي التغلب علي الطوابير الطويلة والمشاجرات التي تحدث بين المواطنين امام كل شباك وبعد رحلة عذاب استغرقت عدة ساعات نتيجة الزحام عدت سعيدا بالرخصة الجديدة وفي ذهني المشهد الرهيب ولا يتوقف عقلي الباطن عن التساؤل: لماذا تقبل وزارة الداخلية العمل مع المواطنين في أماكن غير آدمية وأراضي الدولة توزع علي المحاسيب والفاسدين بملاليم؟ ولماذا تقبل الوزارة إهانة ضباطها وموظفيها وحشرهم تحت كوبري في منطقة يحيط بها التلوث من كل جانب؟ والي متي سيظل التعامل مع وحدات المرور رحلة عذاب تدفع بعض المواطنين أحيانا إلي السير برخص سياراتهم منتهية حاملين هم هذه الرحلة الشاقة والمبالغ التي تدفع فيها كرسوم ما أنزل الله بها من سلطان دون تقديم خدمات ميسرة أو اجراءات بسيطة؟ * * * في مكتب رئيس وحدة المرور العقيد أيمن الغريب والذي لجأت إليه للاستفسار عن اجراء مروري خاص بسيارة ابني شاهدت كوكتيلا من مشاكل المواطنين مع وحدات تراخيص المرور. ورغم هدوء اعصابه ومرونته واجادته لفن التعامل مع البشر دون صدامات إلا ان مشكلات المواطنين مع المرور لا تتوقف وعدم وعي بعض المواطنين بضرورة أن تكون الاجراءات سليمة يؤدي إلي تعطيل العمل واحيانا توتره ويساعد علي ذلك جرأة البعض أو تبجحهم في التعامل مع الشرطة بعد الثورة واصرارهم علي تلبية رغباتهم حتي ولو كانت مخالفة للقانون. سألت أحد المسئولين بوحدة مرور فيصل عن متوسط عدد المواطنين الذين يترددون علي الوحدة يوميا والذين يحشرون في هذا المكان غير الآدمي؟ قال: يتردد علي الوحدة يوميا أكثر من ثلاثة آلاف مواطن لهم اجراءات متنوعة معظمها تجديد رخص سيارات يتم انجاز مصالح 1200 منهم وهذا يعد أكبر رقم تنجزه إدارة مرور حيث تضم وحدة مرور فيصل المحشورة تحت الكوبري كثافة سكانية عالية فهي تضم سكان أحياء الهرم وفيصل والعمرانية وهؤلاء يشكلون معظم سكان مدينة الجيزة. * * * الشيء الوحيد الذي عدت سعيدا به من وحدة مرور فيصل هو تسديد ثمن ثلاث مخالفات للحديث في المحمول وعدم ربط الحزام طوال ثلاث سنوات مضت بعد أن حاولت اقناع وكيل النيابة بأن مخالفات عدم ربط حزام الأمان والتي كانت مطبقة قبل الثورة كان يتم فيها الدفع أو سحب الرخصة وان هذه المخالفات وهمية وانني لم أتعود علي مخالفة قواعد وضوابط المرور واحترم عسكري المرور اكثر من احترامي لوزير الداخلية فأصر علي أن ادفع أو اتظلم حيث انه لم يعد من صلاحيته أو بمقدوره مجاملة أحد واعفائه من دفع مخالفة. فدفعت 320 جنيها وخرجت سعيدا بعد أن تذكرت ما كان يحدث سابقا من الصلاحيات الواسعة لوكلاء نيابة المرور والذين كانوا بموجبها يمكنهم مجاملة من يريدون واعفائه من دفع المخالفات أو الغاء بعضها. قلت لوكيل النيابة: لا ينبغي اعفاء أحد من مخالفات المرور خاصة في هذا الوقت بعد ان اصبحت شوارعنا مسرحا مفتوحا لكل المخالفات والتجاوزات ولا ينبغي تمييز مواطن علي آخر حتي ولو كان من رجال النيابة فأبدي وكيل النيابة الشاب موافقته وتأييده لمبدأ المساواة بين المواطنين.. لكن هل سيلتزم زملاؤه ورؤساؤه بذلك.. الله وحده أعلم. * * * وفي النهاية تبقي عدة تساؤلات: لماذا لا يذهب محافظ الجيزة الذي يقع مكتبه علي بُعد امتار من هذه الوحدة بزيارة مفاجئة لها ليري معاناة الآلاف من مواطني محافظته بسبب حشرهم تحت كوبري؟ ولماذا لا يخصص المحافظ قطعة أرض مناسبة بعيدا عن الكتلة السكنية لتقام عليها وحدة مرور حضارية تريح المواطن والموظف وتنهي التكدس المروري في مناطق مكتظة بالسكان؟ ومن هو العبقري الذي يري أن المكان المناسب لوحدات المرور اسفل الكباري ليقترح نقل هذه الوحدة المرورية المهمة والتي تخدم عدة ملايين من البشر من أسفل كوبري فيصل إلي أسفل كوبري المريوطية؟! سيادة المحافظ: من واجبك توفير بديل محترم للمكان غير الآدمي لوحدة مرور فيصل وإذا لم يكن بمقدور محافظ الجيزة حل هذه المشكلة البسيطة فعليه ان يحترم نفسه ويترك موقعه لمن يستطيع ان يحل المشكلات ويتخذ القرارات.