كنتُ أعتزم الكتابة عن مذبحة القصور والاشجار التي تشهدها منطقة ما وراء مبني محافظة الجيزة خاصة شارع أحمد كامل منذ نحو عامين ، ولكن شاء سوء حظي أن اتعرض شخصيا لتجربة إنسانية قاسية اضطررتُ لخوضها من أجل تجديد رخصة سيارتي الخاصة ..ذهبتُ الي وحدة مرور فيصل "المحشورة " في حيز ضيق تحت الكوبري في مكان لا يصلح لأي استخدام آدمي ، ومع ذلك وقع اختيار إدارة المرور عليه لإنجاز التراخيص الخاصة بآلاف البشر والسيارات كل يوم وكأنها تتعمد معاقبة وتعذيب مواطني المنطقة الذين يدفعون عن طيب خاطر ملايين الجنيهات ضرائب ودمغات ومخالفات وتأمينا إجباريا ( دفعت 200 جنيه تأمينا إجباريا دون أن أعرف أين يذهب هذا المبلغ بالضبط ؟!).. وسط هذه المعاناة التي تفوق احتمال البشر تذكرت ُ شكوي متكررة جأر بها علي مسامعي العديد من سائقي التاكسيات الجديدة من أن هناك إدارة مرور واحدة مخصصة لهم في منطقة "التبين" عليهم مراجعتها كل ثلاثة أشهر وذلك يستغرق منهم يوما أو يومين علي الاقل إلا من يسلك الطرق الملتوية ؟!!..فضلا عن شكاواهم الكثيرة والمريرة من أصحاب توكيلات السيارات والبنوك الذين يعاملونهم بمنتهي الإذلال والتعسف!!.. وتساءلت كما تساءل غيري كثيرون لماذا لا توفر وزارة الداخلية مكانا واسعا وملائما حتي ولو في صحراء 6 أكتوبر لإقامة وحدات مرور نموذجية تنهي كل الاجراءات في ساعة واحدة دون أن يضطر المواطن الي تكبد كل هذا العذاب العبثي ، ناهيك عن تضييع الوقت والطرق الملتوية التي نعرفها جميعا وصارت من أساسيات التعامل بين المواطنين والمصالح الحكومية؟!..ذلك لن يسهل مهمة المواطنين فقط ولكنه يوفر الآلاف من فرص العمل لشبابنا العاطل..!!.. ولكن يبدو أن إدماننا لبيروقراطية قهر الناس وتعذيبهم صار مرضا مزمنا يستعصي علي الحل.. وإلا لما جرؤ احد الموظفين في وحدة مرور فيصل علي شتم المواطنين وسبهم علنا..ولما جرؤت موظفة الخزينة علي إغلاق الشباك قبل موعدها بساعة للتفرغ لإنهاء طلبات أصحاب "الوسايط"!!.. بقي أن نعرف أن طابور فحص السيارات يسد الطريق الرئيسي في منطقة تقع في مفترق طرق لا يمكن أن تجد مثيلا لتعقيده وعشوائيته وتلوثه في أي مكان علي وجه الارض، ويكفي أن تجد نفسك محاصرا بجحافل الميكروباص واسراب التوك توك!!.. وهنا أعود الي مسئولية محافظة الجيزة ، فعندما تسمح المحافظة بهدم القصور والفلل لتقوم مكانها أبراج سكنية بلا جراجات مناسبة فذلك يعني أننا سنضيف آلاف السيارات الي الشوارع الضيقة والمزدحمة أصلا ، ونحول المنطقة الي ساحة كبيرة لانتظار السيارت لتتوقف الحياة تماما وتتعقد الامور اكثر بما لا يقاس مما هي الآن!!..ولكي أكون منصفا وموضوعيا ، لابد أن اعترف بأن هذه ليست مشكلة الجيزة فقط بل إنها معضلة القاهرة الكبري بمحافظاتها القديمة والجديدة..وهنا يبرز السؤال المُلِح الذي يؤرقني منذ سنوات والذي دأب كثير من الناس علي طرحه في الآونة الاخيرة وهو " كيف سيكون حال شوارع القاهرة بعد خمس سنوات من الآن؟!!"..وأنا لا أزعم أن لدي إجابة شافية عن هذا السؤال الصعب ، ولكني أري أن الحل هو تفريغ القاهرة علي المدي الطويل علي أن نبدأ فورا بإقامة عاصمة إدارية جديدة في الصحراء وإلا فإن العاصمة ستتحول الي منطقة عشوائية بامتياز مثل تلك الكائنة تحت كوبري فيصل!!..