نحن الآن أمام حالة من الاستقطاب الفكرى الحاد التى تصل الى درجة الغلو والتطرف بين تيارين متباينين متضادين كل يحاول صيغ الدولة والمجتمع وفقا لرؤية حصرية الطبع تختلف كليا هوية هذه الأرض فتارة تتسم هذه الرؤية بالتفريط فى أطروحة إقصاء الدين تماما عن الحياة وفصل السماء عن الأرض وتارة أخرى بالتطرف بأطروحة مضادة تطالب بتطبيق الشريعة الاسلامية وكأننا ندور فى جدلية "أن الشئ يلد نقيضه ". كل من الاتجاهين " التفريط والتطرف" لا يمكن القبول بأفكارهما لأنها تتجاهل تماما هوية وطبيعة الشعب المصرى التى صاغتها عوامل التاريخ والجغرافيا لشعب تمتد حضارته لآلاف السنين، والتاريخ يؤكد أن الكثيرين بذلوا جهدهم سواء بالفكر أو قوة السلاح للتأثير على هوية مصر ولكنهم فشلوا فالحقيقة التاريخية تقول إن من يحارب الطبيعة يخسر دائما. وهذا وذاك يستخدم الأمراض الاجتماعية المتفشية فى المجتمع من أمية وجاهل وفقر وتخلف لتخويف الناس وإفزاعهم من الاتجاه الآخر والانتصار لرأيه وجذب الأنصار والمؤيدين. فالاتجاه الدينى - وأفضل هذا اللفظ عن لفظ اسلامى- لأننا وإياهم مسلمون- حريص دائما على الترويج لفكرة أن العلمانية تعادى الدين " الاسلام" هو تعميم مضلل وغير نزيه. لأنهم يستخدمون الكلمة سواء بالمعنى اللغوى أو الاصطلاحى طبقا للمفهوم الغربى، فالعلمانية فى أوروبا وليدة مرحلة مريرة من حكم الكنسية أدت إلى إقصاء الدين تماما عن الحياة وعلمنة الدولة والمجتمع. فأصبح الشعب ممثلا فى البرلمان هو مصدر السلطات بشكل مطلق هو ما لا يمكن تطبيقه أو قبوله أبدا فى أى مجتمع إسلامى لأن الشريعة الإسلامية هى الدستور الثابت الحاكم للمجتمع المسلم فى كل زمان ومكان. - وأنا أقصد كلمة المجتمع لأن المجتمع قد يكون مسلما والنظام الحاكم - الدولة - علمانيا كما هو الحال فى تركيا. - وأنا أقصد كلمة المجتمع لأن المجتمع قد يكون مسلما والنظام الحاكم - الدولة - علمانيا كما هو الحال فى تركيا. ويستخدم الاتجاه العلمانى نفس الأمراض فى تخويف المجتمع المسلم من شرعه الاسلامى عبر الترويج لمقولة "السلطة الدينية" التى تمنح القوانين قداسة النصوص الدينية ومن فى سدة الحكم عصمة الانبياء. فبعد أن كانت الامة هى تعانى من قبل من أنظمة استبدادية تعاقبت عليها فإن هذا الجرح سيزداد عمقا والاستبداد سيزداد استفحالا وسيأخذ طبعا مقدسا وسيصبح باسم الدين..والإسلام من ذلك براء. فبعد موت النبى صلى الله عليه وسلم وانتقاله الى الرفيق الاعلى انتهت تماما العلاقة المتجددة بين السماء والأرض وليس لأحد بعد النبى صلى الله عليه وسلم التحدث باسم المولى عز وجل أو ادعاء العصمة والتحلى بصفات القدسية ومن هنا فإن كل السلطات فى الدولة الاسلامية تتسم قطعا بالطبع المدنى وهو ما نلاحظ جليا فى خطبة الخليفة الاول سيدنا أبوبكر الصديق رضى الله عنه. ولا أحد أيا كان يستطيع الزعم أنه يملك الصواب المطلق والتفسير الحصرى لكتاب الله وسنة ورسوله. فصحابة النبى الكريم صلى الله عليه وسلم والتابعون وتابعو التابعين عرفوا الاجتهاد وورد عنهم أنهم قالوا " لقد كان السابقون رجال ونحن رجال". فالنصوص الدينية -كتابا وسنة- مقدسة ثابتة والجهد البشرى المبذول لفهم هذه النصوص لا يمكن أبدا أن يتمتع بقدسية هذه النصوص وثابتها إلا فقد الاسلام سمته الاساسية فى كونها صالحا لكل زمان ومكان وأصبح تراثا تاريخيا. فالإسلام كما أنه دين ودولة، عقيدة وشريعة... هو كائن حى يتطور بمرور الزمن من جيل الى جيل بقدرة أهله على فهم نصوصه المقدسة الثابتة الكامنة فى الصدور. فالإسلام لم يعرف فى نصوصه كتابا وسنة ولا فى تاريخه الدولة الدينية ...فهو لا يعرف غير مدنية الدولة وسيلة لتقدم وتطور وعلو المجتمع المسلم.