أثار الارتفاع المفاجئ للجنيه المصري أمام الدولار الأحد الماضي حيرة المتعاملين والمستثمرين في ظل تباين آراء المصرفيين ومحللي الاقتصاد المصري بشأن أسبابه مع عدم صدور أي تصريحات من البنك المركزي أو الحكومة. وشهدت سوق صرف العملات ارتفاعا مفاجئا للجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي خلال الأيام الثلاثة الماضية وبلغ معدل ارتفاع الجنيه نحو 2% بما يعادل 20 قرشا في المتوسط، وتعد هذه أعلى قيمة يصلها الجنيه مقابل الدولار منذ مايو من العام الماضي. تفسيرات متضاربة الارتفاع المفاجئ في الجنيه أرجعه البعض إلى تدخل البنك المركزي بشكل مباشر لتحريك العملة بعد استقرارها لنحو عام فيما رأى آخرون أن ذلك الارتفاع يعود إلى تدفقات المستثمرين الأجانب على أدوات الدين الحكومية. غياب أي تصريحات رسمية من البنك المركزي أو الحكومة زاد من حيرة المتابعين وفتح الباب أمام تفسيرات متضاربة من المحللين الاقتصاديين، فريق من الخبراء يعزو الأمر إلى تدخل مباشر من البنك المركزي، خصوصا بعد موجة القلق التي أثارتها تصريحات طارق عامر محافظ البنك المركزي لوكالة بلومبيرج بأن سعر صرف الجنيه سيشهد المزيد من التذبذب بعد إنهاء العمل بآلية تحويل أموال المستثمرين الأجانب وهي آليه استحدثها مصر في عام 2013 تضمن حصول المستثمر الأجنبي على العملة الأجنبية عند رغبته في الخروج من السوق المصرية. تفسير تؤيده تصريحات مسئول مصرفي بأحد البنوك الخاصة العاملة في مصر لوكالة رويترز، والذي قال: إن ارتفاع الجنيه المصري حركة مثيرة للقلق وموجهة ليس لها علاقة بالعرض والطلب، التفسير الآخر من قبل بعض المحللين هو أن التغير يأتي بسبب زيادة التدفقات الدولارية على مصر خاصة التدفقات الأجنبية الموجهة لسوق أدوات الدين وفي مقدمتها أذون الخزانة وهو ما يؤيده تصريحات نقلها موقع مصراوي عن مصدر مسؤول في البنك المركزي بأن شهر يناير شهد عودة قوية لاستثمارات الأجانب في أدوات الدين مصرية بعد أكثر من 9 أشهر من التراجع. تحليل لا تدعمه الأرقام خصوصا مع امتناع الهيئات الرسمية منذ أشهر عن الكشف عن حجم استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية بعد تراجعها، وبالرغم من حالة الغموض فإن عددا من الإعلاميين المصريين لم ينتظر تبيان الأسباب الحقيقة للتغير وسارع إلى الاحتفال بانخفاض سعر صرف الدولار مقابل الجنيه باعتباره مؤشرا إيجابيا على تحسن الاقتصاد. ومع غياب التفسير الواضح لما شهدته قيمة الجنيه المصري من ارتفاع فإن المؤكد حسب متابعين أن الأيام القادمة هي الكفيلة بالكشف عن السبب الحقيقي لهذا التغير وعن مدى استمرار هذا الصعود خصوصا مع جدول ضخم لسداد الديون الخارجية يحوم فوق الاقتصاد المصر خلال العامين المقبلين. السر بدوره قال مصطفى عبدالسلام، رئيس القسم الاقتصادي بصحيفة العربي الجديد، إن كل التوقعات للبنوك والمؤسسات الاقتصادية الإقليمية والدولية كانت تؤكد ارتفاع الدولار بسبب سداد حكومة الانقلاب ديون خارجية بقيمة 14.75 مليون دولار، بالإضافة إلى خروج حوالي 14 مليار دولار أموال ساخنة من مصر في 2018 وأيضا تأخر وصول شريحة قرض البنك الدولي التي تبلغ ملياري دولار وكذلك إلغاء البنك المركزي آلية تحويل أموال المستثمرين الأجانب. وأضاف عبدالسلام، في حواره مع برنامج “المسائية” على قناة “الجزيرة مباشر”، أن أسباب الانخفاض ترجع إلى وجود خلاف بين مصر وصندوق النقد الدولي بسبب تأخير صرف الشريحة الخامسة من قرض الصندوق من منتصف ديسمبر إلى نهاية فبراير، وبسبب تحرير أسعار الوقود وهو ما التزمت به الحكومة وأعلنت تحرير سعر بنزين 95 في بداية أبريل على أن يتم تحرير باقي أنواع الوقود خلال الفترة المقبلة. وأوضح أن السبب الثاني الخلاف حول ثبات سعر الصرف بعد تعويم الجنيه، وهو ما دفع طارق عامر للتصريح لوكالة بلومبيرج بأن الفترة المقبلة ستشهد تذبذبات في سعر الجنيه لإيصال رسالة للصندوق بأن مصر ملتزمة بخطة الإصلاح الاقتصادي وهو ما فهمه البعض على أنه يمهد لزيادة سعر الدولار ما دفع البعض لسحب الدولار من الأسواق وسبب أزمة في السوق . تدخل المركزي وأشار إلى أن البنك المركزي اضطر للتدخل بقوة في الوقت المناسب حيث أن شهر يناير يسبق رأس السنة الصينية والتي يصاحبها ركود في الاستيراد وأيضا المستثمرين الأجانب لم يبدؤوا بعد تحويل أموالهم للخارج وبالتالي ليس هناك طلب على الدولار ما ساعد البنك المركزي مع البنوك العامة على تخفيض سعر الدولار عن طريق الدولارات التي تم جمعها من أذون الخزانة الأجنبية والتي قاربت على مليار دولار. وأكد عبدالسلام أول اختبار للشعر الحقيقي سيكون في بداية مارس وأبريل مع بداية موسم العمرة واقتراب شهر رمضان حيث يتم استيراد سلع غذائية كبيرة . حماية عامر بدوره أعرب علاء عبدالحليم، الباحث الاقتصادي، عن تخوفه من أن يكون انخفاض سعر الدولار أمام الجنيه جاء بعد تدخل البنك المركزي لحماية طارق عامر بعد تصريحاته حول انخفاض الجنيه خلال الفترة المقبلة، وهل ستوفر البنوك الدولار خلال الفترة المقبلة لرجال الأعمال والمسافرين أم سيترتب على الانخفاض عودة السوق السوداء . وأضاف أن الانخفاض لن يؤثر على الأسعار في القريب العاجل لأن التجار استوردوا البضائع بأسعار الدولار القديمة ولن يخفضوا الأسعار إلا بعد نفاد كل البضائع القديمة واستيراد أخرى بالسعر الجديد.