خبران متعارضان نشرتهما “جريدة البورصة” وموقع “إنتربرايز”، أثارا تساؤلين حول الموقف الحقيقي لسلطة الانقلاب من مظاهرات السودان وفرنسا، هل قررت السلطة التراجع عن قرارات رفع الأسعار في يونيو 2019 أو تخفيف نسب رفع الأسعار خشية الغضب الشعبي؟ أم قررت المضي قدما في خطط الجباية من الشعب غير عابئة بالرسائل التي بعثت بها مظاهرات الخرطوم وباريس اعتمادا على قوة البطش والقتل التي تلجأ لها لو خرجت أي مظاهرة؟. فقد كشفت ثلاثة مصادر لجريدة “البورصة” عن أن سلطة الانقلاب تواصلت مع مسئولي صندوق النقد الدولي، لتأجيل بعض الالتزامات المتفق عليها سابقًا (رفع الأسعار) ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، وطالبوهم بعدم ربط تلك الإجراءات (هذا التراجع) بصرف الشريحة الخامسة من قرض ال12 مليار دولار بقيمة ملياري دولار، أي أن يتم صرف ال2 مليار دولار في موعدها هذا الشهر ديسمبر 2018. وقال أحد المصادر، إن من بين تلك “الإجراءات” التي تتفاوض سلطة الانقلاب مع الصندوق لتأجيلها، إطلاق آلية تسعير المواد البترولية، تمهيدا لرفع الدعم عن أسعار الوقود نهائيا في يونيو المقبل 2019، كما أن هناك إجراءات أخرى مرتبطة بالدعم، أي رفع أسعار سلع أخرى مثل الكهرباء والمياه. وقال أحد هذه المصادر لجريدة البورصة: إن “من بين أسباب طلب إرجاء تلك الإصلاحات– أي زيادة الأسعار– “المخاوف من غضب الشارع؛ نظرا لتزامنها مع احتجاجات تشهدها عدد من بلدان العالم في الوقت الحالي”، في إشارة إلى مظاهرات السودان وفرنسا. “السيسي – لاجارد” وأكد هذه الأنباء تأكيد المتحدث باسم قائد الانقلاب، اتصال عبد الفتاح السيسي هاتفيا ب”كريستين لاجارد”، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، الجمعة الماضية، حيث قيل إنه “ناقش تطورات برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل في مصر”، وأكدت لاجارد دعمها ل”الإجراءات التي تتخذها سلطة الانقلاب لتنفيذ البرنامج كاملا”. ورغم أن بيان المتحدث باسم قائد الانقلاب لم يضف الكثير من التفاصيل، إلا أن توقيت الاتصال قد يشير إلى صحة ما ذكرته المصادر الحكومية لجريدة البورصة. أيضا كان من الملفت الاختفاء المفاجئ لمصر من جدول أعمال اجتماعات المجلس التنفيذي للصندوق للتصويت على المراجعة الرابعة، والذي كان مقررا له يوم الأربعاء الماضي، وهو ما يبدو أنه ضمن تلك المحاولات الحكومية لطلب تأجيل رفع الأسعار من الصندوق، إذ تم حذف مصر من جدول الاجتماعات دون أي إيضاحات، ولا توجد أية اجتماعات للمجلس التنفيذي للصندوق على موقعه الإلكتروني حتى نهاية العام، وهو ما يعنى أن صرف الشريحة الخامسة لمصر قد لا يتم إلا في 2019. الانقلاب ينفي التأجيل ولم يمر 24 ساعة على نشر هذه التأكيدات على لسان 3 مصادر حكومية، حتى أكد مسئول حكومي رفيع المستوى لنشرة “إنتربرايز” الاقتصادية، أن سلطة الانقلاب لم تجر محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن إرجاء أي جزء من أجندة الإصلاح الاقتصادي (رفع أسعار الوقود والكهرباء) المتفق عليها، نافيا بذلك تقارير صحفية لصحيفة البورصة. وهو ما يعني أن الانقلاب ماض في رفع الأسعار والجباية من الشعب، وأن سلطة الانقلاب لا تعبأ بمظاهرات السودان وفرنسا، وتعتمد على قوة البطش والقمع لأي تحرك أو غضب شعبي قد يخرج للشارع. وأكد المصدر ل”إنتربرايز” التزام مصر بالمضي قدما في برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، خاصة ما يتعلق بخفض دعم المواد البترولية في يونيو المقبل، لا سيما في ضوء التراجع الكبير لأسعار النفط العالمية في الآونة الأخيرة والتي يستبعد أن ترتد مرة أخرى الأشهر المقبلة. لكن المصدر أكد أن الصندوق قرر إرجاء صرف الشريحة الخامسة حتى منتصف يناير بدلا من ديسمبر الجاري، رغبة منه في مراجعة بعض البيانات، حيث يقوم الصندوق بمراجعة الميزانية المصرية والتحكم في تفاصيلها، ويأمر وزير المالية بما يفعله من رفع للأسعار ونسب الزيادات، ويقارن بين خطط السلطة وارتفاع حجم الديون والتضخم وغيره، أي أن الصندوق مقيم في وزارة المالية، وهو الذي يرسم السياسات الاقتصادية وسلطة الانقلاب تبصم على مطالبه التي تمس الفقراء والطبقة الوسطى. حصلت مصر على 4 شرائح بقيمة 8 مليارات دولار منذ توقيع القرض نوفمبر 2016، وأتمت العديد من الخطوات المطلوبة، من أهمها خفض دعم الوقود أكثر من مرة، وبحصولها على الشريحة الخامسة يكون مجموع ما حصلت عليه 10 مليارات دولار من الصندوق ستعيدها مصر بفوائد عالية، واقترضت عليها سلطة الانقلاب قرابة 40 مليار دولار أخرى منذ عام 2016، وارتفع حجم الدين الخارجي إلى 100 مليار دولار. قمع الاحتجاجات ورغم رعب وتخوف سلطة الانقلاب من ثورة جديدة مقبلة تكون أعنف من ثورة يناير، إلا أن سلطة الانقلاب تعول على أن الشعب المصري غير مستعد حاليا للقيام بثورة جديدة؛ لأسباب تتعلق بالبطش المتواصل لأي صوت معارض، والسيطرة على وسائل التواصل والصحف والفضائيات وتكميم أي معارضة، وتلفيق النيابة والقضاء الاتهامات للمعارضين. كما تعول على أن الكوادر القادرة على قيادة الثورة في السجون أو قتلت، كما أن الأجواء الدولية داعمة لسلطة الانقلاب بخلاف ما قبل ثورة يناير، لهذا لم تذكر صحف الانقلاب كلمة واحدة عن احتجاجات السودان، كأن هناك تعليمات صدرت لهم بذلك؛ خشية أن تؤثر على الشعب المصري الغاضب من رفع الأسعار وألاعيب إلغاء الدعم عن الخبز. ومع هذا فلا يجب إغفال أن هناك حالة رعب من جانب سلطة الانقلاب أن ينتفض الشعب ضدها، وهذه المرة بسبب الغلاء الفاحش، وتمثّل هذا فيما يلي: 1-طلب تأجيل رفع الأسعار في يونيو 2019 أو تقليلها لأقل نسبة، بعدما كان متوقعًا أن يكون هناك رفع ضخم للأسعار، خاصة البنزين، في ظل ما روجه قائد الانقلاب ووزراؤه عن أن سعر البنزين في أوروبا 30 جنيها!. 2-منع بيع السترات الصفراء واعتقال من يرتديها (المحامي محمد رمضان)، وحملة اعتقالات أخرى لنشطاء؛ تحسبًا لقيادتهم المظاهرات مع قرب حلول الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير 2011. 3-استمرار عمليات قتل المعارضين واعتقال المزيد، واستمرار سيارات الجباية من الشعب برسوم مختلفة. ولو صح ما ذكرته صحيفة البورصة عن طلب سلطة الانقلاب تأجيل رفع الأسعار، فهذا مؤشر مع ذلك على القلق من تصاعد الغضب الشعبي الذي ترصده أجهزة الانقلاب، ورعب الانقلاب من ثورة جديدة للشعب تنتظر فقط الشرارة مثل رفع المزيد من الأسعار. مسألة حياة أو موت ويبدو أن سلطة الانقلاب ترفض التراجع عن رفع الأسعار؛ لأن الأمر بات مسألة حياة أو موت بالنسبة لها، فلو تراجعت فسوف تفشل خططها في الجباية وتوفير الأموال اللازمة للحكومة للاستمرار في عملها، ومن ثم توقُّف الاقتصاد ككل وانهيار النظام وتسريع الغضب الشعبي، ولو تراجعت فسيعني هذا أيضا أن ما يبثه إعلام الانقلاب ويقوله السيسي عن صبر المصريين على ارتفاع الأسعار لثقتهم في الانقلاب هو محض أكاذيب. فقد وصلت الديون الداخلية والخارجية لسلطة الانقلاب إلى مستويات قد تؤدي إلى إعلان إفلاس مصر حال لم تستمر السلطة في برنامج رفع الأسعار وإلغاء الدعم لتوفير أموال للسلطة للبقاء في تشغيل الاقتصاد، كما ارتفعت نسب التضخم والبطالة بصورة غير معهودة. ومع هذا فالاستمرار في تنفيذ تعليمات صندوق النقد الدولي يؤدي إلى زيادة نسب الفقر والضغط على ميزانية الأسرة المصرية، ولأنه يواكب ذلك بطالة مستمرة بجانب رفع للأسعار لا يواكب الرواتب الهزيلة، فهناك مخاطر محققة من ثورة جياع، بينما تعول سلطة الانقلاب على أن الاستمرار في برنامج الصندوق يسمح لها بالاقتراض من الخارج لتلبية احتياجات المصريين. سيناريوهان لتأجيل القرض جاء الإعلان عن تأجيل صرف الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي، بسبب ما قيل عن وجود مشكلات ما تتعلق بملفات تنفذها الحكومة، ضمن الخطة المتفق عليها مع الصندوق، منذ نوفمبر 2016، ليطرح تساؤلات حول طبيعة هذه المشكلات ولماذا التأجيل وماذا يعني. وبرغم أن التأجيل الذي لم يؤكده أو ينفيه مسئولو الحكومة أو مسئولو صندوق النقد الدولي، فهو يحمل في طياته العديد من التساؤلات بحسب نشرة “دلتا” الاقتصادية منها: إن هناك تأخرا في إتمام تنفيذ بعض الملفات العالقة، من وجهة نظر الصندوق، أو على الأقل عدم الاستقرار حول سيناريوهات التعامل معها، وفي المقدمة منها ملف دعم الوقود، ومعه ملف الطروحات الحكومية لبيع شركات القطاع العام. وهناك سيناريوهان لتفسير أمر التأجيل: (الأول) يتعلق بمخاوف حكومية حقيقية بشأن تحريك أسعار الوقود في الفترة الحالية، وتأثير انعكاس مثل هذا القرار على شرائح المجتمع الفقيرة والمتوسطة، في وقت يعتبر كثيرون أن المواطن لم تعد لديه القدرة على تحمل تبعات أي موجة غلاء جديدة في الوقت الحالي، أي الخوف من وقوع احتجاجات شعبية وثورة. ويعزز هذا السيناريو الانخفاض الملحوظ في أسعار النفط العالمية الذي قلص بشكل واضح الفارق بين تكلفة إنتاج المواد البترولية وسعر بيعها في السوق، والذي وصل على سبيل المثال إلي 20 قرشا لسعر لتر بنزين 92، حيث تقول الحكومة إن سعر تكلفته حاليا– وفقا لأسعار النفط عند 60 دولارا – لا يتجاوز 6.95 جنيه، في حين يباع بسعر 6.75 جنيه، ما يجعل رفع سعار البنزين غير ضروري الآن. أما (السيناريو الثاني): فيتعلق بملف الطروحات الحكومية (بيع شركات القطاع العام)، وهو الملف الذي يبدو أن الحكومة غير قادرة على الوصول إلى صيغة نهائية حول كيفية إخراجه دون تعثر أو نقاط سلبية، إذ أن البرنامج الذي كان من المقرر بدايته نهاية أكتوبر الماضي 2018، واجه تحديًا كبيرًا في ظل تراجع سوق المال المصرية وانهيار أسعار الأسهم، تأثرًا بأزمة الأسواق الناشئة وشح السيولة في السوق، ما جعل سعر هذه الشركات في السوق أقل من المأمول. وعلى الرغم من الإصرار الحكومي على طرح أول مرحلة من البرنامج، فإن ظروف السوق المتراجعة حسمت الأمر، لتعلن الحكومة عن تراجعها عن البرنامج وإرجائه حتى بدايات العام 2019، دون تحديد موعد معين، وهو التراجع الذي قد يراه الصندوق “نكوصا” عن الاتفاق مع الحكومة، غير أن الأيام المقبلة ستكشف عما إذا كان الصندوق سيتفهم الموقف المصري أم سيعتبره تراجعا متعمدا عن تنفيذ أوامره. سلطة الانقلاب تبدو بالتالي بين نارين: أن تستمر في تنفيذ روشتة الصندوق معتمدة على رصيدها من القمع والبطش وسيطرتها على منافذ التعبير عن الرأي، وتصورها أنها بذلك تسيطر على أي احتجاجات متوقعة، أو أن تتوقف عن تلبية مطالب الصندوق، خاصة أنه لا توجد حاجة ملحة لرفع أسعار الوقود في ظل انخفاض الأسعار عالميا واقترابها من السعر الحالي الذي يباع به للشعب، وبذلك تتفادى سخونة هذه المرحلة التي تشهد غضبا في فرنسا والسودان، وقد تدفع المصريين للتأثر بهذه الاحتجاجات والخروج باحتجاجات في شوارع مصر قد تنتهي بسقوط قتلى وبدء سيناريو ثورة 25 يناير.