بدأت مبكرا حملات منظمة تشرف عليها أجهزة أمن الانقلاب تمهدا لتعديلات على دستور الانقلاب الذي تم إقراره سنة 2014، وتستهدف هذه الحملات الإعلامية بالأساس إلغاء القيود المفروضة على على ترشح أي رئيس لأكثر من مدتين (8 سنوات)، كما تستهدف تعزيز صلاحيات الرئاسة على حساب البرلمان، ليكون النظام رئاسيا على غرار الولاياتالمتحدةالأمريكية أو فرنسا. قاد هذه الحملات كل من عماد الدين أديب ومصطفى الفقي وكلاهما من رموز نظام مبارك الإعلامية والسياسية، واللذان كانا يحرضان على استمرار مبارك في الحكم مدى الحياة. ودون الخوض في جدلية قانونية تعديلات مواد الدستور، وما حكم ذلك في ظل نصوص المواد 140 و 226 من الدستور، يبقى التساؤل الأهم: لماذا يريد السيسي ومؤيدوه تعديل نصوص دستور 2014 الذي وضعوه بأنفسهم وأقسم الجنرال على احترامه وحمايته؟ السيسي يواجه أزمة المادة 140 التي حصرت الترشح بمدتين فقط كل منها 4 سنوات، والمادة 226 خصوصا الفقرة الأخيرة منها والتي نصت على أنه "في جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أوبمبادئ الحرية، أوالمساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات". سيناريو تعديل الدستور يستهدف السيسي تعديل المادة 140 وإلغاء الحظر على ترشحه لولاية ثالثة وربما رابعة وخامسة على غرار مبارك، أو على الأقل تعديل مدة كل فترة لتصبح 6 سنوات بدلا من 4 ولكن الأرجح أنه يريد حكما مدى الحياة كما فعل السادات تماما مع دستور 71 فقتل واستفاد حسني مبارك بالتعديلات وبقى في الحكم 30 عاما حتى أطاحت به ثورة يناير2011م. فالسيسي الذي اشتهر بالكذب وخيانة الأمانة، سبق أن تعهد بعدم الترشيح للرئاسة مدعيا أنه غير طامع في السلطة (وهتشوفوا)، ثم نكص على عقبيه وترشح بل في جولته الثانية أطاح بكل منافسيه المحتملين بوسائل قمعية تعكس روح الإقصاء والاستبداد والخوف على كرسي العرش؛ لذلك يتوجب ألا تؤخذ تصريحات الجنرال على محمل الجد والمتعلقة بعدم المساس بالدستور ما يتيح له الترشح لجولة ثالثة أو مدد أخرى. ويعلم الجميع أن قائد الانقلاب ممثل عاطفي، سوف يتظاهر أمام الكاميرات بأنه ملتزم بولايتين وربما يقسم على ذلك بأغلظ الأيمان، لكنه في السر سوف يوجه أجهزته الأمنية والإعلامية نحو تنظيم حملات مكثفة تستهدف تعديلات دستورية تتيح للجنرال الحكم مدى الحياة. اللافت أن هذه الحملات بدأت مبكرا بمجرد غلق صنايق اقتراع المسرحية بتصريحات رموز إعلامية تابعة لنظام مبارك تحظي بمكانة عالية في نظام 30 يونيو كعماد الدين أديب، ومصطفى الفقي رئيس مكتبة الإسكندرية حاليا وأحد رموز نظام مبارك. ثم ترشح وقال انه غير طامع في السلطة وابعد واعتقل المرشحين ضده، وهذه ادلة على كذبه وعدم تصديق ما يقال إنه لن يبقي بعد فترتي الرئاسة 8 سنوات يوما واحدا، وكما مثل أنه لا يريد الترشح للرئاسة، ولكنه اضطر بناء على رغبة الجماهير والحاحهم، سيكرر نفس التمثيلية والكذب بأنه لا يريد تعديل الدستور ويبقى رئيسا مدى الحياة، ولكنه أضطر بناء على بكاء المصريين وتمسكهم به!. 3 أسباب وراء التعديلات وبحسب مراقبين فإن هناك 3 أسباب جوهرية وراء إصرار السيسي على تعديل الدستور لتسمح له بالحكم مدى الحياة وتعزير صلاحياته التي يمارسها فعليا في ظل الدستور الحالي دون مقاومة تذكر من برلمان وحكومة الانقلاب اللذين جيء بهما وفقا للمعايير والفرازة الأمنية. السبب الأول هو تمسك الجنرال بالسلطة وعدم رغبته في التفريط فيها لأي سبب، فحب السلطة يجري منه مجرى الدم، ولا يتخيل نفسه أن يأتي يوم عليه وقد فارق العرش لأحد غيره، فالسيسي عبر عن ذلك صراحة بتهديدات صامة (مش هسمح لحد يقرب من الكرسي ده). ويؤكد ذلك الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية وأحد داعمي انقلاب 30 يونيو حيث يربط بين مطالبات تعديل الدستور ووجود رغبة قوية لدى الجنرال في عملية التعديل وليس الحاشية المحيطة به التي تريد ذلك كما يتصور الكثيرون. صادق، بحسب موقع "مصر العربية" استند في ربط التعديلات بمطلب أو توجه من السيسي إلى ما قاله من قبل حول كتابة المواد الدستورية بنية حسنة، وأن الدول لا يمكن أن تبنى بالنوايا الحسنة. وأشار أستاذ السياسة بالجامعة الأمريكية، إلى أن السيسي يعلم انخفاض شعبيته، ويخشى من ردة الفعل الشعبية؛ لذلك يريد إطالة المدة الرئاسية إلى 6 سنوات بدلا من 4. وأوضح أن الأمور تقود إلى وجود مصلحة خاصة للجنرال في طرح التعديلات حتى وإن كانت بطريق غير مباشر منه ليبقى بعيدا عن الصورة، وبشكل حثيث لانها طرحت في الفترة الحالية. الحرص على البقاء السبب الثاني: هو حرص العصابة الحاكمة على استمرار حكمها، فالنظام القائم عسكري جبري بامتياز، ولا يحتاج ذلك إلى دليل أو برهان؛ فمن لا يرى من الغربال أعمى وفقا للمثل الشعبي المشهور، والمؤسسة العسكرية تريد هذه المعادلة قائمة فهي المؤسسة المهيمنة والمحتكرة لكل مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والإعلامية، وتحظى بامتيازات واسعة لها ولكبار الجنرالات، ومندوبها في الرئاسة يمارس الحكم بما يحقق هذه الامتيازات ويحيميها ويعززها. وفرضية انتهاء ولاية السيسي فهذه يعني وجود قيادة عسكرية بديلة من داخل المؤسسة يتم إعدادها للقيام بهذه المهمة والجنرال من جانبه لا يريد مثل هذا السيناريو بل يريد أن يظل باستمرار في صدارة المشهد ولن يسمح بصعود قيادة عسكرية ترثه في الرئاسة. يعزز من هذا ما قام به السيسي منذ انقلاب 3 يوليو؛ حيث أقصى كل من شاركوه في الانقلاب من كبار الجنرالات وأطاح ب 3 رؤساء لجهاز المخابرات العامة، وبسط نفوذه على كل المناصب الكبرى في المؤسسة العسكرية وأجهزة المخابرات بما لا يسمح بصعود قيادة بديلة. السبب الثالث: خوف الجنرال من المحاكمة على جرائمه الكثيرة التي فاقت كل حد، فالسيسي انقلب على المسار الديمقراطي، وقتل الآلاف من المصريين، واعتقل الرئيس المنتخب وأركان حكمته وقيادات حزب الأغلبية، كما أغرق مصر في بحار الديون وأهدر مئات المليارات على مشروعات وهمية لم تنعكس أبدا على حياة المواطنين بل زادت معاناتهم وتحولت حياتهم إلى جحيم لا يطاق.