يوما بعد يوم، تتكشّف مؤشرات ودلائل جديدة تؤكد إصرار النظام العسكري على إجراء تعديلات واسعة على دستور 2014 الذي أقره النظام بعد انقلاب 03 يوليو 2013م، وهي التعديلات التي يطمح النظام من خلالها لتحقيق عدة أهداف: الأول: يتعلق بمد فترة حكم السيسي لدورة ثالثة أو أكثر، مع مد فترة الرئاسة الواحدة ل6سنوات، بما يتيح للجنرال السيسي الحكم حوالي 6 سنوات إضافية عن الفترتين اللتين حددهما الدستور ب"8″ سنوات وفقا للمادة "140"، وربما يكون ذلك تمهيدا لتعديلات أخرى تفضي إلى حكم الجنرال مدى الحياة حتى يرحل هو قضاء وقدرا، أو بفعل الانتقام الثوري، أو ترحل مصر بدمارها وتفككها إذا استمرت سياسات النظام على النحو القائم؛ ويتعلل هؤلاء بأن الجنرال يحتاج لفترة أطول حتى يحقق إنجازاته ومشروعاته ويكمل ما بدأه!. الثاني: هو إجراء تعديلات تفضي إلى تحولات في طبيعة وفلسفة النظام الذي يفترض- وفق نصوص الدستور- أنه مختلط بين الرئاسي والبرلماني، وأمام تغول رئاسة الانقلاب وانفرادها بالقرار بما يخالف نصوص الدستور، يسعى النظام ليس إلى الالتزام بالدستور بل تغيير الدستور بما يتلاءم مع ممارسات وطبيعة النظام، وتحويله إلى نظام رئاسي؛ وهو أمر يثير الغرابة والاندهاش، فالحكام في بلادنا لا يلتزمون بنصوص الدستور بل يتوجب على الدساتير أن تتلاءم مع توجهات وسياسات النظام، وهو ما ليس له وجود في العالم إلا في بلادنا المُتخلّفة. مؤشرات ودلائل من المؤشرات على ضغوط الأجهزة الأمنية من أجل تمرير هذه التعديلات، التصريحات التي صدرت مؤخرا من أسامة هيكل، نائب البرلمان ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي يوم 04 أغسطس الجاري، حيث قال فى تصريحات تلفزيونية: إن الأربع سنوات لا تكفى لأى رئيس لكى ينجز مشروعاته، وإنه لا بد من مد فترة الرئاسة إلى 6 سنوات، حتى يظهر شغل الرئيس أمام المواطنين، وليأخذ الفرصة كاملة لإبراز مجهوداته. لكن أسامة هيكل نفسه، فى 27 أغسطس من العام الماضى، رفض فى حوار مع «الشروق»، تعديل نصوص الدستور الخاصة بمدد رئاسة الجمهورية، مؤكدا بشكل قاطع أن "زيادة المدد خطيئة كبرى تعيدنا إلى ما قبل ثورة 2011، كما أن زيادة مدة الرئاسة من 4 سنوات إلى 6 سنوات "سيجعل شكلنا سيئا جدا فى الخارج"، وفى الداخل سيبدو أن الرئيس جاء بانتخابات وفق نص الدستور لمدة 4 سنوات وتم تغييرها من أجله". ويعلق الكاتب الصحفي محمد عصمت، في الشروق على هذا التناقض، في مقاله اليوم "الدستور وسنينه": «فأى أسامة هيكل منهما نصدق؟! أسامة موديل 2017 أم موديل هذه السنة؟! وما الذى تغير فى مصر أو حتى فى العالم والذى لن يجعل شكلنا سيئا فى الخارج، بحسب نص كلامه، حتى يوافق بل ويطالب بمد فترة الرئاسة إلى 6 سنوات؟!». ويضيف عصمت أن السيسي نفسه طلب في مؤتمر الشباب الأخير بجامعة القاهرة أنه لا يحتاج لأكثر من سنتين حتى تظهر مشروعاته: «ستصبح مصر فى موضع تانى»، فى إشارة واضحة الدلالة على أن ثمار سياساته الاقتصادية ستؤتى أكلها فى 2020، وهو ما ينفي حجة هيكل بأن الأربع سنوات ليست كافية لإبراز إنجازات الجنرال، فالسيسي نفسه قال إنه لا يحتاج سوى سنتين فقط، وسيكون أمامه سنتان إضافيتان فى مدته الرئاسية الثانية!. وينتهي الكاتب إلى أن مثل هذه التصريحات تنسف فكرة «المؤسسية» بل وفكرة «الدولة» نفسها من حياتنا السياسية. عرائض المخابرات وفي 02 من أغسطس الجاري، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تقريرا يكشف النقاب عن تداول عريضة تطالب الجنرال السيسي بالبقاء في الحكم بعد الفترتين الرئاسيتين اللتين ينص عليهما الدستور الصادر في العام 2014. وقالت غارديان إن العريضة التي حصلت على نسخة منها عبر شخص وصفته بأنه من الوجوه السياسية البارزة بمصر، يتم تداولها بين المؤسسات الحكومية المصرية وبين الموالين للنظام الحاكم، وتؤكد العريضة أنها جزء من حملة تسمى "الشعب يطالب"؛ للمطالبة بتغيير الدستور للسماح للسيسي بالبقاء في الرئاسة لما بعد انتهاء فترته الرئاسية الثانية، المقرر أن تنتهي في عام 2022 المقبل. وتضيف الصحيفة أن الموقعين على العريضة يتعين عليهم كتابة تفاصيل بياناتهم الشخصية ومن بينها الرقم القومي (رقم الهوية الشخصية)، مؤكدة أنه لم يعرف حتى الآن كيفية تمرير العريضة على نطاق واسع بين المواطنين المصريين أو عدد الموقعين عليها. ونقلت الجارديان عن العريضة، مطالبتها بتغيير المادة 140 من دستور عام 2014، والتي تنص على أن الرئيس ينتخب لفترتين رئاسيتين فقط، وأن مدة كل فترة منهما أربع سنوات، وطالبت بتغيير مدد الرئاسة إلى ثلاث فترات رئاسية وليس فترتين فقط. وقالت الصحيفة البريطانية، إن السيسي الذي وصل إلى السلطة عقب انقلاب عسكري في يوليو/تموز من العام 2013، فاز بنسبة 97.8 في المئة من أصوات الناخبين في التصويت الذي أجري في مارس الماضي، بعد أن تم منع خمسة من منافسيه من الترشح أمامه، بينما منافسه الوحيد موسى مصطفى موسى كان واحدا من مؤيديه العلنيين. وذكرت أن مؤسسي حملة (عشان نبنيها) أعلنوا بعد 6 شهور من تدشين حملتهم قبل انتخابات الرئاسة في مارس 2018، أنهم جمعوا 13 مليون توقيع لتأييد استمرار السيسي لفترة رئاسية ثانية كرئيس للبلاد، وعندما قامت الصحيفة بزيارة مقر الحملة في شهر يناير/ كانون الثاني، لم تجد سوى موظف واحد فقط يجلس في مكتب فارغ، وبجواره كومة من العرائض التي لم يتم توقيعها بعد، مشيرة إلى أن الحملة شابتها العديد من التقارير بشأن ضغوطات وإكراه يمارس ضد المصريين لإجبارهم على التوقيع، وبثت قناة تلفزيونية محلية (تبث من خارج البلاد) لقطات توضح قيام أشخاص بدفع مبالغ مالية لمواطنين من الطبقة العاملة المصرية مقابل توقيعهم على العريضة، كما تم إيقاف ناظر مدرسة في محافظة دمياط بشمال مصر بعد بث لقطات تؤكد قيامه بتهديد الموظفين الذين لن يوقعوا على العريضة.