ما بين شهيد ومعتقل ومطارد ومهاجر ومحبط ومفكر في الانتحار، يقف الشباب في مصر على مسافة المقاطعة لمسرحية انتخابات السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، هؤلاء الشباب الذين تتراوح أعمارهم بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، من 18 إلى 29 سنة ومجموعهم نحو 21.7 مليون نسمة، 51% منهم ذكور والباقي إناث، ويمثل الشباب بحسب الجهاز الذي يديره العسكر، 23.6% من إجمالي السكان، وفقا لتقديرات السكان عام 2017. أجابت منظمة "هيومان رايتس مونيتور" في تقريرها عن السؤال أين الشباب ولماذا اختفوا في مسرحية انتخابات السفيه السيسي؟ فقالت في تقرير لها: "تستمر الآلة القمعية بمصر في تدوير سياسات القمع والاعتقال وغيرها من المُمارسات غير القانونية، بغية نشْر الذعر وتكميم الأفواه والقضاء على أي صوت معارض من شأنه تحريك المياه الراكدة في الحياة السياسية، فتستمر عمليات القتل والتصفية والاعتقال التعسفي والمداهمات المنزلية والإخفاء القسري والتعذيب تلاحق كافة فئات المجتمع". ويبدو أن فشل مسار طبخ الدستور في برلمان الدم، وتمديد فترة السفيه السيسي، بدلاً من اقتصارها على ولايتين، كما هو معمول في دستور الانقلاب الحالي، دفع جنرالات الانقلاب إلى قبول إجراء مسرحية انتخابات صورية هذا الشهر، لكن بعدما أفرغها من أي مضمون، لتصبح في جوهرها استفتاء على السفيه السيسي، غاب عنها ليس الشباب وحدهم بل كل شريف يحلم بالحرية والكرامة منذ 25 يناير 2011. مقاطعة من جانبه يقول المحلل السياسي عمرو عبد الهادي، عضو جبهة الضمير: "انتخابات لم يحضر أحد.. اللي لبسونا في عبد الناصر..اللي ايدوا السادات..اللي سكتوا عن مبارك..اللي مش هيعيشوا المستقبل..بيرسموا لنا المستقبل..جزاك الله خير يا حاج..كنت تقدر تشغل وقتك على القهوة..مش اكمنك فاضي تروح تنتخب السيسي و انت مشرد و ابنك مش لاقي شغل..جيل لما اتكلم قهرنا و لما سكت انقهر". وفي وقت سابق وقعّ عشرات الشخصيات السياسية والعامة المصرية، فضلا عن مئات النشطاء والمواطنين، على بيان "مقاطعة الانتخابات الرئاسية"، الذي أصدره معارضون طالبوا فيه ب"وقف الانتخابات، واعتبارها فقدت الحد الأدنى من شرعيتها، ووقف أعمال الهيئة الوطنية للانتخابات، وحل مجلسها؛ لأنه تستر على تدخل أمني وإداري في الانتخابات المفترضة". وكان البيان قد دعا الشعب المصري إلى "مقاطعة (الانتخابات الرئاسية) كليا، وعدم الاعتراف بأي مما ينتج عنها، ليس فقط لانتفاء فكرة المنافسة الانتخابية، بل قلقا من هذه السياسة التي تمهد بشكل واضح لتغيير الدستور بفتح مدد الرئاسة، والقضاء على أي فرصة للتداول السلمي للسلطة، واستمرار السياسات التي طبقت في السنوات الماضية، والتي تضمنت التنازل عن الأراضي المصرية، وإفقار الشعب، وإهدار كافة مظاهر الديمقراطية، والفصل بين المؤسسات لصالح السياسات الأمنية". كما دعا البيان، كل من وصفهم بقوى المعارضة الفاعلة إلى "تشكيل جبهة تدرس الخطوات والخيارات القادمة، وتستدعي الشراكة الشعبية فيها"، مدينا "كل الممارسات الأمنية والإدارية التي اتخذها النظام الحالي لمنع أي منافسة نزيهة له في الانتخابات القادمة، التي كانت آخر محطاتها ما حدث من اعتداء آثم على المستشار هشام جنينة". في المعتقلات من جانبها اتهمت منظمة العفو الدولية سلطات الانقلاب بسجن الشباب لإخماد الاضطرابات، في واحدة من أشد عمليات القمع في تاريخ البلاد، وفي تقرير بعنوان "سجن جيل: شباب مصر من الاحتجاج إلى السجن"، بحثت منظمة العفو الدولية حالة 14 شخصا من بين آلاف الشباب الذين قالت إنهم سجنوا بشكل تعسفي في مصر على خلفية رفض الانقلاب. وانتقدت منظمة العفو الدولية وغيرها من جماعات حقوق الإنسان السياسات القمعية في عهد السفيه السيسي، الذي كان قائدا للجيش عندما قاد انقلابا على حكم الرئيس محمد مرسي عام 2013، أول رئيس مدني منتخب للبلاد. وقالت نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، حسيبة حاج صحراوي: "من خلال استهداف النشطاء الشباب بلا هوادة في مصر، تسحق السلطات آمال جيل كامل من أجل مستقبل أكثر إشراقا". يقول الناشط ناصر محمود:" السياق العام الذي تجري فيه انتخابات 2018 عشان السيسي يحكمنا بالعافية فترة تانية، يشبه بشكل أو بآخر انتخابات 2010 لما الحزب الوطني كان عايز يلبسنا جمال مبارك.في 2010 كان التزوير داخل الصندوق، تزوير الأصوات..في 2018 التزوير خارج الصندوق، تزوير الوعى وإجبار موظفي الهيئات والمؤسسات". وبعد ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بحسني مبارك من سدة الحكم، كان ينظر إلى الشباب على أنهم الأمل في التغيير، وقالت صحراوي: "مع ذلك يقبع كثير من هؤلاء النشطاء الشباب اليوم خلف القضبان، ما يقدم كل الدلائل على أن مصر عادت إلى دولة القمع الشامل". يشار إلى أنه بعد الانقلاب على حكم الرئيس مرسي، شنت قوات الأمن حملة قمع واسعة على أنصار الشرعية ورافضي الانقلاب، بالإضافة إلى استهداف شباب وكوادر جماعة الإخوان المسلمين، واعتقلت أيضاً نشطاء ليبراليين مناهضين للانقلاب، وقالت منظمة العفو الدولية مستشهدة بجماعات حقوق إنسان مصرية، إن أكثر من 60 ألف شخص اعتقلوا، أو وجهت لهم اتهامات بارتكاب جرائم جنائية، أو حكم عليهم في محاكمات غير عادلة.