إن قراءة التاريخ وتدبره أمر مهم للغاية؛ حتى نأخذ العبرة من عواقب الأحداث السابقة ونحول دون تكرارها مرة أخرى، ومع ذلك فإن أغلب الناس لا يقرأ التاريخ، وما درسوه فى المراحل التعليمية يذهب إلى عالم النسيان ولا يبقى منه أثر، ويقع فى هذا الخطأ الحكام والمحكومون على حد سواء، ونذكر حدثين مهمين من التاريخ القريب لهما علاقة وثيقة بموضوعنا هذا: أولا – نجحت حركة ضباط الجيش عام 1952 فى الإطاحة بملك مصر والقضاء تماما على رموز ما سموه العهد البائد، وقد قوبل هذا الانقلاب بترحيب يفوق الوصف من الشعب المصرى، وكان اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية، ولكن بعد عامين انفرد جمال عبد الناصر بالسلطة بعد إطاحته بمحمد نجيب عام 1954، وأول ما فعله التخلص من خصومه من الإخوان المسلمين الذين كانوا حلفاء الأمس، فتم تلفيق تهمة قلب نظام الحكم إليهم فيما يسمى بحادثة المنصة بالإسكندرية، التى ثبت بعدها بالوثائق أنها تمثيلية مفبركة أخرجتها أمريكا بغرض تلميع عبد الناصر ورفع شعبيته بين الجماهير المصرية ظنا منها أنه رجل أمريكا المرتقب، فتم محاكمة قاداتهم ورموزهم فى محاكم عسكرية غير عادلة، وأمر بالتنكيل بهم أشد تنكيل، وكانت النتيجة إصدار أحكام الإعدام والسجن لرموز الإخوان المسلمين، فأكثروا الدعاء على الظالمين فأصاب دعاؤهم ليس من ظلموهم فقط من الحكام بل أصاب المصريين جميعا، فبعد عامين فقط عام 1956 كان العدوان الثلاثى على مصر، وكان من نتائجه استيلاء إسرائيل على قرية أم الرشراش المصرية على البحر الأحمر، التى تحولت فيما بعد إلى ميناء إيلات المنفذ الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر، وكانت هذه الخسارة أفدح بكثير من مكاسب تأميم القناة التى كانت ستعود لمصر حتما عام 1968 بعد انتهاء فترة الامتياز 99 سنة, رغم أن مصر حققت انتصارا سياسيا رائعا. ثانيا – فى عام 1965 عاود جمال عبد الناصر التنكيل بالإخوان المسلمين وتلفيق التهم إليهم، وأعلن فى أحد خطاباته أنه اعتقل أربعين ألفا منهم فى أربع ساعات فقط، وكانت الشرطة العسكرية هى التى تتولى التحقيقات مع المتهمين وتؤدى واجبها بكفاءة تامة فى تعذيبهم بأبشع أساليب التعذيب، وقد صدر العديد من المؤلفات عن هذه الحقبة المظلمة أشهرها كتاب البوابة السوداء لأحمد رائف, وللمرة الثانية أكثروا الدعاء على الظالمين فأصاب دعاؤهم ليس من ظلموهم فقط بل أصاب المصريين جميعا، فبعد عامين فقط عام 1967 كانت الحرب الثالثة مع إسرائيل انتهت بالنكسة العسكرية التى ما زلنا نعانى من آثارها حتى اليوم.. وكانت نتائج الحرب هذه المرة أشد سوءا من سابقتها عام 1956. هذان الحدثان كانا من عهود طويلة ولم يعاصرهما الأغلبية العظمى من المصريين ولهما علاقة وثيقة جدا بموضوعنا بل يعتبر امتدادا للحدثين السابقين مع الاختلاف. ثالثا: وموضوعنا الآن هو الحدث الثالث الذى بدأت معالمه منذ عام ونصف تقريبا بتحقق وعد الله سبحانه وتعالى فى قوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِى الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً...}(النور55) فتقلد الإخوان المسلمين السلطة بالأغلبية الساحقة، لدرجة أنهم يمثلون مع أنصارهم من التيار الإسلامى أكثر من 80 % من مقاعد مجلس الشعب، مما أزعج التيارات العلمانية والليبرالية ومن على شاكلتهم، فتحركوا بسرعة وحاكوا مؤامراتهم يساندهم قضاء مبارك إلى أن تمكنوا من حل مجلس الشعب المنتخب قبل المرحلة النهائية للانتخابات الرئاسية، وعندما تقلد الدكتور محمد مرسى الرئاسة وجد نفسه بدون مجلس شعب يتمتع بأغلبية كاسحة من حزبه، ومع ذلك تآمروا أيضا لإصدار حكم قضائى بحل مجلس الشورى أيضا، ولكن السيد رئيس الجمهورية أحبط محاولاتهم، ولم تكتف الفئة الباغية من العلمانيين والليبراليين ممن يسمون أنفسهم جبهة الإنقاذ بذلك، بل عملوا بإصرار وعناد على إعاقة رئيس الجمهورية بشتى الوسائل بما يشبه العصيان الماضى، فتعاونوا مع الفلول ورموز النظام السابق الذين يسيطرون على مفاصل الدولة لإضعاف أداء العاملين بالدولة ممن يسمون الدولة العميقة، والطامة الكبرى أنهم تمكنوا بنفوذهم من السيطرة على مؤسسات الدولة ومفاصلها، حتى تتعاون معهم لإفشال السيد الرئيس, فقامت جميع مؤسسات الدولة بمحاربته حربا خفية عدا المؤسسة العسكرية فقط، ونذكر بعض الأمثلة على هذه الحرب: 1 – رغم أن وزير الداخلية ملتزم بأداء واجبه على الوجه الأمثل إلا أن عقيدة جهاز الشرطة التى نشأت وترعرعت على الغطرسة والتعالى وسوء معاملة كل من ينتمى إلى تيار إسلامى، جعلتهم لا يهتمون بالبلاغات التى ترد من الإخوان المسلمين، ولا ننسى تقاعس الأمن أكثر من مرة عن القبض على البلطجية الذين هاجموا مقر المرشد فى المقطم ومقرات الإخوان فى كل مكان واستمر هجومهم ساعات طويلة، ولا أنسى أبدا قول ضابط شرطة فى إحدى القنوات الفضائية التابعة للإعلام الفاسد بأنه ليس مهمته الدفاع عن الإخوان... أليس الإخوان مواطنين مصريين من واجبه حمايتهم ومنع الاعتداء عليهم...؟ أليس هذا اعترافا من هذا الضابط بالخيانة والتخاذل عن أداء واجبه..! والأعجب من ذلك تخاذل الداخلية فى الدفاع عن مقرات الإخوان، بل وصل الأمر إلى تسهيل مهمة البلطجية المأجورين فى تخريب هذه المقرات، وعندما يزداد الضغط الشعبى على الشرطة للقبض عليهم تقوم النيابة على الفور بإخلاء سبيلهم وهم متلبسون بالجريمة وحمل السلاح والشماريخ النارية, ولم يصدر حتى الآن حكم قضائى واحد بإدانة هؤلاء البلطجية المأجورين. 2 – الإعلام الفاسد المضلل عن طريق القنوات الفضائية المملوكة لرموز النظام السابق ورجال الأعمال، الذين ينشرون الأكاذيب ليلا ونهارا بلا حياء، والذين خصصوا فى برامجهم مجالس للغيبة والنميمة والاستهزاء بعباد الله الصالحين، بل إن بعضهم حرض على قتل رئيس الجمهورية علنا فى برامجه، والبعض الآخر حرض الجيش للانقلاب عليه، وعنما يقدم هؤلاء للقضاء يحكم بإخلاء سبيلهم. 3 - الصحافة الفاسدة التى لوثت صفحاتها بالبذاءات وسوء الأدب والفحش من القول وبلغ بها الانحطاط إلى سب السيد رئيس الجمهورية. 4 – منظومة القضاء الفاسد والنائب العام عبد المجيد من رجال مبارك، وهذه بعض إنجازاتهم: (ا) تبرئة جميع المتهمين فى قضية قتل 1500 متظاهر. (ب) تبرئة جميع المتهمين من رموز النظام السابق فى قضايا نهب ثروات البلاد والاستيلاء على أراضى الدولة. (ج) غض البصر عن جرائم الخيانة العظمى لمبارك وأهمها قضية الخصخصة التى تم فيها مهرجان بيع أصول الدولة بأبخس الأسعار، وقضية تصدير الغاز إلى إسرائيل بسعر متدن للغاية لا يتجاوز 20% من الأسعار العالمية، وقضية مهرجان بيع أراضى الدولة برخص التراب، وعلى سبيل المثال بيع 100 ألف فدان بتوشكى للأمير طلال بسعر 50 جنيها للفدان الواحد، وقضية بيع المسطحات المائية للمستثمرين العرب لنهب ثروتها السمكية ومن بينها مسطح بحيرة السد العالى الذى يبلغ 5000 كيلومتر مربع، وبلغت خسائر مصر من هذه الجرائم تريليون (مليون مليون) دولار على أقل تقدير، والعجيب أن النائب العام عبد المجيد اكتفى فقط بتوجيه تهمة الكسب الغير مشروع لمبارك فى شرائه فيلا بأرخص من سعر السوق وقبوله هدايا من مؤسسة الأهرام، وهى قضايا تافهة سيخرج منها بالمصالحة ودفع عدة ملايين جنيه فقط. يا لها من منظومة فاسدة من الثالوث البغيض الصحافة والإعلام والقضاء أبطال الثورة المضادة تحالفت تحالفا غير مقدس للقضاء على الثورة المضادة، وتم لها ما تريد عندما ورطت الجيش مؤخرا وأقنعته بالتدخل لصالحها، فقام الجيش بقيادة وزير الدفاع بالإطاحة بالسيد رئيس الجمهورية بعد أن وجه إليه إنذارا ومهلة 48 ساعة فقط، ألقى بعدها بيانا مخزيا زعم فيه أن قادة جبهة الإنقاذ وفصائل المعارضة طلبوا الحوار مع السيد رئيس الجمهورية ولكنه رفض الحوار معهم، وهذا كذب محض وافتراء وسقطة بشعة لن يغفرها له التاريخ وحسابه عند الله عسير، خصوصا أنه أطلق هذه الفرية تحيزا لفصيل من المواطنين المصريين دون الفصيل الآخر. والآن يكرر التاريخ نفسه فيتعقب الطغاة الذين أطاحوا بالشرعية ليس الإخوان المسلمين وحدهم كما حدث فى المرتين السابقتين، بل أنصارهم أيضا من ذوى الضمائر الحية، وقياسا على النتائج التى ترتبت بعد الحدث الأول والثانى فإنه من المتوقع أن يحل بشعب مصر كارثة كونية هذه المرة إن لم يرجع المبطلون عن غيهم واستبدادهم، فرئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى لم يغلق قناة فضائية ولم يصادر صحيفة رغم بشاعة ما فعلوه، ولم يعتقل مواطنا واحدا، بينما السيسى قام بإغلاق القنوات الإسلامية وحجب صحفها ومن بينها جريدة الحرية والعدالة، وفتح المعتقلات بعد ساعات قليلة من الانقلاب الغادر، وترك الصحف البذيئة، ورضى أن يكون فى مزبلة التاريخ بعد أن سمح لإحداها بإطلاق هذا الوصف على السيد رئيس الجمهورية المحترم. وخوفا منا على الشعب المصرى فإننا نعتذر إلى الله سبحانه وتعالى بأنهم قوم لا يعلمون وتم التغرير بهم فى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، لذا فإنى أدعو الله سبحانه وتعالى ليلا ونهارا وأنا موقن بالإجابة بهذا الدعاء وأرجو من يقرأ مقالتى أن يدعو به أيضا وينشره على معارفه: اللهم إن الفئة الباغية من قوى الغدر والخيانة والعدوان من رموز النظام السابق والعلمانيين والليبراليين، مما يسمون أنفسهم جبهة الإنقاذ، وأعوان هؤلاء من القضاء الفاسد الذى تحدى الحق وأنت الحق فحكم بتبرئة المجرمين وإدانة الأبرياء، والإعلام المضلل الكاذب الذى اتخذ سبيل الغى سبيلا له، فبث ضمن برامجه مجالس الغيبة والنميمة، والتهكم والسخرية من عبادك الصالحين ومن كل من يتخذ سبيل الرشد سبيلا، بل وصل بهم الفجور بالسخرية من حكم الله على لسان إحدى رموزهم بقولها نريد الاحتكام للقوانين المدنية العصرية المتحضرة التى وضعناها لأنفسنا وليس لحد الحرابة، والصحافة التى اتخذت البذاءة والفحش من القول شعارا لها وثقافتها إشعال الفتنة والخروج عن الحاكم العادل، وبعض الرموز الدينية التى أعطت غطاء شرعيا للمفسدين فأفتى كبيرهم بجواز الخروج على الحاكم. اللهم إن هؤلاء جميعا طغوا فى البلاد فأكثروا فيها الفساد، فجعلوا فرعون قدوة لهم عندما استخفوا بالشعب المصرى فأفسدوا عقول خلقا كثيرا من المصريين، فأطاعوهم، فزين لهم الشيطان أعمالهم بإعلانهم العصيان والخروج عن طوع الحاكم العادل واختاروا اسما مشتقا من الشيطان "حركة تمرد" عنوانا لحركتهم. اللهم إنى أعجز عن حصر أسماء هؤلاء جميعا وأنت المحصى، اللهم فأحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا حتى تشفى صدورنا وتذهب غيظ قلوبنا فأنت مولانا نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.