فى إبريل الماضى كتبت أنتقد تركيز جمعية الشبان المسلمين على استضافة مؤتمرات جبهة الإنقاذ، وتحويل مدخل الدار التاريخية العريقة الى قهوة بلدى تحت عنوان (كافية زمان)، وتحويل جزء آخر من المبنى إلى جيم رياضى، بدلا من النشاط الأصلى للجمعية، الذى نص عليه قانونها "بث الآداب الإسلامية والأخلاق الفاضلة والسعى إلى إنارة الأفكار بالمعارف، وتنظيم محاضرات أدبية علمية اجتماعية". وبعدما نشر مقالى رفعت الجمعية إعلان (كافية زمان) وإعلان (الجيم) الذى وضعته على بابها، وكان مثار سخرية المارة.. ثم فوجئت بهم مرة أخرى هذا الأسبوع، يضعون إعلانا جديدا أكثر إثارة يعلنون فيه عن (ساونا) كمان داخل الدار(!).. (ساونا) وربما (جاكوزى) لِمَن؟! وفى جمعية إسلامية؟! فقررت أن أعيد عليكم ما كتبته فى 22 إبريل الماضى: صدق أو لا تصدق.. "جمعية الشبان المسلمين" صاحبة التاريخ العريق، التى تأسست عام 1346 ه - 1927م بهدف "تنمية الشباب المسلم فى مجالات الفكر والثقافة والرياضة" حوّلت جزءا من مقرها الرئيسى بشارع رمسيس بالقاهرة إلى قهوة (شيك) تحت اسم (كافيه زمان)، وأعلنت عن قرب افتتاح (صالة جيم) ضمن أنشطتها الجديدة على يد رئيسها الحالى المستشار أحمد الفضالى منسق تيار الاستقلال، أحد المتهمين بالتورط فى موقعة الجمل!! هذه الجمعية العريقة التى نشأت فى الأصل لمحاربة انتشار الإلحاد، وأنشطة التنصير المكثفة، التى كان يقوم بها أعوان الاحتلال البريطانى فى مصر، ومحاربة شيوع الأفكار التى تنادى بالاقتداء بالغرب، وتنشئة الشباب نشأة إسلامية حقيقية، التى رأسها فى السابق فطاحل العلماء الأجلاء، ولعبت دورا فى النهضة الإسلامية.. هذه الجمعية تداعَى عليها الزمن لتتحول إلى (قهوة) و(جيم)، رغم أن المادة الثالثة من قانونها الأساسى تنص على أن أغراض الجمعية هى "بث الآداب الإسلامية والأخلاق الفاضلة.. والسعى إلى إنارة الأفكار بالمعارف، وتنظيم محاضرات أدبية علمية اجتماعية"، ولكنها خصصت جانبا من نشاطها لتصبح قهوة يجتمع فيها العشاق وربما مدخنو الشيشة!! الجمعية الإسلامية العريقة التى كان نشاطها هو "العمل على إزالة الاختلاف أو الجفاء بين الطوائف والفرق الإسلامية" –كما ينص قانونها– شهدت تحولات غير صحية فى الآونة الأخيرة.. فتحولت تارة إلى مقر للقاءات المعارضة الليبرالية واليسارية ضد أول رئيس ذى توجه إسلامى يحكم مصر، وتارة أخرى ل"قهوة" و"جيم"، على الرغم من أن المادة 25 من قانونها الأساسى تنص أيضا على أنه "لا تتعرض هذه الجمعية لشئون السياسة بأية حال"! وللأسف بدلا من أن تمارس جمعية الشبان المسلمين دورها الأساسى فى نشر الأخلاق والآداب الإسلامية، والتوفيق والمصالحة بين المصريين، خصوصا أن رئيسها تخرج من الأزهر، تحولت إلى مقر لعقد ندوات تساند الملياردير ساويرس، الذى تهرب من دفع أموال الضرائب بدعاوى مناصرته ضد الإخوان(!)، وندوات أخرى لتأييد جبهة "الإنقاذ" ضد التيارات الإسلامية . "الشبان المسلمين" كانت فى الماضى –لمن لا يعرف- أكثر الجمعيات الإسلامية قُربا من جماعة الإخوان المسلمين، وكان الإمام البنا عضوا بها منذ قيامها عام 1927م وحتى استشهاده عام 1949م على بابها، ونعاه الدكتور عبد الحميد سعيد -الرئيس العام للشبان المسلمين حينئذ- فى مجلة "التعارف" بقوله: "فجعت مصر، بل العروبة والإسلام بوفاة علم من أعلام الجهاد، وبطل من أبطال الوطنية.. فسنذكره ما مررنا على هذا الحصن المنيع من قصور الإسلام أعنى "دار الشبان المسلمين"، وسنذكره ما أصابت شقيقة عربية نازلة، فهرعنا إلى دار الشبان لنفكر وندبر ونقرر، وسنذكره ما ذكَرنا الجيش والسودان والإسلام، وهيهات أن ننسى واحدة منها مهما قدم العهد وتعاقبت الأيام". وعندما أصدر النقراشى باشا قرارا بحل جماعة الإخوان المسلمين فى 8 ديسمبر 1948م، كان أول مَن استنكر قرار الحل، هو صالح حرب باشا -رئيس جمعية الشبان المسلمين- ! وليس المطلوب أن تفتح الجمعية أبوابها للإخوان، أو لأى تيار سياسى، ولكن المطلوب هو أن تمارس دورها فى التنشئة الإسلامية الصحيحة والتوفيق بين المصريين، بعيدا عن خلافات وصراعات السياسة. ولكن للأسف "كل شىء حلو بيضيع".. وكما ضاعت جمعيات إسلامية وتربوية وتبدّل دورها مع مرور الزمن بعدما ركبت موجة السياسة، تكاد جمعية الشبان المسلمين، التى لها قرابة 160 فرعا فى مصر بخلاف فروع أخرى نشأت لها فى عواصم عالمية وعربية وإفريقية.. أن تضيع. هذه الجمعية من أوائل التنظيمات الإسلامي َّة، التى هدفت إلى تنظيم الشباب المسلم وتجميعه للمحافظة عليهم، والاستفادة من طاقاتهم وتنميتها، من أجل القيام بالنهضة المطلوبة، ولكنى أخشى عليها الآن من أن تتحول إلى تغريب الشباب عبر أنشطة ترفيهية وكافيهات وساونا لا علاقة لها بالدور التاريخى المأمول منها.