فتح المواطن المصرى السيناوى عيناه على الدنيا على مدى عقود مضت من الزمن ليجد نفسه أمام حياة قاسية وصحراء تضن عليه بالماء والغذاء، وعادات وتقاليد تحكم حياته من خلال نظام قبلى، وكلام عن وطنه الأم مصر يتنعّم فيه أشقاؤه بخيرات، حرم منها، على ضفاف نهر يمدهم بالخير والنماء ومدارس وجامعات ووظائف ورعاية صحية وأمن واستقرار، ثم كان مطلوبا من هذا المواطن (المصرى السيناوى) أن يدين بالولاء لهذا الوطن، وأن يكون أول الملبين لنداء الدفاع عنه؛ لأنه أول من يواجه حشود الغازين والمعتدين من الشرق، ودفع هذا المواطن (المصرى السيناوى) الكثير من حياته وأمنه واستقراره، وانتظر طويلا وما زال فى انتظار أن يرد الوطن له الجميل. "سيناء" على الحدود الشرقية من مصر، ولكنها من القلب فى الشعب المصرى على مدى آلاف السنين، جاءت منها الانتصارات والفتوحات والغزوات والحروب، وأدرك أعداء مصر قبل أصدقائها عظمة وأهمية سيناء عند المصريين أمنا وإيمانا وحربا وسلاما. الغريب أن هذا الحب الكبير لسيناء لدى الشعب المصرى، ظل مقتصرا على وقت الشدائد والحروب.. ولكن وقت السلم لم يترجم إلى فعل حقيقى باحتضان سيناء مساكن وسكان ومصانع ومشروعات، بل اكتفوا بالحب من بعيد لماذا؟ سيناء الحبيبة فى التاريخ إحدى ثلاث مناطق صحراوية فى مصر، إضافة إلى الصحراء الشرقية والغربية، وكان الوادى والدلتا حتى النصف الأول من القرن الماضى، هما منطقتا الجذب لملايين المصريين الذين كانوا يعيشون على ضفافهم دون حاجة إلى بذل الجهد والمال فى سبيل تعمير سيناء وأخواتها. ومرت السنون وتضاعف سكان مصر، وبقيت سيناء أرض صحراء وميادين للمعارك، وفى ظل الاحتلال الإنجليزى لمصر لم يكن شعب مصر العظيم يملك إرادة توطين سيناء وتعميرها لانشغاله بمعارك تحرير الوطن كله. ولكن ومنذ أكثر من 60 عاما، وبعد ثورة يوليو 52، كان يفترض أن الشعب المصرى استرد إرادته بأول حكومة ورئيس مصرى على سدة الحكم، ولكن سيناء ظلت بعيدة عن بؤرة اهتمام جهاز صناعة القرار، ولم تحظ بحقها من الرعاية، رغم العدوان الثلاثى 1956، الذى كان جرس إنذار للفت الانتباه إلى أهمية تأمين الحدود الشرقية وتوطينها بالبشر والمشروعات.. وبعد زوال العدوان الثلاثى ظلت سيناء غائبة عن مشاريع التعمير العملاقة التى حظيت بها مناطق عديدة فى الوادى والدلتا، بل الصحراء الشرقية والغربية فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مما جعلها لقمة سائغة سهلة أمام عيون الطامعين، ودخلت تحت سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلى بعد هزيمة يونيو 67، ودفعنا ثمنا غاليا إبان العدوان وعلى مدى ست سنوات، حتى تمكنت قواتنا المسلحة الباسلة من تحقيق نصر أكتوبر. واستعادت مصر سيناء بعد اتفاقية كامب ديفيد ولكن على الورق، فعلى مدى نحو 30 عاما من عودتها، ظل حلم النهضة والتعمير يراود السيناويون والمخلصون من أبناء الوطن فى أروقة الاجتماعات ومراكز الأبحاث فقط، ولم يزد عدد سكانها عن ربع مليون نسمة، وتحولت اللجنة العليا لتعمير سيناء -التى تم تشكيلها برئاسة المشير أبو غزالة، فى بداية عهد النظام المخلوع- إلى أثر بعد عين، لتعانى سيناء مجددا مرارة الهجر وقسوة الغربة.. والآن، تواجه مصر بعد ثورة 25 يناير التحدى الأكبر فى سيناء، "أمنى وسياسى واقتصادى واجتماعى وتنموى وثقافى"، لا يقل أهمية وخطورة فى مواجهته عن العبور فى نصر أكتوبر المجيد، وعن ثورة 25 يناير العظيمة اللذين وحدا شعب مصر. هذه التحديات التى تواجهنا فى سيناء هى كل لا يتجزأ مثل الجسد الواحد عبارة منظومة متكاملة لا يمكن فصل أحدها عن الآخر، إذا أردنا أن نجعل سيناء "أكبر منطقة جذب للاستثمارات والسياحة فى العالم". وها هى "سيناء" الحبيبة تذكّرنا، قبل أن يدخلها الشيطان إلى طى النسيان، وإن كانت التذكرة مؤلمة، ولكنها وحّدت مصر شعبا وحكومة ومؤسسات من أجل تحرير أبنائنا الجنود المختطفين السبعة، دون إراقة نقطة دم واحدة. ويبقى السؤال الأهم: هل تتحد كل القوى والعقول المصرية من أجل إعادة مصر بجد إلى سيناء كما نجحت حرب أكتوبر فى إعادة سيناء إلى مصر؟ يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} صدق الله العظيم، ولعل فيما حدث "خير" لنا جميعا من أجل أن نعى حقيقة المشهد السيناوى وخطورة الاستمرار فى تجاهله وغض الطرف عنه، وأن يتجه 90 مليون مصرى قلبا وقالبا وفى أسرع وقت ممكن إلى تعمير سيناء الحبيبة. وإننى أقترح أن يفتح حساب فى أحد البنوك المصرية الكبرى لصالح "تنمية سيناء" للتبرع ولو بجنيه واحد، أو بنسبة 1% من الراتب، وطرح أسهم وسندات للاكتتاب فى هذا المشروع القومى العظيم من أجل جمع 10 مليارات جنيه قبل نهاية العام الجارى للانطلاق وفق جدول زمنى أقصاه عشر سنوات، وخريطة تضع الأهم فالمهم حتى نصل إلى مرحلة تنافس فيها سيناءالقاهرة فى جذب السكان، وتتفوق على كبريات المدن والمراكز السياحية والتجارية فى العالم.