* خبراء: السياسة انتقلت "لا إراديا" إلى ساحات اللعب فى المدرسة * دعوة للتفاؤل والسلمية فى طابور الصباح من خلال الإذاعة المدرسية منذ انطلاق ثورة الخامس والعشرين من يناير أصبحت السياسة المحور الذى تدور حوله حياتنا؛ ولم تعد المنافسة الحزبية مقصورة على الصندوق الانتخابى وإنما امتدت لكل بيت بجدلها واختلافاتها وأحيانا كثيرة خلافاتها أيضا، ووسط كل هذا يحيا الأبناء ويعايشون كل ما يدور حولهم، سواء على شاشات التلفزيون أو داخل البيوت، وتنتقل هذه المنافسة الحزبية والخلافات السياسية لا إراديا إلى ساحات اللعب فى المدرسة وداخل الفصول، وبحماس الأطفال يتحول الأمر فى معظم الأحيان إلى شجار يصل إلى "استدعاء ولى الأمر" من قبل إدارة المدرسة. ونحاول خلال هذه السطور التعرف على المشكلات التى يمر بها الطلبة فى هذه السن وأسباب العنف والنتائج المترتبة على ذلك داخل المدرسة. غياب الأنشطة الطلابية يقول على عبد القادر -أخصائى اجتماعى بمدرسة تجريبية-: "يعانى التلاميذ فى سن المراهقة تحديدا من غياب القدوة وسهولة الانسياق، فلا يوجد لديهم الرمز أو المثل الأعلى، كما أن ظاهرة الدروس الخصوصية قضت على كل القيم الطيبة وأصبحت المادة هى المحرك الأساسى لكل شىء من أول الحصول على الشرح الجيد، وحتى النجاح فى الامتحانات ودرجات أعمال السنة، فلم يعد هناك التوجيه السليم من المدرس، وأصبح الطالب ذو الشخصية القوية يستطيع أن يقود فريقا من الطلبة ويوجههم إلى أى عمل فوضوى بكل سهولة، دون أن يفكر أحد فيما يفعل إن كان صوابا أم خطأ. ويضيف عبد القادر أن الحل يكمن فى وضع مناهج تتناسب مع التغيرات الحالية، وتفعيل الأنشطة فى المدارس، فمثلا أغلب المدارس دون مدرس تربية رياضية بسبب تدنى الأجور، ومن ثم لا توجد ممارسة للرياضة لتفريغ الطاقات لدى الطلبة، وهذا ما يترتب عليه كثرة العنف فى المدارس، وكثيرا ما يطلب من الأخصائى الاجتماعى أعمال إدارية تجعله يقصر فى عمله الأساسى، مما تترتب عليه انتشار العنف، خصوصا أنهم فى مرحلة سنية تحتاج إلى الاهتمام من البيت والمدرسة معا، فدوره الاقتراب من الطالب وتكوين تجمعات ومعسكرات وندوات والتعرف على مشاكل الطلبة والعمل على مساعدتهم فى حلها، إلى جانب غياب مجلس الآباء الذى كان يعقد لمناقشة مشاكل الأولاد وحلها مما أحدث فراغا بين البيت والمدرسة، ومن ثم زيادة انتشار السلوكيات المشينة بين الطلاب. إشراف تربوى أما سكران فراج -مدرس لغة عربية للثانوى العام- فيقول: "تحولت المدرسة لساحة للصراع الفكرى، فهناك من الطلاب من يؤيد النظام الحالى، وهناك من يرفضه، ولكن فى مرحلة الثانوى يتسم الاختلاف بالموضوعية، فيقوم أحد الطلبة بطرح وجهة نظره التى أحيانا ما يكون بها بعض المعلومات الخاطئة، مثل أن الدولة انهارت والنظام لم يعد قادرا على القيام بمهامه، فأسأله من منكم لم يتسلم والده مرتبه، فلا يجيب أحد، فأجيب إذا فالدولة لم تنهر، وهكذا يستمر النقاش وبعد انتهائه تجدهم يخرجون معا وكأن شيئا لم يكن". وأضاف: "نحن ندعو الطلبة يوميا فى طابور الصباح من خلال الإذاعة المدرسية إلى التفاؤل واستخدام الطرق السلمية والسليمة فى التعبير عن الرأى، ولكننا فى المقابل نطالب الدولة بتبنى منهج تثقيف للمعلمين، فالمدرس الذى انكب على الدروس الخصوصية لرفع مستوى معيشته قد نسى دوره الأساسى ومن ثم انعكس ذلك على الطلبة التى تتلقى منه وتتأثر بسلوكه". عدوى البلطجة ويقول د. رءوف عزمى توفيق -أستاذ مساعد بالمركز القومى للبحوث التربوية-: إن "المشكلة تتمثل فى المدرس أولا، فالطالب يجلس ليسمع منه، فإذا كان غير مؤهل للقيام بدوره بشكل كامل فلن يستطيع أن يفيد الطالب، والآن وضعت قيود على المدرس لا تسمح له بعقاب الطالب المشاغب أو المتجاوز، مما ترتب عليه ضياع هيبة المدرس أمام الطلبة، فمن أمن العقوبة أساء الأدب". ويضيف: "هذا إلى جانب تكدس المناهج مما أهدر قيم التعليم، فلا توجد مادة علمية تتيح للطالب فرصة التفكير أو التأمل أو التدبر، وأصبح المهم أن يحفظ الطالب ما جاء فى الكتاب ليفرغه فى ورقة الامتحان، والمدرس يتوقع الامتحان ويمنحه للطالب فى أثناء الدرس الخاص، ومن ثم يشعر الطالب بعدم احتياجه للمدرسة لأنه ضمن النجاح من خلال الأموال التى يضخها فى جيب المدرس، وكل ذلك فى ظل التربية العشوائية المنتشرة من خلال وسائل الإعلام وعدم اهتمام الآباء باحتياجات الأبناء الاجتماعية والنفسية، بينما مجلس الآباء فى المدارس أصبح يركز على جمع التبرعات". ومع انتشار البلطجة والفوضى فى المجتمع الخارجى فقد انتقلت بدورها إلى مجتمع المدرسة كما يوضح أستاذ التربية؛ ويضيف: "لذلك لا بد من تفعيل القانون بحزم وقوة فى الخارج والداخل معا، كذلك عدم إقحام السياسة داخل المدارس، والعمل بموضوعية وحيادية تامة مع الطلبة، ووضع معايير علمية وعالمية موضوعية صادقة ثابتة لاختيار القيادات حسب الكفاءة والخبرة".