"سنبقى هنا حتى يزول الألم".. شعار رفعه شعب الشيشان، عندما حاولت الشيوعية بقيادة جوزيف ستالين تهجيرهم وسرقة أراضيهم، وهو ما تم بالفعل عندما أمر هذا الديكتاتور فى 23 فبراير 1944 بتهجير الشعب الشيشانى والأنغوشى إلى أسيا الوسطى؛ مما أثر على حياة أكثر من نصف مليون شخص تم ترحيلهم قسريا، نصفهم لقى حتفه نتيجة المجازر التى ارتكبها جيش الاتحاد السوفييتى، والنصف الآخر قضى عليهم شتاء سيبيريا القاسى. وخلال ساعات قليلة، أصبحت أرض الشيشان وأنغوشيا خالية من سكانها الأصليين ومحيت كلمة الشيشان من كل الخرائط والسجلات والموسوعات، بعدما قام ستالين ونظامه بتلفيق تهمة الخيانة لهم وأنهم يتعاونون مع ألمانيا النازية. بدأت القصة قبل 69 عاما، عندما قام الجيش الأحمر، بدعوة الرجال فى كل قرية إلى اجتماعات فى مجلس السوفييت المحلى للاحتفال بيوم الجيش، لكنهم صدموا عندما قام أحد المسئولين بقراءة قرار السلطات السوفييتية بالترحيل الكلى للشعب الشيشانى والأنغوشى بتهمة الخيانة والتعاون مع العدو الألمانى، حسب البيان. وبالرجوع إلى التاريخ قليلا نجد أن هذه التهم لا صحة لها ولا دليل عليها، خاصة أن الزحف الألمانى لم يصل إلى أرض الشيشان، بل توقف على حدودها، بل يدحض هذا الافتراء أيضا ما قام به رجال الشيشان من دور فى الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا، ومنحوا عددا كبيرا من الأوسمة نسبة لعددهم فى الجيش السوفييتى، وفى النهاية حتى أولئك الجنود لم يستثنوا وتم عزلهم من وحداتهم وترحيلهم فورا إلى أسيا الوسطى. ورغم عدم وجود أى دليل على هذه التهم إلا أن ستالين -المؤسس الثانى للاتحاد السوفييتى- استخدم هذا الادعاء ذريعة للتخلص من شعب الشيشان الذى رفض الخنوع لرغبات الشيوعية. مشهد مأساوى وفى مشهد مأساوى أجبر الرجال والنساء والأطفال فى المدن بقوة السلاح على ركوب الشاحنات التى قامت بنقلهم إلى أقرب محطة قطار، وهناك تم "حشرهم" فى مقطورات كانت تستخدم لنقل الماشية دون كسوة أو طعام، أما أبناء القرى فى المناطق الجبلية النائية، فقد أجبروا على النزوح مشيا، وتم إعدام كل من قاوم من الرجال أو النساء، وبالفعل أطلق الرصاص عليهم وقتل الشيوخ والحوامل والرضع، وتم التخلص من العجائز غير القادرين على المشى، وفى لقطات أرشيفية تم حرق 700 من النساء والأطفال والشيوخ أحياء فى قرية تدعى كايباخ الجبلية. وتمت هذه الممارسات الممنهجة، وسط صمت دولى وإسلامى وعربى، واستطاع الحزب الشيوعى خلال أيام من تغييب شعب بأكمله بتهجيره وقتله، وأصبح الدخان يتصاعد من مدن الشيشان فى مشهد يبث الرعب فى قلوب كل من يحاول المقاومة. وفى 29 فبراير 1944، كتب رئيس الشرطة الشيوعية السرية "لافرنتى بريا" رسالة إلى ستالين، قال فيها: "أبلغكم نتائج عملية تغيير موطن الشيشان والأنغوش، وبدأت عملية إعادة التوطين فى 23 فبراير فى غالبية المقاطعات، باستثناء سكان المناطق الجبلية العالية، وتم إخلاء قرابة 500 ألف شخص، وجميعهم حملوا فى مقطورات خاصة، إلى الأماكن الجديدة المخصصة". إصرار وانتصار ورغم ذلك "انتصر إصرار الشيشان على البقاء" كما وصف المعارض الروسى ألكسندر سولزنيتسين، عندما كتب "أمة رفضت أن تستسلم بل رفضت حتى تقبل فكرة الخنوع، لم يكن ذلك سلوك مجموعة من الثوار بل أمة بأسرها". وفى مثل هذا اليوم (23 فبراير)، يتذكر أبناء الشيشان هذه المآسى ويطالبون بحقوقهم واستقلال أراضيهم عن روسيا، وهو ما ترفضه موسكو حتى الآن، وتعد من يقاوم منهم "متطرفين" يجب التخلص منهم، وما زال شعب الشيشان الصامد فى جهاد حتى تتحرر إرادته وأرضه.