على الرغم من انحراف معظم وسائل الإعلام عن أهدافها النبيلة والسامية التى وجدت من أجلها، إلا أن الإعلام لا يزال يلعب دورا بارزا فى تشكيل الرؤى وتكوين الآراء وتوعية العقول وتهذيب السلوك. ولعل سيطرة المرتزقة ورواد الفحش على ميدان الصحافة منذ عقود جعلت مسيرتها مضطربة طوال السنوات الماضية، خاصة خلال الفترة الراهنة، وهذا طبيعى فى ظل وجود مثل هؤلاء بلا مبادئ أو قيم أو أدبيات. إن الإعلام ليس غاية، فى حد ذاته، بل وسيلة مهنية يستطيع بواسطتها الصحفيون والإعلاميون خدمة الصالح العام، والعمل على تأمين المعلومات التى يحتاجها قادة الرأى وأصحاب القرار، وتحقيق أقصى سبل الرقابة على السلطات الثلاث للصالح العام. ومن المعروف أن حيوية أى مجتمع تسهم فى تنشيط المنظومة الإعلامية من خلال إظهار التعايش المجتمعى، والتعرف على احتياجات الجمهور والاستجابة لرغباته والانسجام مع فطرته الطاهرة، والتعبير عما يجول فى خواطره بصدق وأمانة وليس تزلفا وابتزازا ونفاقا من أجل التجارة الرائجة. ولكن الواقع يقول إنه لم يعد لدينا إعلام حقيقى إلا ما ندر وعلى استحياء، فإذا أردنا عمل مسح لنوعية المواضيع والقضايا المطروحة على الساحة اليوم لوجدنا أن القشور والسطحية والإثارة والسلبية والتفاهة عنوانها. لقد أصبحنا نتيقن يوما بعد يوم أن الإعلام إذا عمل بلا ضمير انحرف عن أهدافه الحقيقية وتحول إلى إعلام "السبوبة" القائم على المال ورغبات الفئة المنحرفة والمبتذلة فى المجتمع. ومن المفيد هنا تذكر كلمات الصحفى الأمريكى المعروف جوزيف بوليتزر: "جمهوريتنا وصحافتها سوف تنهض أو تنهار فى الوقت نفسه… فالصحافة المتهكمة، والمرتزقة، والغوغائية سوف تنتج مع الوقت شعبا خسيسا مثلها". ما نراه اليوم يتطلب التفكير جديا فى كيفية دعم الإعلام الهادف والمسئول وإن كان فيه تقصير، فإصلاح الخلل أفضل من ترك المجال كله أمام ممن لا يراعون الله فى توعية المجتمع بما لا يليق بقيمه وعاداته وتقاليده وأعرافه. وينبغى الأخذ فى الاعتبار أن جهادنا اليوم هو جهاد مدنى يندرج تحته الإعلام، الأمر الذى يتطلب بذل المزيد من الجهد من أجل تعليم الجاهل، وتهذيب السلوك، وتنوير العقول، وتشكيل الآراء وفق منهج الوسطية باعتباره منهاجنا فى الدعوة والإصلاح والتجديد. إن حراكنا الإعلامى بحاجة إلى التجديد والتطوير فى الأداء والطرح والممارسة، مع ضرورة استشعار أهمية رسالة الكلمة الصادقة، ولن يتحقق ذلك إلا إذا كان هناك رجال مهنيون سخّروا حياتهم لتقديم إعلام مسئول قادر على خدمة مجتمعاتنا بما يليق بمرجعية ديننا الحنيف. فلنجتهد فى خدمة عصرنا كما اجتهد غيرنا ممن لا دين لهم ولا ملة فى البقاع الأخرى، وأن نستشعر قلوب شعوبنا، وأن نشدد فى الأصول ونيسر فى الفروع وأن نتلمس الحكمة من أى وعاء خرجت.. فهل من مدكر؟!