في الوقت التي تستخدم فيه السعودية الحج كأداة عقاب لدول على رأسها قطر، تستخدمه السعودية كأداة مكافأة لدول أخرى على رأسها مصر، ممثلة في صحف مخابرات عبدالفتاح السيسي، التي تعمل في ملف الحرب على قطر بالوكالة عن دول الحصار، ليصبح الحج وزيارة بيت الله الحرام أداة سياسية في يد نظام يمنحها لمن يشاء ويعاقب بها من يشاء، غير مكترث بقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. ورقة سياسية ولعل مئات التأشيرات التي وصلت لأكثر من ألفي تأشيرة، حج مجانية، أصدرتها السفارة السعودية بالقاهرة، لصحف مخابرات السيسي، فضحت نوايا السعودية التي تحاول السيطرة على منابر الإعلام في مصر، من خلال مكافأة المئات من رجالها، في الصحف والقنوات الفضائية، استكمالاً لمحاولات الحصار على قطر، بعد أن ساهمت هذه الصحف في الحرب التي تشنها دول الحصار، ليصبح تسييس فريضة الحجّ عند المسلمين، أداة جديدة تستخدمها السعودية كورقة سياسيّة ضدّ دولة قطر وشعبها. في الوقت الذي صدرت هذه الصحف محاولة تصوير تسهيل حجّ القطريين كمكرمة من الملك سلمان بن عبدالعزيز، في صورة البطولة والمروءة، رغم التعنت الذي يواجهه الحجيج القطريون من غلق معابر برية والمجالات الجوية، وعندما سمحت للعشرات منهم، اشتطرت أن يكون ذلك بالطيران السعودي فقط، ليبدأ التعاطي السعودي مع الحجّ كمكافأة لدول الحصار نفسها، وإعلام تلك الأنظمة الذي يُحرّض باستمرار ضدّ قطر. مكافأة فورية البداية كانت عندما ذهب نقيب الصحفيين عبد المحسن سلامة، للسفارة السعودية في زيار مفاجئة، وأعلن أنه حصل على ألف تأشيرة حج مجانية، قام بتوزيعها على الصحف القومية والخاصة بنسب متفاوتة، في حين أبقى على عدد من هذه التأشيرات للنقابة، لإجراء قرعة علانية عليها، في الوقت الذي استغلت فيه النقابة هذه التأشيرات للترويج، للسعودية، والكرامة التي ظهر بها الملك سلمان، في تسيير الحج للمسلمين. وبعد نجاح حملة الترويج في النقابة للسعودية، وتهليل الصحفيين لهذه التأشيرات التي حصل عليها المشتاقون لزيارة بيت الله الحرام، استغلت السعودية الفرصة، ووكشف مصدر مطلع في السفارة السعودية في القاهرة عن استصدار السفارة لنحو ألف تأشيرة حج مجانية للصحافيين المصريين، وذويهم مرة أخرى، خلال الأيام القليلة الماضية، بزيادة بلغت سبعمائة تأشيرة عن العام الماضي (ثلاثمائة تأشيرة)، بناءً على تعليمات السفير السعودي أحمد القطان، تقديراً لدورهم في تغطية ملف اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين. وقال المصدر في تصريحات صحفية إن سفارة الرياض ضاعفت من التأشيرات المهداة للصحف الحكومية، من 50 تأشيرة لكل من مؤسسات الأهرام، وأخبار اليوم، ودار التحرير (الجمهورية)، العام الماضي، إلى 150 تأشيرة لكل منها، مع منح 150 تأشيرة لكلّ من الوكالة الرسمية (أنباء الشرق الأوسط)، ومؤسستي "دار الهلال"، و"روز اليوسف"، بالتساوي فيما بينها. وأفاد المصدر بزيادة العدد المخصص للصحف اليومية الخاصة والحزبية من 10 تأشيرات إلى 30 تأشيرة لكل منها، حظت بها صحف: "المصري اليوم"، و"الوطن"، و"الشروق"، و"الدستور"، و"البوابة"، و"الوفد"، إلا أنّ السفارة اختصّت صحيفة "اليوم السابع" بعدد 50 تأشيرة، لما لعبته من دور بارز في دعم توجه نظام عبدالفتاح السيسي نحو سعوديّة جزيرتي "تيران وصنافير". الولاء للسيسي ومع سيطرة مخابرات السيسي وأنظمة الحصار على الإعلام في مصر، بدأ القائمون على صحف الانقلاب في إعلان ولاءهم التام للسيسي، ومحاربة أي صحفي يكتب ولو كلمة واحدة ضد السيسي على صفحته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث فصلت الصحيفة، المملوكة لرجل الأعمال، أحمد أبو هشيمة، ثلاثة من صحافييها القدامى، بشكل تعسفي، عقاباً على توقيعهم بياناً يدعم مصرية الجزيرتين. ويصف قطاع عريض من الصحافيين المصريين الصحيفة ب"الناطق الرسمي لإدارة الشؤون المعنوية للجيش"، لدأبها على شن حملات التشويه والتخوين ضد أي من معارضي سياسات السيسي الأمنية أو الاقتصادية. وفي مقابل ذلك، كافأت السفارة السعودية هذه الصحف بتأشيرات الحج المخصصة للصحف الأسبوعية من 10 تأشيرات إلى 20 تأشيرة، وجاء في مقدمتها: "الفجر"، و"صوت الأمة"، و"الأسبوع"، و"الخميس"، و"النهار"، و"الأهالي"، علاوة عن تلقي نقابة الصحافيين مائة تأشيرة، بدلاً من 30 تأشيرة في العام الماضي، ليحظى الصحافيون بالتأشيرات سواء من صحفهم أو نقابتهم. كما تضاعف تأشيرات الحج المجانية للصحافيين المصريين إلى ثلاثة أمثال دفع عدداً غير قليل منهم إلى الحصول على تأشيرات لذويهم، وأقاربهم، إلى درجة عدم إجراء أغلب الصحف لقرعة بين أعضائها للفوز بالتأشيرات، كما تجري العادة، ونشر بعضها ملصقات داخلية تفيد بأن عدد المتقدمين للحصول على التأشيرات أقل من المخصصة للصحيفة. برلمان العسكر وكان برلمان العسكر قد تلقى قرابة ألف وخمسمائة تأشيرة حج، لهذا العام، وزعت على أعضاء البرلمان بواقع تأشيرتين لكل نائب، خلاف ما حصلت عليه الأمانة العامة للمجلس النيابي من تأشيرات، بحسب الأرقام المعلنة، بما يزيد عن ضعف التأشيرات المخصصة في العام الماضي. وترتبط الزيادة الكبيرة في تأشيرات الحج المهداة من الرياض إلى الصحف المصرية، ومن قبلها برلمان العسكر، الموالي للسيسي، بتمرير الأخير، وسط حملة إعلامية ممنهجة، لاتفاقية تنازل مصر عن الجزيرتين الواقعتين عند مدخل مضيق "تيران" في البحر الأحمر، لصالح السعودية، على الرغم من الأحكام القضائية الصادرة ببطلانها. ورفعت السعودية من تأشيرات الحج الممنوحة لمصر لهذا العام، إلى 78 ألفاً و138 تأشيرة، بدلاً من 62 ألفاً و511 تأشيرة، نظراً لانتهاء أعمال التوسعات في الحرم المكي، التي وزعت بنظام المحاصصة ما بين وزارات الداخلية (حج القرعة)، والتضامن الاجتماعي (حج الجمعيات)، والسياحة (حج الشركات). وتوزع السفارة السعودية في القاهرة كل عام ما يُسمى ب"تأشيرات المجاملة" على مؤسسات الرئاسة، والبرلمان، ومجلس الوزراء، ووزارة الخارجية، وعدد من الجهات السيادية، والصحف الحكومية والخاصة، فضلاً عن كبار الكتاب والإعلاميين والدبلوماسيين، ممن لم يتسن لهم الحصول على تأشيرات من الحصة الرسمية.