يعانى هيكل النشاط الاقتصادى المصرى من تشوه واضح يعكسه توزيع النشاط الاقتصادى بين القطاعات الرئيسة: الصناعة والزراعة والخدمات. فقطاع الخدمات هو صاحب النصيب الأكبر من حيث مساهمته فى الناتج المحلى لاستحواذه على ما يزيد عن 50%، وهو ما همَّش من مساهمة قطاعى الصناعة والزراعة وهما القطاعان اللذان يتيحان فرص عمل حقيقية ودائمة ويشكلان قدرا مهما من القيمة المضافة، كما يعانى ميزان المدفوعات من خلل مستمر، فلا يجبره إلا الإيرادات الريعية المتمثلة فى عوائد البترول والسياحة وقناة السويس والعاملين بالخارج. وهذا يتطلب فى الأجل المتوسط والطويل إصلاح هيكل النشاط الاقتصادى كركن هام وضرورى لنهضة الاقتصاد المصرى، وذلك من خلال تنويع الهيكل الإنتاجى وحسن استخدام الموارد المتاحة،وهو ما يخفف العبء على السياسة النقدية والمالية ويهيئ لها البيئة المناسبة لتكون سياسة متوازنة ورشيدة وعقلانية، للخروج بمصر من نفق الاقتصاد الريعى إلى الاقتصاد التنموى. وهذا يتطلب بدوره وجود حزمة إجراءات وتشريعات تسير فى هذا الاتجاه، والاهتمام بتوجيه جزء أكبر من الموازنة العامة للدولة نحو الاستثمار فى التعليم والبحث العلمى والصحة بما يخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع إعادة النظر فى المخصصات التى كانت تنفق على الأمن بغرض تأمين النظام السابق الفاسد، وأن تقتصر على تحقيق الأمن النفسى والمادى للمواطنين، وإصلاح النظام البيروقراطى والنظام القانونى والقضائى والإسراع فى فض المنازعات، وترسيخ سيادة دولة القانون، والحرية والإعلام الحر الهادف، وتشجيع الاستثمار الأجنبى المباشر وفقا للمصالح المتبادلة وأولوياتنا، وفتح المجال للقطاع الخاص بمشروعاته الكبيرة والصغيرة -وفقا لتوجيهات الدولة ورقابتها باعتبارها الحارس لكفاءة السوق وتصحيح ما به من خلل- لاتخاذ دوره الأساسى فى تحقيق تغير هيكلى فى النشاط الاقتصادى. إن الإصلاح الهيكلى يتطلب التركيز على قطاع الصناعة وتحقيق التوازن بينه وبين القطاعات الأخرى، فينبغى التوجه نحو المزيد من الصناعة وتقوية القاعدة الإنتاجية وتنميتها بمعدلات مرتفعة وترتيب الاستثمارات حسب أولوياتها وتوجيهها نحو الإحلال محل الواردات وتعظيم القيمة المضافة للصادرات من خلال تعديل هيكلها بتشجيع الصادرات الأكثر تطورا خاصة الصادرات الصناعية التى يتميز فيها الاقتصاد المصرى بميزة تنافسية، حيث يوجد فرص للتصنيع والتصدير فى قطاعات الغزل والنسيج، والمنتجات الجلدية والأثاث، والصناعات الإلكترونية والمعلوماتية. ويتطلب الإصلاح الهيكلى الانتقال فى قطاع الزراعة من زراعة المحصولات التجارية إلى زراعة المحصولات الغذائية تحقيقا للاكتفاء الذاتى مع إيلاء أهمية خاصة لاستصلاح الأراضى وإحياء الأرض الموات وتوسيع الرقعة الزراعية، فضلا عن الاهتمام بالسياحة الدينية والبديلة وتعظيم القيمة المضافة لقناة السويس من خلال إنشاء مشروعات فعالة ترتبط بنشاط القناة، وكذلك إيلاء عناية خاصة لتنمية سيناء مع التوازن بين الأقاليم الأخرى بصورة تؤدى إلى زيادة نمو الناتج القومى الحقيقى وتنويعه وفقا لأولويات المجتمع من ضروريات فحاجيات فتحسينيات، مع أهمية استخدام أسلوب الدولة للحافز القومى والإسلامى لتوجيه رجال الأعمال للإنتاج وفق هذه الأولويات، وترشيد الاستيراد، وتشجيع الصادرات بالتوجه نحو الأسواق العربية والإفريقية والإسلامية، واستغلال اتفاقيات التجارة المبرمة فى هذا الإطار، أو فى إطار المنظمات الدولية، بما يحسّن من وضع ميزان المدفوعات خاصة الميزان التجارى، ويحقق الاستقلالية الاقتصادية ومن ثم الخروج من نفق التبعية الاقتصادية والسياسية، مع مراعاة أن نجاح سياسة التصدير مرهون بتنوع القاعدة الإنتاجية واتساعها وكذلك زيادة القدرة التنافسية للمنتج المصرى فى السوق العالمية التى تتوقف بطبيعتها على عنصرى السعر والجودة. وينبغى تأكيد أن إصلاح هيكل النشاط الاقتصادى ينطلق من الإنسان المصرى ذاته فهو محور التنمية، ومن ثم تبدو أهمية تشجيع ميلاد منظمين يتمتعون بالجرأة والإقدام على إنشاء أعمال جديدة، وتحويل الأفكار إلى واقع ملموس من خلال تفاعل دور الدولة وكذلك القطاع الثالث من مؤسستى الزكاة والوقف (بعد إنشاء قانون لكل منهما ينظم عملهما) وتجمعات رجال الأعمال كاتحاد الغرف التجارية واتحاد الصناعات لإقامة مؤسسات تدريب لتفريخ أعداد متزايدة من رجال الأعمال الشباب لإنشاء مشروعات متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة فى إطار منظومة أخلاقية تقدس قيمة العمل والجودة وترسخ الأمانة والمصداقية والشفافية كسلوك لرجال الأعمال مع توفير التمويل اللازم لهم من خلال المصارف والمؤسسات بأساليب التمويل الإسلامية المتنوعة.مع إعطاء الأولوية لها لامتصاص البطالة فى أسرع وقت، وتحقيق العائد على الاستثمار فى أقل وقت، والتركيز على المشروعات المغذية إلى الأمام وإلى الخلف للمشروعات الكبيرة لتحقيق التكامل بين الأنشطة الاقتصادية وداخل النشاط الاقتصادى الواحد، وكذلك توفير التسويق اللازم لمنتجاتها من خلال شركات تسويق متخصصة. مستشار وخبير التمويل والاقتصاد الإسلامى [email protected]