"وكم فيكِ يا مصر من مضحكات ولكنه ضحك كالبكاء" بيت شعر يعبر بجلاء عن أحوال مصر فى زمن العسكر، بعد أن سيطر التوافه على مصير البلاد وتحكم السفاء والفاسدين فى مفاصل الدولة، فكانت المحصلة انهيار عام ضرب كافة المؤسسات، وموات اقتصادي يدفع ضريبته البسطاء ويُكرم فيه أصحاب المليارات. أوضاع مزرية حالة الثورة المصرية أن تجتثها من فوق أرض الوطن بإزاحة حكم العسكر الذى جلب الخراب على البلاد ومحاسبة الفاسدين واحترام الحريات واستعادة ثروات الوطن المنهوبة فى الداخل والمليارات المهربة فى الخارج، غير أن هذا المسار لم يرق لعصابة الجنرالات فعملت على دهس مكتسبات الثورة وإعادة مصر إلى حدود 24 يناير 2011. ولأن ملفات الفساد التى فتحتها الثورة وحاولت الانتصار فيها للإرادة الوطنية كان لزاما على الانقلاب أن يتماهي معاها من أجل تجميل صورته القبيحة، جاء قرار إسناد متابعة الأموال المهربة إلى وزارة يرأسها متهم بالفساد والتربح واستغلال النفوذ والاستيلاء على أراضي الدولة وزير عدل العسكر أحمد الزند. شبكة "الجزيرة" الإخبارية، رصد هذا الواقع المرير الذى ينذر بالتنازل عن مليارات الدولارات من أموال المصريين فى الخارج، وألمحت إلى التاريخ الممتد من المعارك بين الجهاز المركزي للمحاسبات ووزير العدل أحمد الزند على خلفية اتهامات تورط الأخير في قضايا نهب لآراضي الدولة، كتبت عنها صحيفة الأهرام الرسمية الحكومية ذات يوم. وكشف التقرير المستندات والملفات التى فتحها المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وتفضح فساد القابع على رأس منظومة العدالة، قبل أن تكلفه الإطاحة من منصبه من الجهاز الرقابي بعدما توعده الزند على الهواء مباشرة. وأوضح أن تلك الكوميديا السوداء هى التى فتحت باب التندر، حين شوهد الوزير نفسه يلقي كلمة مصر في منتدي استرداد الأموال المنهوبة، حيث ارتدي ثوب الشرفاء على المنصة متعهدا بالصبر والصمود من أجل استعادة ثروة مصر المهربة إلى الخارج، متناسيا أنه أحد الذى سرقوا أموال الشعب. وأشار التقرير إلى أن الأموال المنهوبة من مصر والمهربة خارجها، وصلت إلى 40 مليار دولار فقط في الفترة ما بين عامي 2004 إلى 2013، ذلك وفق دراسة لمنظمة النزاهة المالية العالمية، التي سجلت في تقرير لها أن عامي 2008 و2013 سجلا أعلى مستوى لعملية التهريب تلك. وحسب المنظمة فإن دولة العسكر تأتي في المركز السادس والثلاثين بين 149 دولة تُهرب منها الأموال بصورة غير شرعية، ووجود مصر في صدارة الدول المهربة أموالها يفسر جانب من الأزمة الاقتصادية التي تعانيها، سيما انخفاض احتياطي النقد الأجنبي، وهو الذي انخفض لدي البنك المركزي إلى 16 مليار دولار نهاية نوفمبر الماضي بعدما وصل إلى 36 مليار دولار عام 2010. وتابع: "بدل البحث عن تلك الأموال المهربة أو السعي الجاد لاستعادتها، تتخذ السلطة إجراءات تقشفية ينسحب أثرها على الغالبية من الفقراء والمهمشين، وآخر ما تمخضت عنه تلك الإجراءات اقتراح قائد الانقلاب السيسي يتبلور الآن في دعوة المصريين العاملين بالخارج لتحويل 100 دولار لذوييهم بالداخل". واختتم التقرير بمزيد من المراراة على مآل مصر فى ظل الحكم العسكري، معقبا: "استعادة الثروات المنهوبة كان أملا معلقا في أعناق الثورة، ومرت الأيام فلا تمكنت الثورة ولا اُستعيدت الثروة".