وقف متجهما أمام عمائم حمراء منكسة ووجه خاشعة أبصارها ترهقها ذلة، ثم صرخ بلهجة لا تخلو من الوعيد وبضجر لا تخطأه أذن سامع، "لا بد من ثورة دينية، والتخلص من النصوص المقدسة التى تدعو للعنف، وتعادى العالم كله". هكذا كان المشهد عندما وطأت أقدام قائد الانقلاب الدموى احتفالية المولد النبى الشريف أمام عمائم الأزهر وشيخهم الصامت ومفتى الدماء، وبقى الصمت يخيم على الحضور وكأن على رؤوسهم الطير، فيما إهترأت أيديهم بتصفيق ممنهج ومنتظم لتقتل سكتات السيسي وكأن هناك من يحركهم ويأمرهم فيأتمرون. وفى ذات الموكب وعلى بُعد أيام قلائل انطلق السفاح فى طريقه إلى الكنسية الأرثوذكسية من أجل المشاركة فى أحتفالات الأقباط بأعياد الميلاد، والابتسامه تذبح وجهه من الأذن إلى الأذن والفرحة تنضح من عينيه، وسط حفاوة استقبال مبالغ فيها من النصارى، أجبرتهم على قطع القداس من أجل سماع ترانيم المشير المخلّص. وعلى طريقة أفراح المناطق الشعبية أمسك قائد الانقلاب -الذى بات أول من توسد السلطة فى غفلة من الزمان يشارك فى القداس- ب"الحديدة" وراح يغازل فى الحضور ويتبادل النكات والضحكات ويتلقى التهانى والقبولات، ويشنف أذانه بتصفيق ملتاع، قبل أن يُعمّد الحضور بعبارات بلاستيكية تعبر بصدق عن واقع المشهد فى بلد 25 يناير وحقيقة من يحكم البلاد: «أرجو أن أكون مقطعتش عليكم الصلاوات.. مصر على مدى آلاف السنين علمت الإنسانية والحضارة، والعالم منتظر من مصر برضوا فى العام اللى إحنا فيه.. وإحنا كمان بنحبكم". هى إذن الرسالة الواضحة التى أرادها قائد الانقلاب أن تصل كاملة إلى ما قام بترسيمه على بر مصر من الخارج، بأن الحق معكم فى أن الإسلام هو المحرض على العنف وأن نصوصه تحتاج إلى تنقيح وأن المليار ونيف لن يتمكنوا من قتل السبعة مليار للعيش بمفردهم، وفى المقابل فإن دين الصليب هو الإنسانية والحضارة. تباين خطاب قائد الانقلاب بين الأزهر والكنيسة والانتقال من الملامح العابثة إلى الوجه الباسم فى مشهد عبثى، أثار حالة من الاستياء الواضح والتى لا تخلو من السخرية على حال البلاد وحقيقة مين يدير البلاد منذ انقلاب 3 يوليو الدموى. عمر على افتتح تعليقه على خطاب قائد الانقلاب، قائلا: «"لا والله ما حكم عسكر" و "الكنيسة لا تمارس السياسة" أكذب عبارتين في التاريخ المصري»، فيما اكتفى عمرو محمد بالتدليل القرآنى على المشهد: «قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ». وسخرت سارة أحمد من التباين الفاضح بين الخطابين، قائلة: "السيسي: انت يا برهامي قلت تهنئة المسيحيين حرام؟، برهامي: والمسيح الحي ما حصل يا ريس!"، فيما خلص الفريد رؤوف إلى معطيات جديدة من معادلة الانقلاب: "أصلاً اللي صلبوا المسيح مكانوش اليهود ولا بيلاطس، دول كانوا الإخوان المسلمين وحماس وأردوغان". عمرو عبد الهادى كتب على "تويتر": " مبارك على طول كل سنة كان بيبعت مبعوث للقداس، واليوم الوضع مختلفش ما هو السيسي أصلا مبعوث مبارك"، وردت نور أحمد ساخرة: "وطبعآ اللي كانوا بيسقفوا للسيسي إمبارح دوول عساكر أمن مركزي ولابسين مسيحي ". الناشط جمال كينج لم يندهش من خطاب قائد الانقلاب، قائلا: "السيسي أصبح بابا الأقباط وليس مبعوثا لأحد". وكتب خالد عزت: "يوم مولد خير البشر وقف يهاجم النصوص الإسلامية، وعمال يبرق في وش العمم ويكشر لهم، لكن في عيد الميلاد وقف يضحك للقساوسة ويتمسح فيهم زي الكلب الأجرب". وعلقت الثائرة آيات العرابي: "السيسي على خطى عبد الناصر في محاربته للإسلام وتعاونه مع الصهاينة"، فيما اعتبر أحمد إبراهيم أن السيسي يواصل تمزيق النسيج الوطنى بعدما قرر مشاركة احتفالات الكنيسة المرقسية وتجاهل الكاثوليكية والانجيلية. وعلى ذات الطرح سار الكاتب الصحفى حسن القبانى معتبرا أن زيارة السيسى للكاتدرائية المرقسية بالعباسية هي تفرقة بين المسيحيين أنفسهم بعد أن فرق بين الشعب المصرى، متسائلا: لماذا لم يزور السيسي للكنيسة الإنجيلية والكاثوليكية كما زار الكنيسة المرقسية؟، وعلق: "عادته ومش هيشتريها.. فرق بين المصريين وفرق بين طوائف المسيحيين". القبانى لم يربط فقط بين تباين الخطاب، وإنما ربط خيوط المشهد فى بر مصر: "لو كانت بنات المنصورة الأزهريات من بنات الكنيسة، ما حبسن يوما ولو حدث لكُن مع السيسي وهو يدخل سرا إلي الكنيسة مغازلا أمريكا وخائفا من المجهول" . ولخص أحد النشطاء المشهد، معلقا: "السيسي ل"المسلمين": دينكم يعادي الدنيا ول"المسيحيين": علمتم الإنسانية الحضارة"، وقال آخر: "بعد ما السيسي شتم مليار ونص مسلم، مش غريب لما تلاقوا واحد من المسيحيين يشتم المسلمين وعايز يحرقهم". وانتقدت فيتا تامري المشهد برمته عبر "فيس بوك": "إحنا ما ينفعش نوقف عظة علشان واحد ونقلل من هيبة الكنيسة، بس ينفع نوقف القداس بذات نفسه، ونهتف وندي المايك للأخ الأكبر علشان يحب فينا شوية". بينما سخر أسامة فاروق من الواقع المرير بتعليق أكثر مرارة: "أنا خايف أصحى الصبح ألاقي واحد بيقول إن مافيش حاجة اسمها الإسلام، والإخوان همّ اللي اخترعوه".