لم يحرك اتفاق المصالحة الفلسطينية مشاعر الفرح لدى الفلسطينيين وخصوصًا في قطاع غزة، حيث بدا واضحًا أن الفلسطينيين سئموا الاتفاقات التي لا ينفذ معظمها فلم يرغبوا في رفع سقف توقعاتهم مرة أخرى، كي لا يصابوا بصدمة، حال عدم تطبيق الاتفاق. اعتبر الكثيرون الاتفاق الذي تم التوصل إليه في القاهرة، مساء الخميس الماضي، لا يحمل جديد إلا في البند التاسع منه والذي يتضمن تشكيل لجنة لمتابعة الاتفاق والإشراف على تطبيقه، وضمان رفع العراقيل التي قد تحدث خلال التنفيذ، وهو ما قد يسهل تنفيذ الاتفاق، إن نجح الطرف الفلسطيني، وخصوصًا السلطة الوطنية، في مجابهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية المتوقعة.
تنص التفاهمات، على تمكين حكومة الوفاق الوطني من العمل في القطاع، إلى جانب دورها في الإعمار وإنهاء الحصار المفروض على القطاع، وتفعيل المجلس التشريعي الفلسطيني المعطل بعد التفاهم بين الكتل البرلمانية، بانتظار مرسوم خاص لتفعيله من الرئيس محمود عباس، إضافة إلى حلّ مشكلة الموظفين الذين عينتهم حكومة غزة السابقة بعد أحداث الانقسام.
ودعم الطرفان في التفاهمات التحرك السياسي الذي طرحه عباس في الأممالمتحدة، مستندين إلى وثيقة الوفاق الوطني التي نتجت عن "اتفاق الأسرى" في عام 2006، إلى جانب تفعيل لجان الحريات العامة والمصالحة المجتمعية، والتأكيد على تسريع الخطوات نحو الانتخابات، وتشكيل لجنة المتابعة.
وبدا أن الاتفاق أغفل تفعيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي كان أحد أهم مطالب حركة "حماس"، وإن ذكرها على استحياء في بند التحرك السياسي، بالقول إن الحركتين تؤكدان متابعة هذه الجهود السياسية والتحركات من قبل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، وبشكل خاص لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير (الإطار القيادي المؤقت).
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة، عدنان أبو عامر، الاتفاق بين "حماس" و"فتح" باتفاق "المضطرين المأزومين"، لافتًا إلى أن الاتفاق جاء رغبة من "حماس" لإنجاز ملف الإعمار وفتح المعابر ورفع الحصار عن غزة، لأنه الملف الأصعب والأهم، وسيلقى في وجهها إن لم يحدث شيء في هذه الملفات.
ويلفت أبو عامر في تصريحات صحفية إلى أن الاتفاق لا يزال اتفاق رؤوس أقلام، وعبارات فضفاضة، وحديثًا عامًا. ويشير إلى أن الوضع السياسي يضغط على الطرفين، وهو ما جعلهما مضطرين لإنجاز اتفاق، خصوصًا أن خياراتهما ضئيلة لمواجهة الواقع الصعب سياسيًا وإنسانيًا.
وبيّن أبو عامر أنه إذا لم يحدث اتفاق تفصيلي في كل النقاط العالقة على الطرفين أن يخشيا من انفراط عقد المصالحة والعودة إلى الانقسام، وهو ما يهابه الطرفان بشدة ولا يرغبان به، مشددًا على ضرورة أن يقفز الطرفان على الخلاف ويقدما التسهيلات اللازمة لإنجاح الاتفاق وإنهاء حالة الانقسام ورفع الحصار عن غزة، والبدء في إعمار ما دمره الاحتلال خلال 51 يومًا من العدوان الأخير.
وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي حاتم أبو زايدة، أنه من المبكر الحكم على الاتفاق وإعلان التوصل إليه، مذكرًا بالكثير من الاتفاقيات التي وقعت بعد عام 2008 بين الطرفين، ولم يتم تطبيقها على أرض الواقع.
ولم يستبعد أبو زايدة فى تصريحات صحفية أن يتدخل الطرفان الإسرائيلي والأميركي مرة أخرى لتعطيل الاتفاق الجديد. ويؤكد أن الفلسطينيين ينتظرون أن يطبق الاتفاق على الأرض لتقويمه، وهم لا يريدون أن يبدوا فرحين لكي لا يُصدموا من جديد. ويشدد أبو زايدة على "أننا لسنا أمام إنهاء للانقسام الفلسطيني، بل أمام خطوات جزئية من أجل أن يمضي الإعمار ويُرفع الحصار عن قطاع غزة". ويتوقع كذلك أن يواجه الشعب الفلسطيني الاتفاق الجديد بحالة من "اللامبالاة وعدم الاكتراث"، لأنه ملّ من الاتفاقات الموقعة بين الطرفين والتي لم يُطبق منها الكثير.