في ظل التماهي السياسي والعسكري لنظام السيسي مع إسرائيل، والعمل وفق مصالحها، سواء بإحكام الحصار على الفلسطينيين وإدارة معبر رفح وفق الرؤية الإسرائيلية، أو الضغط على فصائل المقاومة لإخضاعها للسردية الإسرائيلية بالتوجه نحو هدنة موقتة تخدم إسرائيل أكثر من الفلسطينيين، يصعد نتنياهو والحكومة الإسرائيلية من ضرباتها الاستراتيجية لمصر، على المستوى السياسي والعسكري أيضا، وسط صمت نظام السيسي ، الذي يراه الكثيرون خيانة ، وليس عجزا. وقد تعددت تهديدات إسرائيل باستهداف جميع الدول المحيطة وكافة الجبهات بلا استثناء، وكان آخر التهديدات ، الصادرة عن إسرائيل، ما أعلنه رئيس الوزراء نتنياهو، الذي هدد يوم السبت 30 ديسمبر، باحتلال محور فلادليفيا، قائلا : "محور فيلادلفيا، أو بعبارة أدق، نقطة التوقف الجنوبية في غزة، يجب أن يكون تحت سيطرتنا، ومن الواضح أن أي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي نسعى إليه". وقال نتنياهو: "الحرب في ذروتها الآن، نقاتل على كل الجبهات، وتحقيق النصر سيتطلب وقتا". قصف 14 منطقة بجوار مصر إلى ذلك، كثّف جيش الاحتلال الإسرائيلي من قصفه للمنطقة الحدودية بين قطاع غزة، ومصر، ونفذ ضربات في رفح جنوب القطاع، لا تبعد سوى مئات الأمتار عن الأراضي المصرية، واستهدف منطقة تبعد عشرات الأمتار فقط. وازدادت وتيرة الضربات على رفح مع انهيار الهدنة بين إسرائيل وفصائل المقاومة بداية ديسمبر 2023، كما يتزامن ارتفاع معدل قصف جنوبغزة مع تزايد حركة نزوح سكان القطاع إلى المنطقة، وتمركز النازحون قرب الحدود مع مصر، في منطقة يفترض أن تكون الأكثر أمنا في غزة. ووفق رصد لصحافة عربية وغربية، فإنه يوجد نحو 14 مناطق الأكثر قربا من الحدود التي تعرضت للقصف، والتي يتراوح بعدها عن الحدود بين كيلومتر وعشرات الأمتار. من بين أقرب الضربات على الأراضي المصرية، استهداف منطقة في أقصى جنوب غرب رفح، وبحسب صورة نشرتها وكالة Getty Images يوم 12 ديسمبرللمنطقة المستهدفة قرب السياج الحدودي، فإنها لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن الأراضي المصرية. وفي 21 ديسمبر، قصف الاحتلال منطقة معبر كرم أبو سالم، وقتل 4 أشخاص بينهم مدير المعبر بسام غبن، ولا يبعد المعبر سوى أمتار قليلة عن الأراضي المصرية، فضلا عن أنه سبق أن قصف الاحتلال يوم 22 أكتوبر، موقعا للجيش المصري، وقال جيش الاحتلال حينها إن الحادث وقع عن طريق الخطأ. كما أن وصول الغارات الجوية إلى قرب السياج الحدودي مع مصر، يعني أن الاستهداف الإسرائيلي طال حتى محور فيلادلفيا صلاح الدين، وهو عبارة عن شريط حدودي ضيق داخل أراضي قطاع غزة، ويمتد المحور بطول 14 كم على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر من معبر كرم أبو سالم وحتى البحر الأبيض المتوسط. ووفقا لأحكام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، تم الاتفاق بين مصر وإسرائيل على اعتبار هذا المحور منطقة عازلة، ما يجعل لها خصوصية أمنية، وفي العام نفسه وقعت إسرائيل مع مصر بروتوكول فيلادلفيا الذي سمح للقاهرة بنشر مئات الجنود لتأمين هذه المنطقة. ومن بين أقرب الأحياء في قطاع غزة للأراضي المصرية، حي البرازيل، الذي تعرض لقصف إسرائيلي، ويظهر فيديو لاستهداف مبنى في الحي لعائلة شحادة يوم 14 ديسمبر، أنه يبعد نحو 395 متراً فقط عن الأراضي المصرية، وتسبب القصف بسقوط ضحايا بين شهداء وجرحى. pic.twitter.com/qKEvFVmW99 وفي منطقة قريبة من حي البرازيل، يقع حي السلام شرق رفح، والذي تعرض لاستهدافات متكررة، ويبعد الحي عن الأراضي المصرية نحو 550 مترا. وعلى القرب من الحدود أيضا، تعرض محيط مستشفى الكويت في رفح إلى استهدافات متكررة، وكانت غارة استهدفت جوار المستشفى يوم 20 ديسمبر، ولا تبعد هذه المنطقة عن الأراضي المصرية سوى نحو 630 مترا. وفي غارة أخرى في منطقة محيطة بمستشفى الكويت، تعرض مبنيان سكنيان للقصف في 19 ديسمبر، ولا يبعدان عن الحدود مع مصر سوى نحو 430 مترا. ولم تُستثنَ المناطق التي تؤوي نازحين في رفح جنوبغزة من الاستهداف، بما في ذلك المناطق الملاصقة للمدارس التابعة لوكالة الغوث (مدارس الأونروا التابعة للأمم المتحدة)، إذ تعرضت منطقة ملاصقة لمدرسة للفتيات لقصف إسرائيلي، وتبعد المنطقة التي طالها القصف نحو 582 مترا عن مصر. pic.twitter.com/WtSabsUdCI وفي يوم 20 ديسمبر، تعرض مسجد علي بن أبي طالب في رفح، لقصف من قبل قوات الاحتلال، ما أدى إلى تدميره بالكامل، وسقوط شهداء وجرحى، ويبعد المسجد عن الأراضي المصرية نحو 467 مترا فقط. pic.twitter.com/FGz8GjBLMf ومن بين أعنف الضربات الإسرائيلية التي استهدفت رفح، قصف مربع سكني في مخيم الشابورة بالقرب من دوار النجمة، يوم 13 ديسمبر ، ويظهر التحقق من فيديوهات وصور القصف، أن المنطقة المستهدفة تبعد نحو 1.1 كيلومتر عن الأراضي المصرية. ومع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة يوم 7 أكتوبر، وجّه الجيش الإسرائيلي دعوات لسكان مناطق شمال غزة بالتوجه نحو الجنوب، تمهيدا لاستهداف منازلهم، زاعما أن مناطق جنوب القطاع، بما في ذلك رفح، ستكون آمنة. ولم يحظَ الجنوب بفترة هدوء أو استثناء من العمليات العسكرية أو القصف، وبحسب إحصائية نشرتها وكالة رويترز يوم 22 ديسمبر 2023، فإن نحو 11 من المباني في رفح تضررت حتى تاريخ 16 ديسمبر. وتحولت مدينة رفح إلى مركز مكتظ بالنازحين، وتشير تقديرات إلى أن المدينة بات فيها ما لا يقل عن 1.1 مليون نسمة، من بينهم 300 ألف من سكانها، وبذلك يكون نصف سكان غزة قرب الحدود مع مصر. يثير هذا التكدس الكبير للنازحين في جنوبغزة، قلقاً من حدوث سيناريو تهجير جماعي لسكان غزة إلى الأراضي المصرية، وفي هذا الصدد، كان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قد حذر في وقت سابق خلال وجوده في قطر، من تزايد الضغط من أجل التهجير الجماعي إلى مصر. ولعل تلك الممارسات تضغط بشدة على مصر وتقلص سياجتها على أراضيها، وذلك في الوقت الذي تلقن فيه المقاومة الفلسطينية إسرائيل دروسا لا تنسى، وتوقع بهم خسائر لم يعانوها منذ هزيمتهم في حرب أكتوبر 73 وهو ما يعد بمثابة فرصة مواتية لأي قوة إقليمية لردع إسرائيل ووقف مخططاتها التوسعية بالمنطقة.