موقف السودان من مفاوضات سد النهضة يتسم بشيء من التخبط فى الظاهر وكثير من الدبلوماسية في الباطن. النظام العسكري الحاكم في السودان يحاول اللعب على الطرفين المصري والإثيوبي ليحقق أكبر قدر من المكاسب من هنا وهناك، وهو نفس النهج الذي يتبعه في اتفاق التطبيع مع الصهاينة، لكن الواضح أن إثيوبيا نجحت حتى الآن في استخدام السودان، وتوجيه مواقفه لصالحها على حساب مصر وحقوقها التاريخية في مياه نهر النيل. وهذا يكشف فشل نظام الانقلاب بقيادة عبدالفتاح السيسي في إدارة ملف التفاوض وعجزه عن الحصول على دعم السودان، رغم أنه قد يتضرر من سد النهضة في حالة عدم التوصل إلى اتفاق ملزم لإثيوبيا حول إدارته وتشغيله. كان السودان قد أعلن مقاطعة المفاوضات ورفضها لاستمرارها وفق النهج القديم، بعدما أثبتت عدم جدواها، وطالب باعطاء دور أكبر للاتحاد الإفريقي من أجل التوصل إلى حل للأزمة، وهو نفس المطلب الذي يتمسك به آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا. وأعلنت الحكومة السودانية أنها لن تشارك فى أي مفاوضات مقبلة إلا بعد تحقيق هذا الشرط، ثم فوجئ العالم كله بزيارة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، إلى إثيوبيا، وإجراء مباحثات مع نظيره الأثيوبي آبي أحمد ثم الإعلان عن استئناف مفاوضات سد النهضة خلال الأسبوع المقبل؛ وهو ما دفع بعض الخبراء إلى التحذير من توقيع السودان اتفاق منفرد مع إثيوبيا. المواقف السودانية المتخبطة كشفت عنها تصريحات ياسر عباس، وزير الري والموارد المائية السوداني، والذى أكد أنه لم يتم تحديد موعد قاطع لاستئناف المفاوضات مع إثيوبيا رغم إعلان الحكومة السودانية اتفاقها على استئناف المفاوضات. ونفى عباس إمكانية عقد اتفاق ثنائي مع إثيوبيا بشأن سد النهضة رغم وجود تأثيرات على سد الرصيرص، مؤكدا أن التفاوض يحتاج إلى إرادة سياسية من الدول الثلاثة لاستئنافه والوصول لاتفاق. وأضاف أن كمية المياه المخزنة في السد هي جوهر التفاوض، منوها إلى أنه إذا صادف الملء سنين جفاف سيكون هناك نقص في توليد الكهرباء في السودان، مشددا على أنه لا يوجد أي تقدم منذ مبادرة الاتحاد الإفريقي في يوليو الماضي. لا مواعيد للتفاوض وأكد وزير الري والموارد المائية السوداني أنه لم يحدد أي موعد لاستئناف التفاوض خلال محادثاته في الخرطوم مع وزير الري الإثيوبي، مشيرا إلى أنه لايزال هناك فرصة للاتحاد الإفريقي للعب دور في المفاوضات للوصول لاتفاق حول سد النهضة. وشدد على أن السودان متمسك بموقفه المبدئي في التفاوض بحسن نية والتمسك بقانون المياه الدولي، لافتا إلى أنه بحث مع وزير الري الإثيوبي كيفية رجوع الخرطوم إلى التفاوض برعاية الاتحاد الإفريقي. وقال عباس إن الخرطوم تشترط تغيير منهجية التفاوض، ومنح الاتحاد الإفريقي دورا أكبر لحل أزمة سد النهضة، مؤكدا أنه لا يوجد موعد لاستئناف المفاوضات الثلاثية.وحذر من أن تشغيل سد النهضة الإثيوبي دون اتفاق يهدد سلامة السدود السودانية، موضحا أن الأثر الأساسي للسد سيرتد على خزانات السدود السودانية، وسيتأثر سد الروصيرص سلبيا ببناء سد النهضة. وأوضح عباس أن الجفاف المستمر سيؤثر في توليد الكهرباء بخزان سنار وسد الروصيرص بسبب سد النهضة، محذرا من أن سد النهضة سيؤدي إلى آثار بيئية واجتماعية، وقد يعاني السودان نقصا في التوليد الكهربائي بسبب سد النهضة. وكشف أن بعض محطات الشرب خرجت من الخدمة بسبب الملء المفاجيء لسد النهضة في يوليو الماضي، منوها إلى أن هناك 3 نقاط جوهرية تثير الخلاف في المفاوضات ولم يتم التوصل لاتفاق بشأنها حتى الآن، أبرزها كمية المياه المخزنة في سد النهضة. وطالب عباس بضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم حول سد النهضة، بما يضمن تبادل المعلومات مع سد الروصيرص، لافتا إلى أن اتفاق إعلان المبادئ بين مصر والسودان وأثيوبيا ينص على أن سد النهضة للتعبئة والتشغيل وليس لإقامة مشروعات. وقال إن السودان تفاوض على حماية أكثر من 20 مليون شخص يعيشون على ضفاف النيل الأزرق، مشددا أنه يجب ألا يكون هناك ملء آخر للسد قبل التوصل لاتفاق، وسيكون للخرطوم عدة خيارات حتى لا تتأثر إن أقدمت أثيوبيا على الملء الثاني في يوليو المقبل. وبالنسبة للموقف المصرى، حذر الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، من التخبط السوداني وتلاعب الحكومة السودانية بملف المفاوضات مع إثيوبيا، مطالبا بضرورة نقل ملف سد النهضة من جنوب إفريقيا، لأن أثيوبيا تنسق معها لتجميد المفاوضات وعدم إعطاء مصر والسودان أية حقوق. وقال نور الدين، عبر صفحته على موقع فيس بوك : "السدود على الأنهار الدولية العابرة للحدود مشكلة دولية وليست أفريقية، لأن اسمها أنهار دولية، وبالتالي ينبغي نقل الملف بعد فشل وتجنيد جنوب إفريقيا إلى مجلس الأمن أو الاتحاد الأوروبي أو أمريكا أو البنك الدولي أو منظمة الأممالمتحدة للمياه، لا تتركوا الملف لإثيوبيا وحلفائها. الصمت الرهيب وتوقع الدكتور عباس شراقي، خبير المياه والأستاذ بكلية الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، حدوث أحد احتمالين: إما إعلان فشل المفاوضات وكتابة تقرير إلى مجلس الأمن بذلك. أو سعي الدول المعنية لتقريب وجهات النظر والتوصل لاتفاق يرضي الدول الثلاثة. وقال شراقي، فى تصريحات صحفية، إن نظام الانقلاب، يعتمد على استمرار المفاوضات واتباع سياسة النفس الطويل حتى التوصل لاتفاق مرضي لمصر والسودان يحفظ حقوقهما وفي الوقت ذاته يحقق مصالح أثيوبيا، مستبعدا رضوخ إثيوبيا أو استجابتها لهذا المطلب. وأشار إلى أن حراك السودان لمواصلة المفاوضات شيء طيب، لكن أين دور الجانب المصرى؟ ولماذا هذا الصمت الرهيب ؟ مطالبا بضرورة التحرك لإنقاذ حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل. واعتبر الدكتور هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن إعلان السودان عن استئناف المفاوضات يعكس حالة القنوط واليأس وقلة الحيلة بعد أن ظل هذا الوفد التفاوضى يرقص على الإيقاعات الإثيوبية لمدة عشر سنوات. وانتقد رسلان، في منشور عبر صفحته الرسمية على موقع فيس بوك، مطالبة السودان بدور أكبر للخبراء الأفارقة. وتساءل: "هل تتصور الحكومة السودانية أن الاتحاد الإفريقى سيأمر إثيوبيا باتفاق ملزم أو بآلية لتحكيم الخلافات أو تدابير الجفاف، رغم أنه من المعروف أن إثيوبيا سترفض كل ذلك؟ وحذر رسلان السودان من الوقوع فى فخ التلاعب الإثيوبي بملف سد النهضة أو تجاهل أطماع أديس أبابا في مياه النيل.