فى كلمته القوية أمام القمة العربية المنعقدة فى بغداد، وضع الرئيس عبد الفتاح السيسى النقاط فوق الحروف، حين قال بوضوح لا يحتمل التأويل: "حتى لو نجحت إسرائيل، فى إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل فى الشرق الأوسط، سيظل بعيد المنال، ما لم تقم الدولة الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية" فى لحظة مفصلية من تاريخ المنطقة، أطلق الرئيس السيسى موقفاً مصرياً ثابتاً لا لبس فيه، يقطع الطريق على كل محاولات تجاوز جوهر الصراع فى الشرق الأوسط بهذه العبارة المزلزلة، أسقط الرئيس السيسى الوهم الذى يراهن عليه الاحتلال: أن التطبيع مع العواصم يمكن أن يُغنى عن العدالة فى القدس، أو أن الصمت العربى قد يغطّى على المذبحة المفتوحة فى غزة لقد فهمت مصر – بما لها من ثقل ووعى استراتيجى – أن السلام لا يُقاس بالتوقيعات والصور، بل يُقاس بما يُسترد من حقوق، وما يُصان من كرامة، وما يُعاد من أرض لأصحابها ما قاله الرئيس هو صفعة سياسية ناعمة لكل من يظن أن تجاوز القضية الفلسطينية ممكن. هو تذكير بأن القمم لا تُفضى إلى استقرار، طالما أن الشعب الفلسطينى يواجه الإبادة، والمقدسات تُدنّس، والقرارات الدولية تُنتهك صباح مساء إن ما تفعله إسرائيل اليوم ليس مجرد عدوان، بل مشروع اقتلاع. ومن يظن أن بإمكانه بناء سلام فوق أنقاض غزة، كمن يظن أن بإمكانه بناء وطن على الرمال تاريخ المنطقة يقول إن التجاوز عن فلسطين كان دائماً تمهيداً لانفجار أكبر. وكل محاولة لدفن القضية حيّة، لم تخلق استقراراً، بل صنعت حروباً ممتدة ولذلك، فإن حديث الرئيس السيسى ليس خطاباً دبلوماسياً فحسب، بل موقف استراتيجى ثابت: لا تطبيع بلا دولة فلسطينية. لا أمن دون عدالة، ولا شرق أوسط جديد دون القدسالشرقية عاصمة لفلسطين اليوم، الكلمة المصرية تجد صداها فى الضمير العربى، وتُعيد البوصلة إلى وجهتها الحقيقية: فلسطين أولاً.. وعدا ذلك مجرد سراب فلسطين ليست بنداً فى جدول الأعمال العربى.. بل هى جوهر الهوية، وميزان الكرامة، واختبار الصدق. ومن يتجاوزها، يضلّ الطريق ويخسر التاريخ.