هذا هو صوت العقل فى زمن الجنون، وهذا هو دور مصر فى زمن تباينت فيه المواقف وتراجعت بعض الأصوات، وثبتت مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى على موقفها التاريخى والأخلاقى من القضية الفلسطينية. لم يكن موقفًا عاطفيًا عابرًا، بل رؤية استراتيجية تُدرك أن استقرار الشرق الأوسط يبدأ من فلسطين، وأن السلام الحقيقى لا يُبنى على الدم والدمار، بل على العدل والحق. أثبت السيسى أن الدولة المصرية قادرة على الجمع بين القوة السياسية والمسئولية الإنسانية والصلابة القومية، وبينما تحاول أمريكا وإسرائيل تبرير المجازر تحت ذريعة الأمن، تواصل القاهرة رفع صوتها: لا أمن بلا عدالة، ولا استقرار بلا حل سياسى شامل، ولا مستقبل دون إنهاء الاحتلال. مصر تؤمن بأن عقيدة الشعب الفلسطينى تنبع من حقه فى دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، ولن يموت الحق مهما طال الزمن، وستظل إسرائيل فى حروب مستمرة مهما بلغ بطشها وجبروتها، ومن روح كل شهيد، يتسلح الفلسطينيون بالقوة والشجاعة. الحلول العسكرية والأمنية لن تحقق السلام والأمن لإسرائيل، وهى تستخدمها منذ إعلان قيامها، ولم تحقق لها الحياة المستقرة وسط المحيط العربي، ولن يقبل مواطن عربى أن يصافح أيدى ملوثة بالدماء والقتل والجرائم الوحشية. ويحذر الرئيس دائما من أن الحصاد سيكون قاسيًا على إسرائيل من جيل الكراهية، الذى عاش مأساة مروعة لم تشهد البشرية مثلها، لجيش احتلال جبان يتباهى بقتل النساء والأطفال، ويعتبر ذلك بطولة وانتصارًا، وستظل المآسى محفورة فى الذاكرة، حتى يحين وقت الثأر والانتقام. «مخطئ من يظن أن سياسة حافة الهاوية، يمكن أن تجدى نفعًا أو تحقق مكسبًا»، وهى رسائل قوية من الرئيس لإسرائيل فى القمة العربية الأخيرة فى البحرين، محذرا من الوصول بالمنطقة كلها إلى «حافة الهاوية». حافة الهاوية المدعومة من المجتمع الدولى المتبلد المشاعر والأحاسيس والعاجز عن اتخاذ قرارات إنسانية، وصار التواطؤ بالصمت سياسة دولية إزاء حرب الإبادة الإسرائيلية، التى تفوق ما فعله النازى مع اليهود. «حافة الهاوية» المدعومة من قرارات أمريكية ظاهرها الخداع وباطنها التآمر، وفقدت أمريكا مصداقيتها ولم يعد أحد يصدق ما يصدر عن قادتها من تصريحات متناقضة، ولكنها فى الحقيقة تنطق بلسان إسرائيل وتنفذ سياستها، مع رتوش باهتة لتجميل صورتها. والوضع الشائك لا يترك مجالا للدول العربية إلا أن تضع أيديها معًا قبل فوات الأوان، وأن تقول للعالم كله أن لا سلام ولا تطبيع إلا بانتهاء العدوان الإسرائيلى عن فلسطين والاعتراف بحل الدولتين. إسرائيل لن تنعم بالحياة الطبيعية مع جيرانها دون وقف الحرب الهمجية، وهذه هى إرادة الشعوب والحكام، ونقطة البداية نحو السلام، القوة العسكرية لن تحقق لها الأمن، ومنذ ثلاثة أرباع القرن وهى تستعرض قوتها ولم تصل إلى أمن واستقرار، وستظل كذلك فى محيط عربى مشحون بالكراهية، ولن يكون المستقبل فى صالحها.