"السيسي مضى على بياض ولبّسنا في الحيط!!"، هذا ما يجب أن يعلمه كل مصري وثق بالعسكر، حتى إن رئيس جنوب إفريقيا الذي وافق على وساطة بلاده بين إثيوبيا وسلطات الانقلاب بمصر، قال ساخراً عن جنرال العسكر "بدلا من أن يتجه السيسي إلى الاتحاد الإفريقي لحل أزمة سد النهضة، فإنه هرول إلى سيده ترامب طلبا للوساطة الأمريكية"! وبعد خمس سنوات من المفاوضات مع إثيوبيا والسودان، لم تتوصل عصابة الانقلاب العسكري بمصر إلى أي اتفاق بشأن سد النهضة وحماية حقوق المصريين المائية التي تعتبر قضية أمن قومي رئيسية، غير قابلة للتفاوض أو التنازل عنها. ومع ما تعتبره عصابة الانقلاب بمصر تعنتا من جانب الحكومة الإثيوبية بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد، والإصرار على ملء الخزان، ما يعرض مصر لموجات جفاف مدمرة، بدأ المصريون يتساءلون عن الخيارات المطروحة وما الخطوات القادمة التي يمكن أن يتخذها السفاح عبد الفتاح السيسي؟. لن نتفاوض في 15 يونيو 2020، قال نائب رئيس هيئة الأركان الإثيوبي الجنرال برهانو جولا: إن "بلاده ستدافع عن مصالحها حتى النهاية في سد النهضة. أديس أبابا لن تتفاوض بشأن سيادتها على المشروع الذي يثير خلافا حادا مع مصر". آبي أحمد نفسه سبق وتوعد بالحرب في أكتوبر 2019، عندما قال: "إذا كانت هناك ضرورة للحرب فنستطيع حشد الملايين، وإذا كان البعض يستطيع إطلاق صاروخ، فالآخرون قد يستخدمون القنابل، لكن هذا ليس في مصلحتنا جميعا". وفي ظل التصعيد بين الطرفين، يظل خيار اشتعال حرب ضارية بين عصابة الانقلاب بمصر وإثيوبيا محل شك، لعدة عوامل جيوسياسية واقتصادية، لكن فكرة الصراع ذهبت إلى عقد مقارنات عسكرية بين الجيشين المصري والإثيوبي، إذ يحتل الأخير المرتبة 41 من ضمن أقوى 133 جيشا على مستوى العالم، فيما يحتل الجيش المصري المرتبة 10. هذه المقارنات جاءت إثر تنبؤ العديد من السياسيين والباحثين، باحتمالية نشوب أول حرب على المياه في التاريخ الحديث، في منطقة حوض النيل بين القاهرةوأديس أبابا. مراقبون اتهموا السفيه السيسي شخصيا بتعمد وصول الأمور إلى هذا الحد، ليتمكن من تنفيذ أحلام قديمة راودت الكيان الصهيوني في الحصول على نصيب من مياه النيل بغية إحياء صحراء النقب واستخدامها في استزراع محاصيل قومية مثل الأرز والقمح. يأتي ذلك بعد أن نشر موقع "موقع ميدل إيست أوبزرفر" البريطاني" تقريرا في نوفمبر 2016، كشف فيه بالصور كيف أن سلطات الانقلاب بقيادة السفيه السيسي تعمل على إنشاء 6 أنفاق في شبه جزيرة سيناء لإيصال مياه النيل إلى الاحتلال الصهيوني. في المقابل، ارتفعت الأصوات بخطورة تنفيذ سد النهضة بشروطه الحالية على الأمن القومي المصري، ليس بسبب وصول المياه لتل أبيب عبر سحارات سرابيوم وترعة السلام فحسب بل من أجل إمكانية حدوث طوفان عظيم قد يغرق مصر والسودان. زمزم الجديدة خلال مفاوضات عسكر مصر مع الكيان الصهيوني التالية لمبادرة السادات إلى القدس عام 1977، تقدم نائب مدير هيئة مياه الكيان، شاؤول أولوزوروف، بمشروع "يؤر" إلى الرئيس الراحل أنور السادات لنقل مياه النيل إلى الكيان الصهيوني، عبر شق 6 قنوات تحت قناة السويس. وكان من المخطط أن ينقل عبر هذا المشروع مليار متر مكعب من المياه سنويا، لري صحراء النقب، تشمل 150 مليون متر مكعب لقطاع غزة، وفق عمر فضل الله، في كتابه "حرب المياه على ضفاف النيل، حلم يتحقق". عرْض السادات تنفيذ مشروع أورلوزوروف أثار حفيظة الرئيس الإثيوبي الأسبق منجستو هايلي مريم، الذي أصر على أحقية مناطق فقيرة في حوض النيل الأزرق أكثر من حاجة الكيان الصهيوني لمياه النيل، ولم يكن لإثيوبيا في ذلك الوقت أية خطط محددة لإنشاء أي سدود على النهر. في 16 يناير 1979، نشرت مجلة أكتوبر الأسبوعية نص خطاب أرسله السادات إلى مناحم بيغن رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك، قال فيه: "حيث إننا شرعنا في حل شامل للمشكلة الفلسطينية، فسوف نجعل مياه النيل مساهمة من الشعب المصري باسم ملايين المسلمين كرمز خالد وباقٍ على اتفاق السلام، وسوف تصبح هذه المياه بمثابة مياه زمزم لكل المؤمنين أصحاب الرسالات السماوية في القدس ودليلا على أننا رعاة سلام ورخاء لكافة البشر". خطة السادات واجهت ردود فعل عنيفة على المستويين المحلي والدولي، إذ رفضت الأحزاب السياسية في مصر هذا الأمر، ودفعت باتجاه إيقافه بأي شكل، إضافة إلى رفْض الجانب السوداني هذا المخطط، ممثلا في رد فعل جعفر نميري رئيس السودان الأسبق، وفق مهيرة السباعي في كتابها "القضايا الإفريقية، المنظور الإعلامي.. الأزمات.. المعالجة". مواصفات هرتزل بعد أن توقف مشروع السلام بعد اغتيال السادات في أكتوبر 1981، بقي المشروع طي الدفن إلى أن أحياه الرئيس المخلوع مبارك بعد محاولة اغتياله في إثيوبيا عام 1995، بعد عام واحد من فشل المحاولات الصهيونية في استيراد الماء من تركيا بسبب ارتفاع التكلفة. تم إطلاق مشروع تنمية شمال سيناء تحت شعار التنمية والتوسع العمراني لاستصلاح واستزراع 620 ألف فدان على مياه ترعة السلام وامتدادها في ترعة الشيخ جابر الصباح، بنحو 4.45 مليار متر مكعب من المياه المخلوطة بين مياه النيل العذبة ومياه الصرف الزراعي، وفق موقع المعرفة. استمر العمل في المشروع على 3 مراحل حتى توقف عند آخر مرحلة عام 2010، بدعوى الحاجة لتمويل كبير لمد المياه حتى منطقة "السر والقوارير" في وسط سيناء، إضافة إلى خروج المشروع عن هدفه الحقيقي، وامتداد آثاره نحو إحداث نهضة عمرانية كبيرة في سيناء. في عام 1974 طرح المهندس الصهيوني اليشع كالي تخطيطا لمشروع يقضي بنقل مياه النيل إلى إسرائيل، تحت عنوان "مياه السلام" يتلخص في توسيع ترعة الإسماعيلية لزيادة تدفق المياه فيها، وتنقل هذه المياه عن طريق سحارة أسفل قناة السويس، وكتبت صحيفة معاريف الصهيونية في سبتمبر 1978 تقريرا بأن هذا المشروع ليس طائشا، لأن الظروف أصبحت مهيأة بعد اتفاقيات السلام لتنفيذه، وفق موقع سودارس. يبدو أن المشروع ينفذ بالفعل في عهد السفيه السيسي، حيث تم الانتهاء من أولى سحارات سرابيوم بالتزامن مع الانتهاء من مشروع تفريعة قناة السويس، بذات المواصفات التي حددها هرتزل في مشروعه الذي جمده الإنجليز عام 1903!! وتقع سحارة سرابيوم تحت تفريعة قناة السويس على عمق 60 مترا تحت الأرض، بطول 425 مترا لنقل مياه النيل إلى سيناء، شمل العمل فيها تمرير عدد 4 مواسير بقطر 4 أمتار، تستهدف ري واستصلاح 100 ألف فدان شرق القناة. فرحة الكيان الصهيوني في فيديو منشور على صفحته، يؤكد الإعلامي مصطفى عاشور، أن الجهات السيادية في مصر كانت تعلم مدى خطورة سد النهضة على الأمن القومي المصري منذ فترة طويلة، خصوصا بعد أن نشرت اللجنة الوطنية التي شكلت لدارسة الموضوع، تقريرا يؤكد الآثار المدمرة لهذا السد. ويشير عاشور إلى تقاعس الجهات السيادية والمسؤول عنها السفيه السيسي نفسه، حتى من قبل توليه الحكم، مؤكدا أن تصرفات الحكومة المصرية تنبئ عن تراخٍ متعمد لإنهاء السد ووضع المصريين أمام أمر واقع لا بد منه. إضاعة الوقت دون الحديث عن الأهم والمرتبط بمصالح المصريين الذي تؤكده دراسات مصرية وأجنبية، يقود إلى فرضية وجود تفاهمات مصرية إثيوبية سودانية حول التسليم بالسد، وتهيئة الشعب المصري لقبول الأمر، مما يعيد إلى الأذهان ما نُشر مسربا للسياسي الصهيوني شيمون بيريز، بشأن هذا الملف. وأكد بيريز أنه طلب من حكومة العسكر بمصر وقتها عدم خوض صراع عسكري مع إثيوبيا، على أن تقدم الأفكار الصهيونية المتخصصة في المياه والزراعة لمصر، والتي قال عنها إن تجعل من قطرة المياه 4 أضعاف.